البعض يحاول الفوز في كل جدل ونقاش، حتى لو كان ذا حجة واهية أو موقف خاطئ تماماً، لذا يعمد هؤلاء إلى محاولة تشتيت انتباه الطرف الآخر عن موضوع النقاش الأصلي، بعرض معلومات أو مواضيع أو نقاط جاذبة خارجة عن الموضوع، لنسقط على الفور في إحدى أكثر المغالطات المنطقية شيوعاً: مغالطة «الرنجة الحمراء» اسم هذه المغالطة الغريب أطلق عطفاً على حيلة كان يستخدمها السجناء خلال فرارهم من السجن لتضليل كلاب الحراسة التي تُطلق لتعقبهم، حيث يعمد الهاربون إلى سحب سمكة رنجة حمراء عبر مسار فرارهم ثم إلقائها في مسار مختلف، ولأن لها رائحة نفاذة تطغى على رائحتهم؛ تفقد الكلاب القدرة على تميز رائحة السجناء الهاربين، وبالتالي يستطيعون الهرب بعيداً. لذا يقوم الخصم بالدفع نحو نقاش خارج الإطار المتوقع، ويستهلك الطرف الآخر بترهات بعيدة عن أصل الموضوع، فمثلاً حين يكون النقاش عن حظر استخدام المبيدات في حقول الخُضر والفواكة، يقوم محترف «الرنجة الحمراء» بالحديث عن فوائد الطماطم والبطاطس وأهمية تناول الخضار والفواكه، أو ضرورة اعتماد وسائل الري الحديثة لتوفير المياه. وهكذا ننحرف عن أصل الموضوع إلى مواضيع قد تبدو في بعض الأحيان ذات علاقة، لكنها علاقة سطحية غير مؤثرة على الموضوع نفسه وبالتالي نفقد السيطرة على إمكانية الوصول إلى نتجية مفيدة، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن هناك فرقاً بين مغالطة «تجاهل المطلوب» ومغالطة «الرنجة الحمراء»، ذلك أن الأولى تصل إلى استنتاج محدد حتى لو كان غير صحيح. بينما الثانية تنحرف في اتجاه مختلف ولا تصل إلى شيء؛ فهدف الأخيرة هو استهلاك الوقت ليس أكثر، وللأسف قد نمارس نحن هذه المغالطة دون أن نعي، ونقع في فخ التضليل غير المقصود، وذلك بسبب افتقارنا لمهارة التركيز على الموضوع الأساسي وتجاهل كل ما ليس له علاقة مؤثرة. البعض يطلق –أيضًا- على هذه المغالطة: «سحابة (ستارة) الدخان» كناية عن تلك القنبلة التي تطلقها الجيوش لتضليل العدو، أو مطاردة «الإوز البري» التي تلهيك وتبعدك عن مطاردة هدفك الأصلي، فالهدف الرئيس هو الدفع بالنقاش خارج موضوعه، واستهلاك الخصم بمواضيع لا علاقة لها بالنقاش، فما علاقة الحديث عن مهارات الإخلاء والإسعافات الأولية حين نقاش المطالبة بزيادة رواتب الإطفائيين، فضلاً عن جذب انتباه الجمهور بمواضيع مثيرة للجدل الإضافي، فتفتح الباب لنقاش مواضيع مختلفة تحوّل النقاش عن أساسه، ولعلنا نتذكر شخصية الأسقف»مانويل ارينغاروزا» في رواية «شيفرة دافينشي» والذي ينشط وسط مؤامرات وألاعيب الكنيسة، لكننا في النهاية نكتشف أنه خدع من قبل العامل المضاد الحقيقي في القصة! والغريب أن اسم الأسقف يعني باللغة الإيطالية «الرنجة الحمراء»! لذا وحتى نحقق المأمول من نقاشاتنا لابد من تحديد محاور النقاش، وعدم إفساح المجال لمحترفي هذه المغالطة للتشعب أو جذب الجمهور بمسألة براقة ليس لها علاقة بموضع النقاش، فمتى انحرف النقاش عن أصله كلما ابتعدنا عن تحقيق النتيجة المأمولة. ولا أسوأ من إضاعة الوقت والجهد في ما لا ينفع ولا يفيد.