انطلاق مبادرة "أنت حاميها"بمحمية نفود العريق في ضريّة    الشؤون الإسلامية ترصد تعديًا من مدرسة تابعة لجمعية خيرية بالرياض بتشغيل مرافقها على كهرباء المسجد والاستيلاء على ممر تابع له    مزاد التمور يستقطب الأسر والزوار في "كرنفال بريدة"    "الكوهجي للتطوير العقاري" تُطلق مشروع "ريوان الربى" السكني في الرياض ضمن "وجهة الربى"    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال59 لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة    بتوصية من إنزاغي.. عرض هلالي لضم كوموزو    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى (10874) نقطة    محافظ بيش يشارك في حملة ولي العهد للتبرع بالدم تحت شعار "اقتداء وعطاء"    نائب أمير مكة يرأس اجتماع اللجنة الدائمة للحج    نظام لنزع ملكية العقارات للمصلحة العامة واستراتيجية محدثة لتطوير عسير    نادي الطيران السعودي يعقد الاجتماع الأول للجنة التنظيمية العليا للمعرض السعودي للطيران العام "ساند آند فن 2025"    نائب أمير الشرقية يطلع على مبادرات "الشؤون الإسلامية"وخطط جامعة البترول والمعادن    مركز الملك سلمان للإغاثة يوزّع 500 حقيبة إيوائية في منطقة بونر بإقليم خيبر بختون خوا بباكستان    "التخصصي" يحقق نقلة نوعية في علاج الصرع باستخدام تقنية التخطيط الكهربائي العميق للدماغ    مجلس الصحة الخليجي يصدر دليلا توعويا عن لقاح فيروس الورم الحليمي البشري    المرور: توقف تمامًا عند عبور الطلاب حفاظًا على سلامتهم    المملكة تعرب عن استنكارها وإدانتها الشديدين لاستمرار الانتهاكات الإسرائيلية وتوغلها داخل الأراضي السورية    اختبار دم يكشف سرطان المبايض في مراحله المبكرة    الفتح يجدد عقد النجم المغربي مراد باتنا    رحيل العميد بني الدوسري.. قامة إنسانية وذاكرة من التواضع والنقاء    تعزيزًا للعمل الاجتماعي والوقائي.. لقاء يجمع مديرَي الهلال الأحمر وهيئةالصحة العامة (وقاية) في نجران    الكليات التقنية والمعاهد الصناعية بعسير تستقبل أكثر من 9 آلاف متدرب ومتدربة مع بداية العام التدريبي الجديد    دفء إلكتروني    الاستيطان الإسرائيلي مشروع لنفي الآخر    ظل الأم في حياة الرجل العاطفية    عمال المحطات وحرارة الجو    الستر.. أعظم درس في التربية    سمو ولي العهد.. شريان العطاء المتدفق    مصر تدين استهداف مجمع ناصر الطبي في خان يونس    نيابة عن خادم الحرمين .. نائب أمير مكة يفتتح أعمال مؤتمر مسؤولية الجامعات في تعزيز القيم والوعي الفكري    استهداف مجمع ناصر الطبي وسط تحذيرات من كارثة.. القصف الإسرائيلي يتوسع في غزة    حذر من أن الطائفية لن تصنع دولة.. الرئيس اللبناني يدعو لتجاوز الانقسامات وتغليب المصلحة الوطنية    جدل داخلي ومخاوف من فراغ أمني.. انسحاب أمريكي وشيك من العراق    إستراتيجية جديد ل«هيئة التخصصات».. تمكين ممارسين صحيين منافسين عالمياً    انخفاض الشكاوى المقدمة ضد المطارات السعودية    اعترافات الزوجة الثانية تنهي لغز«الموت الغامض»    أشعل النار في مقهى بسبب «المايونيز»    إطلاق مبادرة بيئية هادفة.. تنمية الغطاء النباتي: إنشاء منظومة لمكافحة التصحر وزحف الرمال    رغبة ريال وآرسنال تبعد جاكيه عن الهلال    «لا ترد ولا تستبدل» يجمع بين دينا الشربيني والسعدني    اليوم.. ختام المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور    مجسم «الدلال».. قيم أصيلة    قصر ومنزل.. بداية التعليم بالشمالية    تركز على صقل مهارات التفكير وغرس القيم.. 9900 طالب وطالبة ينتظمون في فصول موهبة    النصر مهتم بضم الأرجنتيني بالاسيوس    رسمياً.. خالد الغامدي رئيساً للنادي الأهلي    في الشباك    مؤتمر الرياضة العالمية الجديدة 2025 يسدل الستار على نسخته الثالثة    رصد للطيور والكائنات البحرية في بيئات المملكة    مسؤولة صحية روسية تحذر من متحور ل«كورونا»    قلق الانفصال.. معاناة تتطلب رعاية مبكرة    القرعاوي يرسم ملامح رحلته بين الصحافة والاقتصاد    5 أبواب رئيسة في المسجد الحرام تسهّل دخول وخروج ضيوف الرحمن    بين الحقيقة و التظاهر    نائب أمير منطقة جازان يعزي في وفاة شيخ شمل قبائل قوز الجعافرة    المسافر سفير غير معلن لوطنه    نائب أمير منطقة مكة يستقبل مدير الدفاع المدني بالمنطقة السابق    نائب أمير مكة يؤدي صلاة الميت على والدة الأمير فهد بن مقرن بن عبدالعزيز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فن الحديث في النقاط الملتهبة داخل الأقسام العلمية
نشر في البلاد يوم 09 - 07 - 2025

لا يمكن إغفال ما يُناط برؤساء الأقسام العلمية في الجامعات من مهام وواجبات جسيمة، وما يبذلونه من جهود تنظيمية وتنسيقية، تتطلب قدرًا كبيرًا من الصبر والحكمة. وهي جهود قد لا تُرى دائمًا على السطح، لكنها تلامس في العمق واقع العمل اليومي. ورغم دقة هذه المهام، فإنها كثيرًا ما تصطدم بإرادات فردية متباينة، أو أنماط تواصل غير متكافئة من بعض أعضاء هيئة التدريس، لتتكشف حقيقة أن تعثر الكثير من القرارات لا يعود إلى ضعف القيادة، بل إلى التباين في الرؤى، أو رغبات شخصية غير معلنة، لكنها تُعيق التوافق من حيث لا يُحتسب.
ويكشف الواقع الأكاديمي عن مشاهد مألوفة من التردد أو الانسحاب الصامت خلال اجتماعات الأقسام ومجالسها، خاصة حين تُطرح قضايا شائكة تُعرف ب"النقاط الملتهبة"، وهي قضايا تمس مفاصل حساسة داخل القسم، وتستدعي جرأة فكرية ووعيًا أكاديميًا ونضجًا مؤسسيًا.
تتنوع هذه النقاط الملتهبة من خلافات حول الخطط والمقررات، إلى تباين في الرؤى البحثية، أو تفسيرات متباينة للأنظمة واللوائح، أو توزيع غير متكافئ للمسؤوليات الأكاديمية. بل وقد تمتد إلى اختلافات أعمق تتصل بتصوّر الهوية الأكاديمية أو العلمية للقسم. وعلى الرغم من أن هذه الخلافات طبيعية في أي بيئة عمل معرفية، فإن التعامل معها يتطلب مستوى عاليًا من الشفافية الفكرية، والرقي الأخلاقي، والانضباط الأكاديمي.
واللافت أن عزوف بعض أعضاء هيئة التدريس عن المشاركة لا يُعزى بالضرورة إلى ضعف الحجة أو قلة المعرفة، بل قد ينبع من حذر مشروع، كخشية أن تُفسّر الكلمة على غير وجهها، أو يُؤخذ الرأي على أنه اصطفاف شخصي، أو انحياز ضمني. فالبيئة الأكاديمية، رغم ما تُظهره من عقلانية، لا تخلو من حساسيات دقيقة وتوازنات ضمنية، قد تُربك الحياد وتُقيّد الصراحة.
وفي خلفية هذا المشهد، تظل بعض الترسّبات القديمة حاضرة في صمتٍ مهيب؛ لا تُعلن عن نفسها، لكنها تبثّ إشاراتها الخفيّة في ثنايا الحوار، وتُلقي بثقلها غير المرئي على مسارات النقاش. إنها ترسّبات ناتجة عن مواقف وقرارات كانت يومًا ما مفصلية في تاريخ بعض الأقسام العلمية، كقرارات تعيين لم تحظَ بإجماع، أو إجراءات مرّت وسط جدل مكتوم لم يُتح له أن يُفصح عن نفسه في حينه.
ورغم مرور الزمن، لم تَغِب تلك الظلال عن المشهد الأكاديمي، بل ظلّت حاضرة في الذاكرة الجمعية، تستدعيها المواقف الدقيقة دون استئذان، ويَشعر بها المتابع الفاحص في نبرة متحفّظة، أو تعليق عابر، أو صمتٍ ينطوي على ما هو أبلغ من القول. إنها مشاعر كامنة، ورسائل مؤجلة، لم تجد بعد طريقها إلى الطرح الصريح أو المعالجة الجادة، ولا تزال بانتظار لحظة مواجهة مسؤولة، تُنهي ما علق بها من التباس، وتفتح المجال لبيئة أكثر صفاءً ونضجًا .
ويزداد وقع هذه الترسّبات حين ترتبط بأسماء كشفت التجربة لاحقًا عن افتقارها لأبسط أدوات التأثير أو مقومات التميّز العلمي، فضلًا عن هشاشة تكوينها المهني، وغياب الخبرة الأكاديمية الراسخة؛ مما يفتح الباب لتساؤلات مشروعة حول آليات الاختيار التي أوصلت بعضهم إلى مواقع لم يكونوا مهيئين لتمثّلها بجدارة.
الأستاذ الجامعي، بما يحمله من مسؤولية علمية وتربوية، مدعو لأن يكون قدوة في الرأي والسلوك، مستقلًّا في رؤيته، ثابتًا في مواقفه، متزنًا في حضوره. لا تُقاس مكانته باتباع غيره، بل بما يملكه من رصانة فكر، واتزان نفسي، وخلق رفيع، وانضباط أكاديمي. يجمع بين العقلانية والجرأة الهادئة، ويحتكم إلى البرهان لا إلى الانفعال. فكلمة رزينة، وإن خالفت السائد، قد تُحدث أثرًا عميقًا حين تُطرح بصدق ونَفَس بنّاء .
لذلك، فإن إدارة الحوار داخل الأقسام الأكاديمية ليست شأنًا إداريًا بحتًا، ولا مسؤولية فردية عابرة، بل هي عملية جماعية تنمو بوعي الأفراد بدورهم، وتنضج حين يرتقي الجميع بأسلوبهم في الطرح والتفاعل. وبين التهوّر المندفع، والصمت المربك، تتجلّى"فضيلة الكلمة المسؤولة"؛ الكلمة التي تحترم العقل، وتفتح أفقًا للنقاش، وتُمهّد لحلول واقعية تنعكس إيجابًا على الجميع .
وهكذا، يبقى المخرج الحقيقي من توتر المواقف وتراكم الترسّبات، في ترسيخ مقومات الحوار العلميّ، واستحضار المصلحة الأكاديمية، ضمن وعيٍ عميق بما يستلزمه"فنّ الحديث في النقاط الملتهبة داخل الأقسام العلمية".
أستاذ علم النفس بالجامعة الإسلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.