كثيراً ما نتحدث عن القناعة، وأنها كنز لا يفنى.. كما تقول الحكمة التي لا يصدقها الكثيرون. في عام 2006 رفض أحد عباقرة الرياضيات الروس وهو العالم (جريجوري بيرلمان) جائزة دولية رفيعة المستوى قدرها مليون دولار. وكان السبب في تقديم هذه الجائزة هو أن ذلك العالم استطاع حل أكثر المعضلات في الرياضيات ويطلق عليها (معضلة بوانكاريه). قام بتقديم تلك الجائزة معهد أميركي تقديراً لذلك العالم الذي استطاع حل تلك المعضلة التي حيرت العلماء والتي تتعلق بالأحجام والأسطح من الناحية الرياضية. كان العالم الدكتور بيرلمان والذي تجاوز الاربعين من عمره قد قطع صلتة بالعالم على مدى أربع سنوات. وكان السبب أنه يريد أن يعيش بهدوء مع والدته المسنة داخل شقة صغيرة جداً، ومليئة بالصراصير كما يقول جيرانه. وقد قامت إحدى المؤسسات الروسية، وهي مؤسسة(البيت الدافئ لرعاية الأطفال)، والتي يقع مقرها في مدينة سان بطرسبرج بتوجيه دعوة إلى العالم بيرلمان، لكي يتبرع بقيمة الجائزة للمؤسسة، ويبدو أنه قد تبرع بقيمتها لتلك المؤسسة. لقد سجل بير لمان موقفاً اخلاقياً رفيعاً برفضه تسلم الجائزة والميدالية التي يقدمها المعهد الاميركي لأرفع جائزة في الرياضيات على مستوى العالم. ويعتبر الدكتور بير لمان أول شخص في العالم يرفض تسلم هذه الجائزة الرفيعة المستوى، والتي كان من المفترض أن يتسلمها في مؤتمر دولي للرياضيات. وعندما سئل عن سبب رفضه لاستلام الجائزة والميدالية قال:(لا تهمني الشهرة ولا النقود.. ولا أحب أن أشارك في عرض أشبه بعرض الحيوانات في أقفاص حدائق الحيوان.. أنا لست بطلاً للرياضيات، ولست ناجحاً كما أطمح وأريد لنفسي، ولهذا السبب لا أريد أن أكون فرجة للناس، وأمام كل من هب ودب). لقد طبق هذا العالم (بيرلمان) حكمة (القناعة كنز لا يفنى).. ولكنها قناعة تقود إلى الجنون. وربما هذا يعود إلى أن هناك شعرة رفيعة بين العبقرية والجنون. لقد حرم العالم نفسه وأمه من أموال طائلة تجعله يعيش في رغد وهناء، وتمنع عنه الفقر والشقاء.. هذا العالم يعطينا موقفاً رائعاً لعظمة العبقرية التي لا تؤمن بزخرفة الجوائز والمهرجانات.. تلك الجوائز التي يحبها أنصاف العلماء وادعياء العلم في كل مكان. [email protected]