التعصب هو الانتصار للنظريات التي يثبت علمياً عدم صحتها، والممارسات المخالفة للأنظمة والقوانين، والانحياز للأوهام على حساب الحقائق. هو العقل المغلق الذي يرفض التفكير العلمي، والحوار الموضوعي. هو ممارسة العناد في التمسك بالمواقف رغم وضوح خطئها. المتعصب لا يعتذر عن الخطأ، لا يتقبل النصيحة ولا الآراء التي لا تتفق مع رأيه أو تتعارض مع توجهاته وانتماءاته. المتعصب تسيطر عليه العاطفة فتعطل قدراته العقلية. ينتصر للانتماءات والذات وليس للحق. المتعصب هو من يعتد بآرائه ومواقفه ويتمسك بها بكل تشدد ولا يقبل التنازل عنها حتى لو ثبت بطلانها. هو الذي لا يملك الحجة والأدلة لدعم آرائه ومواقفه. المتعصب يستمتع بالنقاش ليمارس هواية التعصب. المتعصب لا علاقة له بالتسامح والمنطق والموضوعية. المتعصب يمتلك مشاعر إيجابية أو سلبية تجاه شخص أو جماعة، مشاعر لا تقبل النقاش ومواقف ترفض التراجع وكأن الاعتراف بالحقيقة إعلان هزيمة. الوسيلة الوحيدة التي يملكها المتعصب لدعم آرائه هي العنف اللفظي. لهذا السبب فهو لا يصلح لمهنة التدريس أو الاستشارات أو برامج التوعية. في التربية يحرص المتعصب على جعل الأبناء نسخاً منه. هل التعصب حالة ميؤوس منها؟ بالطبع لا. يمكن معالجة التعصب من خلال برامج جماعية تفاعلية مكثفة تنفذ بعيداً عن محيط المتعصب العائلي والاجتماعي. تتضمن هذه البرامج دروساً نظرية وعملية تتطرق إلى موضوعات ذات علاقة وتأثير بهذه القضية ومن أهمها القيم الدينية، وأهمية التنوع والتسامح وتعدد الآراء. معالجة التعصب تتطلب أيضاً التدريب على النقاش الموضوعي وآداب الحوار واحترام مشاعر الآخرين، والتدريب على تقبل النقد، والقيام بأعمال تعاونية لخدمة المجتمع لتعزيز مبدأ المصلحة العامة. لا شك أن المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية تقع عليها مسؤولية مؤثرة في نبذ التعصب وترسيخ مبادئ المساواة والانفتاح وحقوق الإنسان بشكل عام. من المهم في مسؤولية هذه المؤسسات التأكيد على أن الذكاء والإبداع والإنجازات متاحة للجميع وليست خاصة بفئة دون أخرى، وأن الافتخار بالمنجز لا يعني التقليل من إنجازات الآخرين. ميادين العمل ليست للتفاخر وإنما للمشاركة والتنافس البناء لخدمة الصالح العام. التعصب بكل أنواعه مرفوض لأنه مصدر للفتنة والتنافس الهدام والأنانية والانقسام والعنف، ولهذا تتعامل معه الدول بجدية لأن الأمن حاجة إنسانية للجميع، ولا يجتمع الأمن والتعصب في مكان واحد.