بالنظر إلى تجربتي «القاعدة» و»داعش» حالياً في بعض الدول العربية، سندرك أن سلطوية الإرهاب القذرة تنتج الدمار الفعلي للدول والمجتمعات، لذلك فإن أي تهاون في التعامل مع الإرهاب سينتج مزيداً منه.. لا يمكن قراءة مشهد الإرهاب والعمليات الإجرامية، التي شهدها مجتمعنا من دون فهم لتاريخ هذا المشهد المقلق، الذي لا يمكن التغافل عن عمقه الأيديولوجي، الذي يشكل خطرا كبيرا في حال تحوله إلى هوية (جيلية)؛ أي مسار إلى الانتماء، يمكن نقله من جيل إلى آخر عبر سلطوية الأيديولوجيا، التي يمكنها في مرحلة من المراحل أن تتداخل مع البنية الثقافية، التي تعيش فيها السلوكيات الإرهابية. نحن في هذا المجتمع عانينا بعمق من الإرهاب تحت مدلولات متناثرة في عمق الأيديولوجيا القذرة، التي كانت تسمح للإرهاب بالتجاوز نحو مرحلة الانتحار لتحقيق أهدافها، وكانت العمليات الإرهابية التي لفتت الأنظار إليها في هذا المجتمع، قد انطلقت في العقد الأخير من القرن الماضي، والحقيقة أن التجربة الأمنية في التعامل مع الإرهاب كانت وما زالت محل تقدير جميع المستويات المحلية والدولية، فقد أصبحت التجربة السعودية في مكافحة الإرهاب مسارا مهنيا يستفاد منه كتجربة فريدة في بلد تتشكل فيه ثقافة عميقة عبر الاندماج التاريخي بين الدين والمجتمع. في السعودية نحن ننجح - بفضل الله - في تفكيك كثير من الخطط الإرهابية الموجهة نحو المجتمع، وهذا النجاح لم يأتِ مصادفة، بل هو تجربة مليئة بالتحديات والنجاحات، فالتجربة الدولية في مكافحة الإرهاب الانتحاري لم تدخل واقعها الفعلي وفق المفهوم الأيديولوجي للإرهاب الذي نتداوله اليوم إلا خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي، وهذا يعني أن ممارسة ضبط هذه الظاهرة في بلد كالسعودية وبهذه الطريقة تعتبر إنجازا تاريخيا؛ لأنه لا بد من إدراك أن أهداف الإرهاب هي تدمير هذا المجتمع، وتشتيت مساراته التنموية والحضارية، ولذلك فإن أي مواجهة يتخذها المسار السياسي في هذا المجتمع لمواجهة الإرهاب - هي مبررة ومقبولة ومطلوبة؛ لأن كل من يحمل في رأسه فكرة إرهابية يجب أن يتم التعامل معه بحزم وقوة. بالنظر إلى تجربتي "القاعدة" و"داعش" حالياً في بعض الدول العربية، سندرك أن سلطوية الإرهاب القذرة تنتج الدمار الفعلي للدول والمجتمعات، لذلك فإن أي تهاون في التعامل مع الإرهاب سينتج مزيداً منه، ولعل السؤال المهم يقول: لماذا يجب التعامل بحزم مع هذه الأيديولوجيا القذرة؟ والجواب أن هذه الأيديولوجيا القذرة تشبه الوباء إذا ما انتشر في بيئة جغرافية، بحيث لا يمكن توقع كيف ينتشر هذا الوباء، أو كيف يصاب به الأفراد والمجتمعات، هذه الأيديولوجيا القذرة ليست جسدا فعليا يمكن مواجهته بسلاح طبيعي؛ لأنها إذا ما سادت في بيئة جغرافية ولو كانت محدودة من حيث المساحة والعدد، فإنها تدمر كل ما حولها، وتنشر الوباء تحت أغطية ثقافية خطيرة. لو استعدنا التاريخ حول الجيل الأول من منتسبي المنظمات الإرهابية سواء "القاعدة" أو غيرها، لاكتشفنا أن ذلك الجيل وتلك الأيديولوجيا لم تكن عقيمة، فهناك جيل جديد تم إنتاجه، وينقسم إلى عدة أقسام: الأول ممن توفر له بعض الدول ملاذا آمنا وحماية، كما تفعل إيران مع عناصر القاعدة وحتى أبناء قيادة القاعدة. والثاني يعيش في جغرافيا "داعش" المتبقية، التي تنشط في بعض الدول في الشرق الأوسط. والثالث وهم الجيل الذي يشكل الخلايا النائمة، وينتشر في كثير من المجتمعات الشرق أوسطية من دون استثناء، والأخطر في هذا القسم أن معظم أفراده ينتمون نظريا أو بيولوجيا إلى أجيال متفاوتة، نشأت خلال العقود الثلاثة أو الأربعة أو الخمسة الماضية. سلطوية الأيديولوجيا القذرة تحرك الإرهاب بطرق متعددة، ولذلك علينا الاعتراف بأن العقود الأخيرة شهدت ظهور تلك الأيديولوجيا القذرة المرتكزة على التغلغل في الثقافة، مع إمكانية تحولها إلى أيديولوجيا ذات جينات وراثية، يمكنها التناقل بين الأجيال عبر تكريس المفاهيم الانتحارية ذاتها، وترسيخ فكرة الاستمرار والانتقام، وتأصيل فكرة الصبر المنتهي بالانتصار، وترسيخ أن القدر يضع هؤلا الأفراد في مسارهم التاريخي، وهي فكرة قذرة يتم دعمها بتفسيرات خاطئة تتم الاستعانة بها من تفسيرات مضللة للمفاهيم الدينية السائدة في المجتمعات. الملاحظة النهائية التي تقول إن الإرهاب يمكن أن يتحول إلى (ظاهرة جيلية)؛ أي يمكن نقلها عبر الأجيال، تتطلب فهما وتحليلا ثقافيا ومجتمعيا دقيقا لفهم البيئات الثقافية والاجتماعية والأيديولوجية التي تعيشها تلك الفئات، فالاعتماد على التربية الأمنية يقود طبيعيا إلى تحقيق مستوى متقدم من السيطرة الأمنية، ولكن الظاهرة الجيلية قد تكون أحد المفاهيم العميقة لتحرير الجينات البشرية من نقل الأيديولوجيا القذرة عبر الأجيال، التي وُجِدت في مرحلة معينة وسط سلطوية الأيديولوجيا القذرة.