انتهى الحديث في المقال السابق عن برنامج واعد سمي باسم (توقّع) PREDICT نشأ العام 2009م كردة فعل عملية ومنهجية بعد انتشار إنفلونزا الطيور في العام 2005م وكان هدف البرنامج الانتقال من مرحلة التذمر وتبادل التهم بين الدول إلى تكوين قاعدة بيانات لهذه الفيروسات الخفية ومحاولة توقع الوباء القادم ومن أين ستكون الضربة؟! هذا البرنامج الضخم كان بدعم من أموال الحكومة الأميركية لأحد مراكز الأبحاث وكان برنامجاً حالماً تتجاوز أهدافه حدود أميركا ولكن هذا البرنامج يتغذى على ميزانية محدودة 15 - 20 مليون دولار سنوياً منذ العام 2009م ولك أن تتخيل أنه في العام 2019م وقبل انتشار فيروس كورونا بأشهر بسيطة يتم إيقاف البرنامج ويقرر عدم تمديده! وبعد ضغوطات واقع كورونا الحالي تم تمديده في منتصف 2020م لمدة ستة أشهر فقط بميزانية لا تتجاوز ثلاثة ملايين دولار! برنامج PREDICT استطاع خلال عشر سنوات بميزانيته المحدودة أن يقوم بفحص أكثر من 160 ألف عينة حول العالم ويكتشف أكثر من 1000 فيروس حيواني جديد! ويدرب أكثر من 6 آلاف شخص في أكثر من 30 دولة إفريقية وآسيوية وينشأ ويطور أكثر من 60 مختبراً متخصصاً في أبحاث العدوى. إذا كان غياب الحماسة لدى الحكومات لدعم مثل هذه البرامج الاستباقية سببه التكلفة المادية من نظرهم فبرنامج PREDICT كلف ما يقارب 200 مليون دولار خلال عشر سنوات بينما فيروس سارس العام 2003م كلّف العالم 54 مليار دولار وفيروس كورونا الحالي وصلت تكلفته تريليونات الدولارات ومازالت الآثار حتى الآن. مثلما أخذ العالم بحكوماته على عاتقهم محاربة الإرهاب ومكافحة غسيل الأموال وتوقيع اتفاقيات مشتركة ووضع ضوابط عالمية لتسليم المجرمين وأخذ هذه الأمور على محمل الجد، فلماذا لا تأخذ الحكومات الآن مكافحة العدوى الحيوانية على محمل الجد؟ بإنشاء برنامج عالمي للكشف الاستباقي لها وتخزين قاعدة بيانات عالمية منشورة سيساعد الباحثين حول العالم أجمع لدراستها بشكل أعمق وفهم الكثير عنها قبل أن تتحول إلى جائحة ويعطي الحكومات وقتاً إضافياً في حال انتشارها يمكّنها على أقل تقدير من توقع احتمالية حدوث الجائحة لتزيد إنتاجها من الكمامات والألبسة الواقية وغيرهما وهي الأمور الأساسية التي كانت الدول الكبرى مثل بريطانيا وأميركا ودول أوروبا تعاني نقصاً حاداً منها لفترة، ما جعل العاملين الصحيين لديهم في خطر واضح كجندي حرب أدخلوه الميدان دون درع واقٍ ولا بندقية أو تغطية جوية! إن رئاسة السعودية لمجموعة دول العشرين هذا العام فرصة سانحة لإعلان إطلاق مثل هذا المشروع من رحم مجموعة العشرين. ويكون مدعوماً منها وقاعدة بياناته متاحة لعموم الباحثين حول العالم. استطاعت السعودية أن تحصد على الإشادة بإدارتها لجائحة كورونا داخلياً في عدة محافل ولديها القدرة على أن تقود دول العشرين لإطلاق مثل هذا المشروع ليكون هدية المجموعة للعالم بأجمعه.