آه أيها الموت، أعلم أنك الحقيقة الوحيدة على الأرض، ولكنك مؤلم عندما تفرقنا عن أغلى الأحباب وأعز الناس.. اللهم لا اعتراض على قضائك.. فبعد أكثر من 40 عاماً ها هو "ملك الصحافة" -اللقب الذي أطلقه عليه الملك عبدالله رحمه الله- يرحل عن دنيانا، بعد أن بنى هذا الصرح العملاق الذي أصبح بفضل جهوده وعمله الدؤوب وحرصه واحداً من المعالم البارزة في وطننا.. حين تتحدث عن "الرياض" لا بد أن يمر في ذاكرتك تركي السديري، ولد تركي فأعلن ميلاد عصر جديد للصحافة، هو لم يكتب سطوراً وكلمات فقط، هو نمّى عشق الوطن في نفوسنا بفضل وطنيّته وحبه.. رحل الأستاذ بعد أن ترك لنا أمانة يحتّم الواجب علينا ألا نفرط فيها؛ ألا وهي الوفاء والإخلاص لمعشوقته "الرياض" التي نذر حياته من أجلها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه وتربّعت على عرش الصحافة.. من يعرف تركي السديري -رحمه الله- عن قرب يدرك أنه ليس صحافيا أو رئيس تحرير؛ بل هو أخ وصديق لجميع العاملين معه، من حيث قربه منهم وحرصه على شؤونهم، بل السؤال عنهم وزيارتهم حتى في مرضهم ووقوفه مع أسر من قضى أجله، ليثبت بأن العمل الناجح ليس فقط داخل مبنى مكيف ومجهّز، ولكنه يمتد إلى أكثر من ذلك، وتركي السديري يتعامل مع الجميع من هذا المبدأ.. قضيت في هذه الجريدة أكثر من 19 عاماً ومازلت، وبحكم عملي مع الأستاذ تركي السديري -رحمه الله- وقربي منه لمست حرصه على جودة العمل واهتمامه بكل صغيرة وكبيرة.. تركي لمن لا يعرفه يتميز بالقوة مع اللين، وهذه الصفة قلّما تجتمع في شخص، فهو قوي في عمله وحرصه عليه واهتمامه به ومحب للالتزام بالعمل ومقدر لمن يعمل، ليّن مع زملائه والعاملين معه.. ومواقفه الإنسانية الكثيرة مع الجميع ليست بحاجة للذكر فالجميع يعرفها ويقدّرها.. ورحيله بقدر ما أحزننا، إلا أن هذه هي سنة الحياة وسيبقى في قلوبنا رمزاً من رموز الإعلام المخلصين الذين قضوا حياتهم في خدمة هذا الوطن، وستبقى "الرياض" علامة بارزة وصرحاً شامخاً كما أراد لها -رحمه الله- أن تكون في ريادة الصحف ومقدمتها.. رحل صاحب ال"لقاء"، رحل الرجل الإنسان، رحل بعد أن أعطى كل ما لديه وبعد أن عمل لخدمة وطنه وأخلص في الحب، رحل وترك لنا إرثاً عظيماً لا بد من الاحتفاظ به وجعله دستوراً للأجيال القادمة.. وعزاؤنا فيه هو هذا الحب الذي تركه في القلوب، والحزن الكبير على فراقه.. لا أدري من أعزي؛ هل أعزي مازن وأسرته، أم أعزي قراء الرياض ومحبيها، أم أعزي الوطن بأكمله؟ ولكن أقول أحسن الله عزاء الجميع في فقيد الوطن الرمز ملك الصحافة تركي بن عبدالله السديري.. وثق تماماً بأن صرحك الذي بنيته وتعبت من أجله لن يهوي بفضل الله ثم بفضل من وضعت ثقتك بهم؛ فهم -بإذن الله- أهل لهذه الأمانة ولهذه الثقة التي وضعتها؛ بل زرعتها فيهم.. رحمك الله رحمة واسعة، "إنا لله وإنا إليه راجعون"..