من الصعب إيجاد نقطة انطلاق محددة عبر التاريخ تحدد ولادة الإسلام السياسي بالمعنى الفكري والثقافي، لكن يمكننا أن نقارب المسار التاريخي إذا بحثنا في تاريخ نشوء التنظيمات الإرهابية من الناحية التنظيمية والحركية، لدينا جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست سنة 1928؛ وهي جماعة تطورت تاريخياً لتكون تنظيماً كاملاً يضم أجنحة عسكرية سرية وعلنية. كانت جماعة الإخوان المسلمين تتنفس وحيدةً، كان جسدها هزيلاً مع أن الشعبية التي خطفها حسن البنا كفرد لم تتكرر لغيره من المرشدين. بمجيء الخميني وبزلزال الثورة الإيرانية سنة 1979 تفجّرت ينابيع الإسلام السياسي وانتشرت عدوى التنظيمات من الثورة الإيرانية إلى خنادق الإسلاميين المهمّشين المجروحين بهزائم العرب فهربوا لاجئين إلى تأسيس جبهات فكرية تقوم على «أيديولوجيا الحرب» وتتغذى على عقائد «الاستئصال» هذا وقد شدّد مؤخراً د. شوقي علام مفتي الديار المصرية على عدم جواز إطلاق مسمى «الدولة الإسلامية» على تنظيم «داعش» الإرهابي، وقال: «لا يجوز أن يطلق على مثل هذه التنظيمات الإرهابية الدموية صفة الدولة الإسلامية، لأن الإسلام بريء من أفعالهم». تشكّلت الدولة الإسلامية حسب ظروف شديدة التعقيد، منذ الصراع على الخلافة، وإلى الخلافات الإسلامية الأخرى، ومفهوم «الحاكمية» يهدف إلى فرض أحكام من قبل طرف على بقية الأطراف، فهو مفهوم سلطوي بالأساس. الإسلاميون اليوم يستخدمون «الحاكمية» إمعاناً منهم في الخصومة مع الحكومات التي يتهمونها بالكفر. ويزول تكفير أيّ حكومة بحسب الحركة السياسية للجماعة الإسلامية، بعض الجماعات غيّرت مواقفها من دولٍ كثيرة بسحب المصالح. ها هي جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت عربية المنشأ وسنيّة الأيديولوجيا وإسلامية الهدف حسب ما زعم قادتها أصبحت رهن التوجيهات الإيرانية. ومن أكبر الدلائل على لعب جماعة الإخوان بالأفكار لتحقيق مآربهم السياسية دليل تقاربهم مع إيران وتنافيهم مع السعودية، ووجود حماية لمفاهيم سلطوية تصريح محمد بديع نفسه أيضاً الذي نفى في 14-10-2010 استبعاد جماعة الإخوان لشعارها المعروف: «الإسلام هو الحل». وبالطبع نجد أن هذا المفهوم مخادع مثله مثل مفهوم الحاكمية، ذلك أن جميع العالم الإسلامي ينتمون إلى الإسلام بحسب الفهم والتأويل الذي ينتمون إليه والاجتهاد الذي يختطّونه. بالأمس كان لدينا تنظيم القاعدة، واليوم لدينا داعش. المشكلة الأساسية أنها تنظيمات تحوّلت إلى «ماركة» يمكن لأي فرد أن ينضم إليها من أي مكانٍ كان عبر التقنيات الحديثة والانترنت، يمكن لأي جماعة مهما صغر عدد أفرادها الانضمام لهذا التنظيم، وهي ظاهرة أسميها عادةً ب»عولمة الإرهاب»، فصارت داعش تمارس نفس دور القاعدة سابقاً أو كدور الشركات الكبرى العابرة للقارات، صار التنظيم ماركة يستخدمها من أراد ممارسة العنف، ولا يمكننا أبداً أن نستبعد أن بعض العمليّات التي يتبنّاها ليست له يد طولى في عملها، لكنه يستخدمها لصالح الدعاية لماركة «داعش» لتكون رسالة إعلان وجود. هذه هي مخادعتهم الدائمة، تلبسوا بالدين وسموا أنفسهم به، وحتى أنهم لشدة مكرهم السياسي تحالفوا مع إيران ذات الأيديولوجيا المختلفة جذرياً عن الأيديولوجيا التي يحملونها ذات المرجعية السنية، فمكروا بالناس منذ مفهوم «الحاكمية» إلى مفهوم «الإسلام هو الحل»!