إنفاذاً لأمر الملك.. وزير الدفاع يُقلِّد قائد الجيش الباكستاني وسام المؤسس    تنوع بيولوجي في محمية الملك سلمان    خطط «الصحة» على طاولة أمير القصيم    جامعة الملك سعود شريك أكاديمي لمؤتمر بناء القدرات (ICAN 2026)    بدعم القيادة.. المملكة تتقدم في مؤشر أداء الأجهزة الإحصائية    الأسهم الأوروبية تحقق مكاسب أسبوعية وسط آمال خفض «الفائدة» ودعم البنوك    «إسرائيل» ترفض بدء المرحلة الثانية من الهدنة    كأس «السوبر» الإيطالي بين نابولي وبولونيا.. الليلة    مورايس يهدد «سلسلة الهلال».. والأهلي في مهمة الحسم    الأخضر خرج خالي الوفاض    تقارير جامعات نجران وبيشة والملك سعود الصحية على طاولة الشورى    الإسعاف الجوي يباشر حادث في بريدة    شراكة نوعية لتعزيز الخدمات الصحية والمجتمعية في الباحة    «الشؤون الإسلامية» في عسير تنفذ 30 ألف جولة رقابية    انطلاق تصفيات مسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن في جازان    أمير نجران يستعرض فرص الاستثمار    فتح التقديم للابتعاث لمرحلة الإقامة الطبية بألمانيا    في أولى جولات كأس أمم أفريقيا 2025.. مصر تواجه زيمبابوي.. ومالي تصطدم بزامبيا    «الآسيوي» يعتزم إطلاق «دوري الأمم»    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. سمو وزير الدفاع يُقلِّد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    إدانة دولية للجرائم الإسرائيلية المستمرة.. انتهاكات الاحتلال تعرقل المرحلة الثانية في غزة    الربيعة وسفير المملكة بالبوسنة يناقشان الموضوعات الإنسانية    جهود أمين جدة وسرعة الإنجاز لشبكة تصريف الأمطار    أين يبدأ التنمر الوظيفي وأين ينتهي؟    القراءة.. الصديق الذي لا يخذل    من هن النسويات؟    معرض جدة للكتاب 2025 يختتم فعالياته    تصريحات متطرفة بشأن لبنان.. توغل إسرائيلي جديد في الجنوب السوري    أكد على دور الكفاءات والتقنية..الجدعان: نظام الرقابة المالية الجديد يعزز كشف المخاطر مبكرًا    انطلاق تصفيات مسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن بجازان    9 طلبات توصيل كل ثانية عبر التطبيقات    1% انخفاض ودائع البنوك السعودية    ألمانيا: إصدار أكثر من 100 ألف تأشيرة في إطار لم شمل عائلات اللاجئين في 2025    معالي نائب وزير الرياضة يتوّج الأمريكي "تيين" بلقب بطولة الجيل القادم للتنس 2025    طربيات «موسم الخبر» تبرز فن تركي عبدالعزيز    أنغام تودع عاماً وتستقبل عاماً في «ليلة الحب»    الفن وأصوات النجوم يعيدان وادي صفار للواجهة    دوري يلو 12.. العلا والدرعية يهددان صدارة أبها    المحسن يكتب.. وَهَبهم البطولة والإنتصار .. بأهدافه وتخطيطه المكّار    الانفصال.. خيار مستحيل جيوسياسيًا في اليمن    لغة نصفق لها ولغة نستخدمها    الصراع الإسرائيلي الإيراني بين الضربات العسكرية وحسابات الردع    منهج الاحتلال.. استيطان وعنف    قرارات تطويرية لتكامل المنظومة الدينية بالحرمين    في كل شاب سعودي شيء من محمد بن سلمان    بر الشرقية تستعرض برامجها التنموية بمحافظة العديد    من «بيوت الموت» إلى منصات التوقيع… سعاد عسيري تدشّن روايتها الأولى في معرض جدة للكتاب 2025    مدرسة ابتدائية مصعب بن عمير تحتفي باليوم العالمي للغة العربية    المركز الوطني للعمليات الأمنية يستعرض تجربة حية عبر تقنية الواقع لزوّار معرض "واحة الأمن"    وفد أعضاء مجلس الشورى يطلع على أعمال هيئة تطوير محافظة جدة    الزايدي محاضراً    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل سفير خادم الحرمين في ماليزيا ومفتي رواندا    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة يُنقذ مراجعاً مصاباً بانسداد حاد نسبته "99 %" بالشريان التاجي الأيسر    تشغيل نظام الأرشفة الإلكترونية بمستشفى الأسياح    بيان مديراً لمستشفى الأمير عبدالمحسن    مشلول يتحكم في روبوتات بإشارات الدماغ    أداة بالذكاء الاصطناعي للكشف عن سرطان الكلى    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تعيد توطين طائر الجمل بعد غياب 100 عام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موسيقى الجسد
«هرجة 46»:
نشر في الرياض يوم 19 - 11 - 2016


"انظر الموسيقى، اسمع الموسيقى.
موسيقى الجسد هي أقدم موسيقى في تاريخ كوكبنا وفي نفس الوقت هي فن حديث متطور".
تستقبلك الشاشات في مسرح Maison Des Métallos بالمنطقة الحادية عشرة بباريس. وذلك بمناسبة المهرجان العالمي الثامن لموسيقى الجسد، والذي تم تنظيمه عبر السنوات الماضية بمدن مختلفة بأنحاء العالم من أميركا لآسيا مروراً بأهم المحطات الأوروبية، ولقد حل لهذا العام 2016 بباريس للفترة 17-23 أكتوبر.
ولقد تصافرت في عروض هذا العام جهود عازفة موسيقى الجسد الشهيرة ليلى بيترونيو LeeLa Petronio، مع جهود كيث تيري Keith Terry، المؤسس لمنظمة كروس بلس crosspulse، والتي تقوم منذ عام 1995 بتجميع ومزاوجة موسيقى الجسد التقليدية والخاصة بمختلف الشعوب وخلطها مع موسيقى جسد حديثة مبتكرة وتحويل الخليط لمنظومات فنية تعبيرية معاصرة، تنشرها الفرقة في طوافها بأنحاء العالم. كما تقوم المنظمة كروس بلس بتنظم ورش عمل بانحاء العالم وتدريب المعلمين وذلك سعياً لضم تلك الوسيلة التعبيرية الفنية للبرامج المدرسية وذلك لثبوت أهميتها في المعالجة النفسية، وبالأخص معالجة المعوقين، على المقاعد خلفنا كان عدد من المراهقين المعوقين أحضرتهم مدارسهم لشهود العرض. لم يلفتوا أنظارنا في البداية ، لكن وما أن بدأ العرض حتى دبت الحياة في المقاعد خلفنا، وخيل إلينا أن الاستعراضيين قد انتشروا بين صفوف المتفرجين مما أضاف عمقاً للعرض، إذا كانت الموسيقى التعبيرية تترجع في الصفوف خلفنا في هيئة دبيب أو هسيس، لكن لم نلبث أن أدركنا أن الجمهور خلفنا له طبيعة خاصة، إذ هم عبارة عن مراهقين معوقين انساقوا في العرض منفعلين بقوته التعبيرية، مذهلة استجابة أولئك المعوقين للموسيقى التي تصدرها أجساد الفرقة على خشبة المسرح، إنها موسيقى تشبه الأصوات التي لم تتكلم بعد في صدورهم، مثل صيحات الروح المحبوسة في هياكل أجسادهم العاجزة، في لحظة من لحظات العرض تصاعد التحام أصوات أولئك الطلبة بأصوات الفرقة، دق بالأقدام وتصفيق براحة اليد على أجزاء الجسد وعويل يختلط بغناء حناجر في شبه ابتهال لقوى غير منظورة تنبعث في المكان، لكأنما صار الفنانون الصوت المُعَبِّر في صدور المعوقين.
إن ذلك العرض بحق لهو الرقص المسموع والموسيقى المنظورة. إنها وصلات موسيقية تحقق هدفاً تعليمياً بالإضافة لدورها الترفيهي المبهج. أنت نفسك تشعر لكأنما مررت بطقس تطهيري، طقس تنفيث للوجع المكبوت وللأحلام المحبطة من خلال السماح لجسدك أن يدق الأرض أو يصفع أطرافه بخفة أو يصفق أو يلهث أو ينوح. وتسمح لحزن أزلي أن يغسلك حين تظهر من بين الجمهور تلك الفتاة التي تناجي مجهولاً داخلك، لا تنظر حولها أو صوبك، إنما تنظر لداخلها عميقاً وتستنطق تلك اللوعة غير الآبهة، لوعة تتجاوز وعيك وتربطك لوجود يسبق الوجد الجسدي، وجود أبدي، تتنهد الفتاة لوعتها الحزينة ومباشرة في صدرك،
"لم أعد خلف شمسك.
أرني مجهولك.
ليوم واحد أنا حرة، لك".
فن موسيقى الجسد هو فن بقدم البشرية موسيقى يصدرها الجسد بسرية وبما هو أشبه بالابتهال في الفضاءات الوحشية البدائية أو تلك المتمدنة، تنبعث من استجابة الجسد للحقول والجبال والفيافي الشوارع والمساحات الخاصة، ولقد تم حديثاً تركيز الضوء على تلك الموسيقى الاستنطاقية وتضخيمها على المسرح لتصير وسيلة معترف بها من وسائل التعبير الفني المعاصرة.
وهي تعتمد الجسد بصفته آلتها الموسيقية، كل طرف منه آلة، حتى ليصبح الجسد أوركسترا كاملة تصدر سيمفونيتها، يتواقع فيها كل مايصدر عن الجسد من تنهد أو تنفس أو تصفيق أو طرقعة أصابع أو طرق بالأقدام أو حك أو تذبذب لأوتار الحبال الصوتية، هي موسيقى مزيج من تنفيس عن مكبوت من مشاعر الفرح أو الغضب أو الحنان أو حتى التعب.
سارة بيترونيو Sara Petronio راقصة التاب الأميركية والتي تبلغ السبعين يتقوض ظهرها بتلك الحركات المضخمة وتمارس رياضة التاي شي، وذلك لكي تؤجج طاقتها الروحية والجسدية وتواصل الظهور على المسرح مفعمة بالحيوية متحدية السن والتراجعات الجسدية، لكأنما أدمن جسدها ذلك الصراخ المنغم فلا تملك أن تكف.
بدأ العرض الافتتاحي الذي حضرناه ليلة السابع عشر من اكتوبر بنعي اثنين من أشهر عازفي موسيقى الجسد، ويخيل إليك أنهما قد عزفا جسديهىا حتى الفناء، ولدرجة التلاشي.
العازف الأشهر للجسد هو الأميركي كيث تيري، وهو راقص إيقاع وحركات الطرق، ومؤلف ومخرج موسيقي، بدأ حياته الفنية كعازف طبول بفرقة للجاز حين اكتشف قدرة جسده الموسيقية وقام بإزاحة الحدود بين العزف والرقص والغناء، كيث تيري هو ساحر بحق، فما أن يظهر على خشبة المسرح حتى يحول الجمهور لأوركسترا تعزف موسيقى جسده، موسيقى كونية تطفر من أجسادنا رغماً عن تحفظنا، بحركات إيحائية يحمل كيث تيري جسدك في آفاق فلسفية من السلاسة، تجد رئتيك تتمددان وتلفظان تلك التنهدات المفرغة لكل الإحباطات واللوعة، تنفثاها بتنغيم يتوافق وتنسيق ذلك المايستروا الاعجازي والذي يصفق أو يفرك راحتيه ويطرقع بأصابعه ويدق بقدمه ويجرجر قدميه أو يصفع مؤخرته، أو ينفخ على الجمهور مصدراً هسيساً يدعوه لترديده، هو كتلة من التعبيرات العميقة تستدرجك للمشاركة. فقرات بلا آخر من الإبداع تجعل الجو يتأجج بطاقة روحية عجيبة.
وكخاتمة على بوابة المسرح يفاجئك الجمهور وقد تم استدراجه لتشكيل حلقة ضخمة حول كيث تيري، والذي يأبى إلا أن يختتم تلك الليلة الحافلة بما يشبه حلقة النار/حلقة الموسيقى النابعة من أعماق الجسد المشترك للجمهور الغفير، هو طرح جماعي للأحمال النفسية عبر الموسيقى، دفع الجمهور لشراء تذاكر لعروض ما بقي من الأيام الثلاثة للمهرجان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.