جاء رد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عميق الإيجاز والدلالة ولا مبالغة فيه، وكما تقول العرب «قطعت جهيزة قول كل خطيب» عند استدلالهم باستيفاء الحجة وثبات البرهان والذي لا حاجة فيه للإطالة والإسهاب، فسلاحنا ليس هبة من الآخرين ونشتريه بأموالنا لندافع به عن مصالحنا وثروتنا وأمن مواطنينا، لا سيما ونحن نعيش اليوم في عالم محكوم بالأنظمة والقوانين وتبادل المصالح، فكيف لا يكون ذلك عند النظر للمملكة كأحد أكبر اقتصادات الدول العشرين وذات الرواج التجاري الذي يتسع لاحتواء الفرص التسويقية عالمياً من خلال ترويج وتسويق وبيع منتجها النفطي، فلكل دولة لها سيادتها المستقلة التي تعمل على رسم حدود مصالحها وفق ما تمليه حاجاتها وما تقتضيه شؤونها، فلا صداقة دائمة ولا عداوة مستمرة وإنما هي لغة المصالح التي تفرض واقعها وعليه تنبني علاقات الدول ببعضها بعض. ليست هذه مقدمة استهلالية وإنما هي حقيقة العلاقة المحكومة بالمصالح والمنافع المتبادلة في عالم يعيش اليوم قرية كونية اتصالية صغيرة بفضل تقارب تلك المصالح، فلا حدود بين الدول ولا حواجز في شأن كهذا، وبلد مثل المملكة العربية السعودية قوة اقتصادية ومركز ثقل سياسي هو مضرب المثل في حجم العلاقات المتبادلة بين الدول، فليس بالنفط وحدة ننال موقعاً متقدماً بين الدول العشرين الأكبر اقتصاداً وليس لمكانة كهذه أن تتحقق لدولة من العالم الثالث إلا بفضل قوة التأثير وحجم نشاطها وعلاقاتها التجارية التبادلية. فالمملكة تقف بما حباها الله من موارد تقوم عليها مصالح الآخرين كمزود للنفط الذي من دونه تتعطل الحياة المدنية العصرية والصناعية الإنتاجية، حيث كانت المملكة تقوم بدورها في تزويد العالم الخارجي به في جميع قارات العالم في أميركا وآسيا وأوروبا وأفريقيا وعلى امتداد نشاط العلاقة المتنامي للأسواق الناشئة والطموحة التي تشهد نهوضها الصناعي بفضل مشتقات النفط ومنتجاته وكانت المملكة ولا تزال مضرب المثل في التزامها بواجبها وفق منظومة مصالح لا مجال فيها للمزايدة بغير لغة العقود الاقتصادية والتسويقية، فحظيت بالطلب التفضيلي لما تروّجه من منتج، ومنذ إنتاج النفط في العام 1938وحتى وقتنا هذا يتزايد حضور وأهمية السعودية كمركزٍ عالميٍ للتصدير وفق ما تنص عليه قوانين الاقتصاد الدولي، وإلا لكان النفط هو لعبة سياسية تتأرجح في ظلاله الموازين بحسب بوصلة فتور العلاقات ورواجها. ولكن ذلك لم يحدث يوماً في تاريخ المملكة فلا فضل ولا منة كما جاء في حديث سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان فبمثل ما كانت ذات التزام تجاري واقتصادي وتبادلي قائم على المنافع والمصالح المشتركة هي كذلك تنتظر أن تكون في الجانب المقابل، وبغير هذه اللغة الموضوعية فإن لغة الحوار ستخرج عن سياق المبدأ الذي انطلقت منه السياسة التجارية الدولية وهو بناء تجاري لم يكن ليتحقق إلا بفضل الثبات والالتزام في المبدأ واحترام عقود المنتجين لذلك كان لها هذا الحضور والتأثير وكسب الثقة والتقدير. هذه المنطلقات ليست ركائز جدلية أو تنظيرية لأن العالم الذي نعيشه تتحدد سياساته على موازين لغة الأرقام بالذات للدول التي تعتمد في ذيوع منتجها وتعدد علاقاتها مع أسواق العالم المتعددة، كما أن حجم التأثير والانتشار يعكس هذه الحالة من الموضوعية والمهنية، ولنا أن نضرب المثل في حجم العقود والشركات الضخمة لشركة بتروكيميائية مثل شركة سابك التي تقود ترويج منتجات المشتقات البترولية في جميع قارات العالم وهو ليس بترولا خاما وإنما تصنيع مشتقاته متعددة الاستخدام الصناعي وتفوق موجوداتها واستثماراتها المئة مليار دولار وتتبعها سلسلة من الشركات العديدة في دول العالم وهي حالة واحدة تفصح أن الأهمية والمكانة والثقل الدولي لا يأتي على سبيل الهبات التي تمنحها الدول الكبرى للأخرى في أي بقعة من هذا العالم، فسابك في أميركا وحدها من أكبر الشركات البتروكيميائية هناك وتعمل من خلال مركز الشركة الإقليمي في هيوستن، ولديها 14 مصنعاً تنتشر في ست ولايات أميركية، وفي كندا والأرجنتين والمكسيك والبرازيل. كما تمتلك الشركة خمسة مراكز للأبحاث والتطوير بمواقع مختلفة في الولاياتالمتحدة الأميركية فضلاً عن مكاتب إدارية في جميع أنحاء المنطقة، ومن خلال باقة ابتكاراتها وحلولها المتنوعة: بدءاً من البوليمرات، مروراً بالبلاستيكيات المتخصصة، والمغذيات الزراعية، ووصولاً إلى الكيميائيات. وكذلك نشاط هذه الشركة العملاقة في أوروبا حيث تتخذ من مدينة «سيتارد» بهولندا مركزاً لأعمالها، وتضم قوتها العاملة بهذه المنطقة حوالي 6000 موظف، ولها شبكة مكاتب للمبيعات، ومركز إمدادات لوجستية، إلى جانب خمسة مواقع كبيرة للإنتاج في كل من: «خيلين» بهولندا، و»تيسايد» في المملكة المتحدة و»غيلسينكريشن» بألمانيا. وفي قارة آسيا يتبع لسابك أكثر من 40 مكتباً يعمل بها حوالي 3000 موظف، كما أن لسابك 10 مواقع تصنيع في الصين، والهند، واليابان، وجمهورية كوريا الجنوبية، وسنغافورة، وتايلند. وتلك شركة واحدة من الشركات الكبرى في مجال البترول ولو أفردنا الحديث عن أرامكو السعودية مثلاً لخرجنا عن سياق موضوعنا لأن قصة وانتشار أرامكو كأكبر شركة في العالم لا يتسع المجال لتفصيل رقعة انتشارها في موضوع كهذا فالإشارة عنها يفي بالطرح، فيكفي بالقلادة ما أحاط بالعنق..! نستطيع وفق هذه الأرقام أن نرد بكل ثقة ويقين بأن المملكة تعمل وفق منظومة إنتاجية لما تمتلكه من ثروة مخزون نفطي بضوابط لا تقبل غير لغة الاقتصاد القائم على مصالح مشتركة وتنطلق من أدبيات تعامل مكنتها بجدارة أن تكون في مقدمة الدول ذات الملاءة اقتصاداً وكفاءة في إدارة العلاقة التجارية مع شركائها، ولو كان التعامل بلغة المنّ والفضل لكانت المملكة هي صاحبة الأفضلية ولكن موضوعية نهجها السياسي والاقتصادي يصرفانها عن كل شيء سوى القيام بدورها وواجبها تجاه الآخرين برغم محورية وأهمية منتجها الذي يتوقف عليه إنتاج وحركة وتطور الآخرين. يبقى أن نقول إن بلدا بهذا الحجم وبهذا الثقل والأهمية يملك جميع مقومات الاختيار في البحث عن بدائل وهو الحق المشروع، فالمملكة تشتري من العالم المتطور في مجال التسليح سلاحاً تدافع به عن شعبها كما تلبي حاجة أسواق العالم من منتجاتها وهو تبادل عادل ليس فيه تفضيل أو منّ، فأسواق العالم متعددة البدائل والخيارات ولا مجال أيضاً فيه لفرض الولاءات وبسط الهيمنة في عالم اقتصادي متطور، لأن بفضل هذه المنطلقات تشكلت أعظم العلاقات بين الدول وشعوبها لا سيما ونحن نشهد تطوراً متقداً ومتسارعاً في جميع الاتجاهات وعلى مختلف الأصعدة.. لذلك كان رد ولي العهد موضوعياً وبليغاً في أثره دون أن يعطي ردة الفعل قدراً أكبر من الفعل ذاته، فنحن نشتري سلاحنا من الآخرين مثلما نبيعهم النفط وفق سياسة تبادل تجاري محكوم بقوانين منصوصة دولياً، ووفق عروض البيع والطلب الذي عليه يتحدد قيمة المنتج وكميته، فالسلاح سلعة كغيره من السلع وإنما الفرق فقط في الطريق التي رسمناه لأنفسنا في تعاملاتنا القانونية مع الغير، فبهذا السلاح ندافع عن أراضينا ونحمي به مصالحنا من تربص واعتداءات الغير بسواعد أبناء الوطن وبسالة دفاعهم عن مقدساتهم ووطنهم ولنا أيضاً أن نضرب المثل في نضالهم الشريف في التصدي للإرهاب حتى بلغنا في ذلك الأمل في الاقتداء بتجربتنا الرائدة والفريدة، وكذلك في التصدي لمحاولة الانقلاب على شرعية دولة البحرين، والآن ما نحن بصدده في التصدي للانقلاب الغاشم على اليمن الشقيق والذي يشكل خطراً مهدداً لأمن المنطقة واستقرارها.. فالدولة التي التزمت بأمن المنطقة جديرة بأن تحمي نفسها من أي عدوان. Your browser does not support the video tag.