منصتان تتقدمان المشهد الثقافي الرقمي في جائزة عبدالله بن إدريس    «الداخلية» تختم مشاركتها في مؤتمر ومعرض الحج    الشرع: سورية اصبحت حليف جيوسياسي لواشنطن    «رحلة الموت».. بين الفاشر وتشاد    رينارد يتحدث للإعلام.. وعودة الثلاثي المصاب    الفتح يستعد لمواجهتي الهلال    فيصل بن خالد: تطوير التعليم يتطلب العمل وفق خطة واضحة    «إغاثي الملك سلمان».. مشروعات إنسانية لتخفيف معاناة الشعوب    ضبط مصري في المدينة المنورة لترويجه (1,4) كجم "حشيش"    القيادة تعزي الرئيس التركي    معرض "بنان" يستعرض فنون الحرف اليدوية ل40 دولة    تعزيز التعاون الإعلامي بين كدانة وهيئة الصحفيين بمكة    فرحة الإنجاز التي لا تخبو    فيصل بن فرحان ووزيرة خارجية كندا يستعرضان العلاقات وسبل تعزيزها    البديوي: اعتماد المرحلة الأولى لنظام «النقطة الواحدة» بين دول الخليج    نائب وزير الصناعة يبحث تعزيز التكامل الصناعي الثنائي مع مصر    وكيل وزارة الحج يدشن مبادرة «تمكين العاملين في خدمة ضيوف الرحمن»    أمير جازان يشهد انطلاق أعمال ورشة الخطة التنفيذية لمنظومة الصحة 2026    "تنظيم الإعلام" تقدم مبادرة "التصريح الإعلامي المبكر" ضمن مشاركتها في مؤتمر ومعرض الحج    جلسة حوارية حول "الاتصال الثقافي بين السعودية والصين" في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود    وزيرا الثقافة والتعليم يدشنان أكاديمية آفاق للفنون والثقافة    نجم تستعرض حلولها الرقمية المبتكرة ودورها في تمكين قطاع تأمين المركبات    وزير الخارجية يصل إلى كندا للمشاركة في الاجتماع الوزاري لمجموعة ال7    جمعية "نماء" بجازان تطلق دورة "تصميم وفن احتراف الديكور الداخلي" ضمن "مشروع إنطلاقة نماء"    خادم الحرمين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء بجميع أنحاء المملكة يوم غدٍ الخميس    ريمار العقارية تعين الدكتور بسام بودي رئيسا تنفيذيا للشركة    مسؤول سعودي: نسعى لتكون السياحة ثاني أكبر قطاع اقتصادي لتعزيز التوظيف ووزبر السياحة اكد ذلك    وزير الصحة السعودي: الاستطاعة الصحية شرط الحصول على تأشيرة الحج    تحسين متوسط العمر في ضوء رؤية 2030    ارتفاع اسعار الذهب    تعليم المدينة يدعو للمشاركة في المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    إمارة منطقة مكة تشارك في مؤتمر ومعرض الحج والعمرة    الاتحاد يخطط للتعاقد مع مدرب فرنسا    رونالدو: السعودية بلدي وسأعيش هنا بعد الاعتزال    «أونروا»: هناك مدن دمرت بالكامل في غزة    أكد التزام روسيا بعدم إجرائها.. الكرملين: لم نتلق توضيحاً من واشنطن بشأن التجارب النووية    «محمية الإمام» تطلق تجربة المنطاد    نهى عابدين تشارك في فيلم «طه الغريب»    تعزيز حضور السينما السعودية في السوق الأمريكي    القيادة تعزي رئيسة سورينام في وفاة الرئيس الأسبق رونالد فينيتيان    مطار الملك سلمان يعزز الربط العالمي    أشاد بالتميز الصحي وأكد أن الإنسان محور التنمية.. مجلس الوزراء: الدولة تعتني بشؤون الحج والعمرة والزيارة    نحو نظرية في التعليم    المفتي يحث المسلمين على أداء صلاة الاستسقاء غداً    وسط تعثر تنفيذ خطة ترمب.. تحذير أوروبي من تقسيم غزة    دراسة: فيروس شائع يحفز سرطان الجلد مباشرة    بدء التسجيل لجائزة سلامة المرضى    أمير نجران يستعرض تقرير "التجارة"    الأقل جاذبية يتمتعون بشهرة أعلى    أمير المدينة يتفقد محافظة المهد    منطقة الحدود الشمالية الأقل في حالات النزيف والتمزق    علاج جيني واحد يخفض الكوليسترول    أقراص تطيل العمر 150 عاما    أزمة قانونية تلاحق ChatGPT    أرقام الجولة الثامنة.. 20 هدف ونجومية سيلا سو ومشعل المطيري    بيع 41 طنا من التمور يوميا    فهد المسعود ينضم إلى لجنة كرة القدم بنادي الاتفاق    أمير تبوك يطّلع على التقرير السنوي لأعمال فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تركيا وإيران.. وأضغاث الأحلام (1_3)

كم كنت أتمنى أن تُتَاح لنا في الصحافة والإعلام مساحة أكبر للحديث عن التاريخ السياسي لتركيا منذ تأسيس (الدولة العليَّة العثمانية) على يد عثمان الأول ابن أرطغرل، لتحكم نصف العالم، ويستمر حكمها لستة قرون تقريباً؛ مروراً بعهد كل السلاطين والخلفاء الذين تعاقبوا على حكمها، حتى مرضها، ثم أفول نجمها عام 1923م؛ ثم ظهور مصطفى كمال أتاتورك، الذي ألغى الخلافة العثمانية، ليؤسس مكانها الجمهورية التركية الحالية في أكتوبر من العام نفسه الذي أفل فيه نجم إمبراطورية آل عثمان، ويتخذ أنقرة عاصمة لها، وصولاً إلى العهد الحالي بقيادة رجب طيب أردوغان، تلميذ أتاتورك، الذي لم يكن له من اسمه أدنى نصيب. ومن ثمَّ تحويل البلاد إلى أداة طيعة يستغلها الاستعمار للهيمنة على دول المنطقة، إذ أصبحت تركيا منذ عام 1952م، القاعدة العسكرية الأساسية التي تُحَاك فيها كل المؤامرات، وتُحَدَّد فيها الإستراتيجيات الغربية كلها بليل لإحكام القبضة على العالمين العربي والإسلامي، ومن ثمَّ استسلام تركيا للقوى الاستعمارية.
على صعيد آخر، كنت أتمنى أيضاً أن تُتَاح لنا المساحة اللازمة للحديث عن التاريخ السياسي لإيران منذ العهود القديمة، إلى العهود الشاهنشاهية، فالفتح الإسلامي والقرون الوسطى، ثم القرون الحديثة حيث ظهور الدولة الصفوية وتقاطعاتها مع الدولة العثمانية، وصولاً إلى القرون الحديثة المتأخرة والمعاصرة، حيث ظهور مملكة إيران البهلوية، ثم الثورة (الإسلامية المزعومة المشؤومة) والحكومة المؤقتة، فالجمهورية الإسلامية عام 1980م، وحقدها الدفين على العرب.
أجل، كنت أتمنى أن يسمح لي المجال بالاسترسال في التاريخ السياسي لهاتين الدولتين (المشاغبتين)، وما يوجد بينهما من تقاطعات وتناقضات واختلافات، وتضارب مصالح، وتنافس محموم على النفوذ. ومع هذا كله، عندما تعلَّق الأمر باستهداف العرب، أجلتا معركتهما وضمتا إلى تحالفهما عدو العرب التاريخي (الكيان الصهيوني) لتحقيق غايتهما بتفريق شمل العرب، والسيطرة عليهم للاستيلاء على مقدراتهم ومقدساتهم.. يحسبونه هيِّناً.
وصحيح، رُبَّما استغرب البعض من القاسم المشترك الذي يجمع هذا الثالوث الخبيث، إلا إنه حقيقة واقعة لا تغيب عن فطنة كل حصيف، إذ سبق أن أشرت إلى هذا في أكثر من مقال، من وجود سفارة لإيران في (إسرائيل) تحت غطاء (جمعية الصداقة الإيرانية - الإسرائيلية)، ثم عدم قيام إيران بأي عمل، حتى إن كان مجرد استفزاز جدّي ضد الكيان الصهيوني- مع ما يسدِّده لها الأخير من لكمات عنيفة - أرى أيضاً أنها لذر الرماد على أعيننا، مع تأثيرها أحياناً على الحليف الإيراني ليوفروا لها جرعة أكبر من الصدق.
أما تركيا (وريثة دولة الخلافة الإسلامية)، فيكفيها من العار والشنار أن لها سفارة في تل أبيب، بينما لإسرائيل سفارة في أنقرة، بل أكثر من هذا: احتفل مسؤولوها مؤخراً - بكل فخر واعتزاز - مع الإسرائيليين داخل سفارتهم بأنقرة بمرور (72) عاماً على تأسيس دولة الاحتلال الصهيوني على أشلاء الفلسطينيين الذين تدَّعي كل من تركيا وإيران مناصرتهم لاستعادة وطنهم السليب من مخالب اليهود.. ناسين أو متغافلين عن دور القومية العنصرية، والدول الصليبية وتعاونها مع الحركة الصهيونية في تدبير مؤامرة خلع السلطان عبدالحميد الثاني عن طريق شراء الذِّمم، والقضاء على الخلافة الإسلامية التي يتشدق بها أردوغان تلميذ أتاتورك اليوم، وتشويه تلك الخاتمة من عمر الخلافة، حتى ينفر الناس من مجرد كلمة خليفة أو خلافة؛ مع أن الدولة العثمانية كانت هي الملجأ الوحيد لليهود الذين نجوا من بطش محاكم التفتيش في أسبانيا.
والحق يقال، حقد أردوغان على العرب أيضاً حقد دفين، متوارث من الخليفة عبدالحميد هذا الذي ذكر في مذكراته السياسية (1891 - 1908م) التي طُبِعت لأول مرة عام 1397ه/1977م، ص 29، قائلاً: (إذا أضعنا استانبول أضعنا معها الخلافة، ستؤول الخلافة حتماً إلى العرب).. يكره لنا الخلافة ومنَّا نبيُّ الأُمَّة عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، وعندنا اليوم مثواه الشريف، واختار الله بلادنا لتكون قبلة المسلمين!.
والحقيقة، أكره تبديد وقت القارئ الكريم بتكرار ما هو معلوم بالضرورة لكل مهتم بالشأن السياسي في المنطقة والعالم ومتابع له، مما ألحقته إيران (الجمهورية الإسلامية) من دمار وخراب وقتل على الهوية وتشريد وفساد بدول المنطقة، من العراق إلى سوريا ولبنان فاليمن، بواسطة مخالبها الرخيصة في تلك البلدان، وشل الحياة السياسية فيها إلى درجة الجمود، حتى أصبح تعيين رئيس حكومة هنا أو وزير هناك، يستغرق سنين عدداً، فتكون البلاد قد غرقت في الفوضى، ويتسع الخرق على الراتق؛ بل عملت إيران بذكاء شديد لتحقيق أهدافها الخبيثة لتغرس عملاء لها في كثير من دول أفريقيا السمراء، وبلغت بها الجرأة حد التغلغل في دول الكاريبي وأميركا اللاتينية، ناهيك عن تمكنها من دول آسيا التي تحيط بها، سعياً لتحقيق أهدافها بالجزرة أو العصا أو بهما معاً إن تطلب الأمر.
قلت: لن أعيد ما هو معلوم بالضرورة، ولهذا أود أن أدلف مباشرة إلى هذا الود الذي ظهر فجأة بين بقية الصفويين وبين بقية آل عثمان، على قاعدة: عدو عدوِّي هو بالضرورة صديقي؛ ونشاطهما المحموم في المنطقة، لاسيَّما فيما يتعلق بموضوع ليبيا التي حالها أشبه ما يكون اليوم بحال الإمبراطورية العثمانية، عندما تكسَّرت عليها نصال الروس والأوروبيين، فمرضت مرضاً شديداً وضعفت وتضعضعت أركانها، مما أدى لأفول نجمها. وهو أيضاً أمر ليس بجديد على المهتمين، فشهية تركيا للاستحواذ على مقدرات ليبيا، قديمة قدم الدولة العليَّة نفسها، إذ سبق أن غزا العثمانيون ليبيا عام 1551م، بقيادة سنان باشا، وحكموها لثلاثة قرون عجاف، مارسوا خلالها أبشع أنواع العذاب والظلم، فأذاقوا الليبيين الأمرين، وتعاقب على حكم ليبيا (72) والياً تركياً، قضى معظمهم قتلاً على أيدي الثوار الليبيين أو انتحاراً بسبب ما كانوا يرونه من فظائع تقض مضاجعهم ليل نهار، نتيجة ما تمارسه دولتهم العلية من قمع وبطش وتعذيب بالليبيين العزَّل المساكين، وسلب لأموالهم وممتلكاتهم، وفعل كل شيء من شأنه إذلالهم والحط من شأنهم وتحطيم نفسهم.
ويُذْكر أن مذبحة قبيلة الجوازي الليبية التي تستوطن شرق برقة، كانت من أبشع المذابح التي ارتكبها العثمانيون في حق الليبيين بسبب رفضهم دفع الجزية للأتراك؛ ففي 5/9/1817م، دعا والي طرابلس (45) شخصاً من قادة قبيلة الجوازي لاجتماع بحجة مناقشة الأمر معهم، والتوصل لحل يرضيهم، غير أنه غدر بهم، كعهد الأتراك دائماً، فذبحهم جميعاً. وألحق بهم أكثر من عشرة آلاف من أبنائهم من مختلف نواحي برقة.
وعندما خلا لهم الجو، استمر العثمانيون في تحقيق هدفهم الحقيقي الذي دفعهم لاحتلال ليبيا، الذي يتمثل في الحصول على الثروة، فارتفعت الضرائب بشكل مذهل، وازدادت شراستهم وتوحشهم في جمعها من الأهالي، فآنئذٍ لم تكن لليبيين حيلة غير الثورة على المحتل الغاشم. فثاروا عليه عام 1835م، بقيادة غومة المحمودي، شيخ المحاميد الذي خاض ضدهم (28) معركة، مما اضطر العثمانيين لنفيه عام 1834م، إلى مدينة طرابزون ليعود لإشعال جذوة الثورة من جديد عام 1854م، حتى مقتله على يد أعدائه في 26/3/1858م.
وإثر وأد الثورة الليبية، قدَّمت الدولة العثمانية ليبيا للمحتل الإيطالي على طبق من ذهب، عندما غزا الإيطاليون طرابلس عام 1911م، إذ كان العثمانيون يرون أن طرابلس الغرب من الولايات التي لا تحقق للدولة فائدة كبيرة؛ بل كان خليفتهم يقول: إن حكمنا لبنغازي يكلفنا غالياً، نصرف من أجلها أموالاً طائلة. فهم تجار إذاً يتعاملون بمنطق الربح والخسارة، وليس حماة للإسلام كما يدَّعون. لهذا قرروا أن تخرج ليبيا من يد الأُمَّة العثمانية إلى الأبد، فتخاذلوا واتفقوا على الصلح مع الإيطاليين، وسمحوا لهم باحتلال درنة وطبرق والخمس، دونما أدنى مقاومة تُذْكر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.