يوماً بعد يوم تتكشف لنا أبعاد جائحة كورونا حول العالم، ليس على الصعيد الصحي والاجتماعي والاقتصادي فحسب بل وحتى المهني، فها هي الجمعية الدولية لمخططي المدن تخصص منصة علمية في مؤتمرها السنوي الذي سيعقد في شهر نوفمبر من هذا العام لمناقشة عمران ما بعد (كوفيد 19) «Post Covid-19 Urbanism» وما يواجه المتخصصين في مجال تخطيط المدن من تحديات جراء التأثير الكبير على بؤر هذه الجائحة، وهي معظم عواصم ومدن العالم، وذلك انطلاقاً من الرسالة المهنية التي تحملها هذه الجمعية في الاستفادة من الجانب المعرفي عن هذه الجائحة في التطوير المستقبلي للمدن على نحو أفضل. إن من التساؤلات المهمة التي تطرحها تلك الجمعية في سعي للإجابة عليها في منصة الحوار والنقاش المهني الذي سيشهده مؤتمرها السنوي بعد أربعة أشهر من الآن: ما الذي تعلمناه حتى الآن من هذه الجائحة التي لم تطوَ صفحتها إلى اليوم..؟ وكيف استطاعت بعض المدن أن تطوق وتحتوي تفشي هذا الوباء مقارنة بغيرها من المدن الأخرى..؟ وهل هناك مدينة يمكن اعتبارها نموذجاً قادراً على مقاومة تفشي هذا الوباء..؟ أتأمل في تلك التساؤلات المهمة وأحاول البحث عن إجابة لها في واقع مدن المملكة التي اجتاحها هذا الوباء حيث أجد أن الوباء قد انتشر في كافة مناطق المملكة دون استثناء، وإن تفاوتت درجة هذا الانتشار بين منطقة وأخرى، حيث كان التفشي عالياً في المناطق ذات الكثافة السكانية المرتفعة (مكةالمكرمةوالرياض والمنطقة الشرقية)، ومتدنياً في المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة (الجوف والحدود الشمالية والباحة). في حين أنه على مستوى المدن نراه قد انتشر فيما نسبته (66 %) من مدن المملكة، كانت درجة التفشي عالية في المدن الأكبر حجماً وتنوعاً في الأنشطة الوظيفية وأيضاً في الكثافة السكانية وهي (الرياضوجدةومكةالمكرمة والمدينة المنورة وحاضرة الدمام). بينما على النقيض من تلك المدن الكبرى من حيث الحجم وتنوع النشاط الوظيفي والكثافة السكانية يوجد هناك عدد ليس بالقليل من المدن المتوسطة والصغيرة التي استطاعت أن تحتوي هذا الوباء وتوقف انتشاره، وربما مثل البعض منها نماذج لمقاومة تفشي هذا الوباء. ما نتمناه هو أن تكون جهات الاختصاص المسؤولة عن تطوير المدن في المملكة قد وفقت في رصد البيانات الخاصة بتفشي أو انتشار الوباء في هذه المدن، لغرض عمل الدراسات التحليلية في هذا الجانب سعياً لتوظيف الجانب المعرفي منه في تحسين كفاءة مدننا في مواجهة الكوارث الصحية - لا قدر الله - مستقبلاً.