المملكة.. العيش والترفيه والعصر الذهبي ينظر إليه على أنه العقل المفكر لدولة قطر، بل والفكر المنظر لثورات «الخريف العربي». تجده تارة يطرح كتاباً، وتارة يقدم آخر، وتارة يستعرض في ندوة، وتارة أخرى يمتطي صهوة الطائر الأزرق دون مراعاة للتاريخ وحقائقه. ولا أشك بأن مراجعة كاملة لما يطرح هذا الرجل، ستعريه أما القراء، لا سيما فيما يخص جهله بالكثير من حقائق التاريخ، ومحاولة تزييف الكثير من جوانبه. وما يهمني في هذا المقال هي تلك التغريدة التي أطلقها المدعو عزمي بشارة مؤخراً (28 /4/ 2018م) والتي جاء فيها: « في القرن الأول بعد الميلاد مع بدء عصر انحطاط روما نشأ مصطلح «خبز وتسلية» أو»خبز وألعاب» panem et circensec لوصف سياسة توزيع الدقيق مجاناً على أهاليها وإقامة ألعاب القوى والمصارعة في الكوليسيوم لإشغالهم عن الشأن العام. في بلداننا ثمة من اخترع سياسة تسلية (حتى من دون توزيع الخبز) «. والحقيقة أن هذه التغريدة بحاجة إلى تفكيك لتبيان ماجاء فيها من مغالطات لا يبررها سوى جهل عزمي بشارة بالتاريخ، أو أن حقده وموجهيه وغيرتهم من نجاحات المملكة المتتالية قد أعمت عيونهم وقادتهم إلى محاولة تزييف التاريخ. روما في القرن الأول يقول عزمي: «في القرن الأول بعد الميلاد مع بدء عصر انحطاط روما...»، حيث يرى أن هذا القرن هو قرن انحطاط بالنسبة للإمبراطورية الرومانية. والحقيقة أن القرن الأول الميلادي يعد العصر الذهبي للإمبراطورية الرومانية. ورغم تعدد المصادر والمراجع التي تثبت ازدهار روما في هذا العصر إلا أنني آثرت أن اقتبس هنا من موسوعة ويكيبيديا لتكون أسهل لعزمي بشارة للرجوع إليها. حيث جاء في هذه الموسوعة حول القرن الأول الميلادي: « القرن الأول هو القرن الذي استمر من العام 1 إلى العام 100م... ويعد القرن الأول الميلادي جزءًا من العصر الكلاسيكي أو الحقبة الكلاسيكية. خلال هذه الفترة، وقعت أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأدنى تحت هيمنة متزايدة من قبل الإمبراطورية الرومانية، والتي استمرت في التوسع، حيث تم احتلال بريطانيا في فترة حكم الإمبراطور كلوديوس (43 ميلادية). ولقد انعكست الإصلاحات التي أدخلها أوغسطس خلال فترة حكمه الطويلة على الإمبراطورية بعد الاضطرابات التي شهدتها الحروب الأهلية في القرن الماضي... شهدت الإمبراطورية الرومانية عمومًا فترة من الازدهار والهيمنة في هذه الفترة، ويتم تذكر القرن الأول كجزء من العصر الذهبي للإمبراطورية الرومانية». وقد انعكس ذلك على الحياة الاجتماعية في روما. جوفينال وقصيدة رقم (10) ديسيموس يونيوس يوفيناليوس (Decimus Iūnius Iuvenālis) هو شاعر روماني قديم عرف بأشعاره الهزلية وعاش في القرن الأول والثاني الميلادي. وعلى الرغم من قلة المعلومات حوله إلا أنه من المرجح أنه قد عاش في أواخر القرن الأول وبدايات القرن الثاني الميلادي في أكينو. وينسب إلى جوفينال ست عشرة قصيدة تضمنت نقاشًا واسعًا عن المجتمع الروماني والأعراف الاجتماعية، وقد احتوت بعضها على جوانب وعظية كالقصيدة رقم (10) التي بين أيدينا. حيث ينتقد جوفينال أعمال ومعتقدات العديد من معاصريه، ويقدم رأيه حول القيم ومسائل الأخلاق وواقع الحياة الرومانية. وتعتبر القصيدة رقم (10) لجوفينال (Satura X) إحدى أهم القصائد التي كتبها هذا الشاعر الروماني وقد دونت حوالي العام 120م. وتعرف هذه القصيدة أحياناً برقمها وأحياناً أخرى بموضوعها: «تفاهة الرغبات الإنسانية» (The Vanity of Human Wishes). حيث تناول فيها الشاعر تفاهة الكثير من الأشياء التي يتمناها الإنسان والتي قد تضره في النهاية ولا تنفعه، بل قد تؤدي إلى موته. يبدأ جوفينال بقوله: في الكثير من مناطق العالم هناك القليل من الناس القادرون على التمييز بين الجيد والسئي، ومن الغريب أننا - كما يقول - نتمنى غالباً مايضرنا. يقول جوفينال: «لقد اعتاد الناس في كل معبد الدعاء بزيادة ثرواتهم، أنه التفكير فقط في المال». ثم يبين أن المال قد يكون وبالاً على صاحبه بينما الفقر قد يجعل الإنسان سعيداً لا يخشى شيئاً. حيث يقول: «عندما تكون مسافراً ليلاً وتحمل بعض الأشياء الفضية في يدك فإنك ستخاف من السيف ومن أشعة القمر. لكن المسافر الذي لا يحمل شئياً فإنه سيرفع صوته بالغناء أمام اللصوص». ثم يتناول العديد من الرغبات التي يتمناها الإنسان وقد تكون وبالاً عليه ومنها طول العمر. حيث يقول إن هناك الكثرين ممن يتمنون طول العمر ولكنهم وحدهم كبار السن من يدركون أنهم عالة على أنفسهم وعلى الآخرين. ولقد كانت هذه القصيدة مصدر العبارات المعروفة مثل : «mens sana in corpore sano» («العقل السليم في الجسم السليم» ) و»panem et circenses» («الخبز و»السيرك»)، ومن هنا فإن هذه العبارة قد وردت في هذه القصيدة لجوفينال وكان ينتقد فيها اهتمامات الرومان التي يرى أنها قد اقتصرت على الأكل والترفيه فقط تلك الأشياء التي يرى الشاعر أنها لاتستحق التركيز. ولم تكن عبارة شائعة ومنتشرة. ومن المعروف أن الإقبال على التنعم بالحياة يعتبر مظهراً من مظاهر تقدم الدول وليس دليلاً على تدهورها. كما أن العديد من النقاد يرون أن هناك بعض المبالغات في قصائد جوفينال. المملكة وصناعة الترفية كما رأينا لم تكن روما في عصر انحطاط في القرن الأول الميلادي، ولم تكن هذه العبارة التي ذكرها جوفنال تعكس الواقع كما يدعي عزمي بشارة. ويبقى السؤال عن صحة المقارنة بين الترفية في روما والترفيه في المملكة العربية السعودية اليوم. إن إسقاط مفهوم الترفيه المعاصر على الترفية في روما في القرن الأول الميلادي من أكبر الأخطاء النهجية التي بلي بها تناول التاريخ. فالترفية لم يكن صناعة حينها بمفهومه الحالي الذي أصبحت تتسابق فيه دول العالم نحو صناعة ترفيه ناجحة تجعل الدول قبلة سياحية لسكان العالم. وما تطرحه حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهد الأمين مهندس الرؤية من صناعة ترفيه هي الخير بعينة حيث سيكون من أهم نتائجها توطين السياحة مما يعني توفير المليارات التي ينفقها الشعب السعودي على السياحة وغالباً ماتستفيد منها العديد من الدول بخلاف السعودية. ثم تأتي مسألة توفير الوظائف للشباب السعودي في هذا القطاع الحيوي والمهم كأحد نتائج هذه السياسة الحكيمة. وبلا شك أن كل هذا سيخلق نوع من الارتباط بين الإنسان السعودي وأرضه وهي نتيجة أحسبها لاتقدر بأي ثمن من الأثمان. ومن هنا فإني اطمئن عزمي بشارة أن السعودية ولله الحمد في أوج قوتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإن ماتقدمه من ترفيه ماهو الإ صناعة كبيرة تعجز عنها الكثير من الدول. وفي نفس الوقت الذي يتنعم به الشعب السعودي بهذا الترفيه تقدم الدولة -حفظها الله- «الخبز» سواء من خلال حساب المواطن أو برنامج الإسكان أو سعودة الوظائف. كل هذا يحدث والمملكة العربية في عصرها الذهبي. الامبراطورية الرومانية في أقصى اتساعها جوفينال مشروع نيوم مشروع القدية Your browser does not support the video tag.