مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى 10713 نقطة    وزير المالية يؤكد أهمية تنويع مصادر الطاقة    مرصد "التعاون الإسلامي": 508 شهداء فلسطينيين خلال أسبوع    الهيئة السعودية لتنظيم الكهرباء تعلن بدء التسجيل في إلكتراثون 2025    انعقاد المؤتمر العالمي ال75 للاتحاد الدولي للعقار في نيجيريا بمشاركة سعودية ورعاية من "عين الرياض"    أمير الشرقية يستقبل سفير جمهورية الفلبين لدى المملكة    أمانة منطقة تبوك تصدر أكثر من 1400 قرار مساحي    ترمب يريد تخلي إيران تماما عن الأسلحة النووية    نائب أمير الشرقية يستقبل مجلس إدارة نادي الهدى ويطلع على إنجازاتهم الرياضية    محافظ عفيف يترأس اجتماع اللجنة الفرعية للدفاع المدني بالمحافظة    مركز صحي مدينة الحجاج ببريدة يخدم أكثر من 500 مستفيد في موسم الحج    "مسار الإصابات" ينقذ حياة شابين في حالتين حرجتين بالمدينة    أمين مجلس التعاون وأمين الأمم المتحدة يبحثان مستجدات الأوضاع في المنطقة    هدية من رونالدو إلى ترامب والهدف "السلام"    "عدل العقارية" و"مجموعة عبدالله فؤاد" تطرحان "خليج عدل" في مزاد علني 23 يونيو    مكتبة الملك عبدالعزيز ببكين.. تفاعل ثقافي عربي-صيني    ضبط 294 ألف قضية احتيال عبر الإنترنت في الصين    اختتام مبادرة ( عيدنا أنتم ) بنسختها الخامسة بالمنطقة الشرقية    عائلة ترامب تطلق شبكة "ترامب موبايل" وتصنع هاتفا محمولا    المملكة تقفز 60 مرتبة عالميًّا في ريادة الأعمال    فلامنجو البرازيلي يفوز على الترجي التونسي    اغبرة تخفض مدى الرؤية عل اجزاء من عدة مناطق بالمملكة    انسيابية في حركة الزوار من باب السلام بالمسجد النبوي تبرز تكامل التنظيم والجهود الميدانية    في بطولة كأس العالم للأندية.. دورتموند يواجه فلومينينسي.. وإنتر يبدأ المشوار ضد مونتيري    جهود سعودية مستمرة لخفض التصعيد.. مجموعة السبع تدعو لضبط النفس والتهدئة    الضربات المتبادلة تستمر لليوم الرابع.. إيران وإسرائيل.. نيران بلا حدود    «الطاقة الذرية»: لا أدلة على تضرر منشأة نطنز السفلية    موجز    الدفاع المدني: لا تتركوا المواد القابلة للاشتعال في المركبات    القبول الموحد في الجامعات وكليات التقنية    أنا لا أكذب ولكني أتجمل    320 عارضاً في "منتدى الصناعة السعودي"    "متحف السيرة النبوية" يثري تجربة ضيوف الرحمن    المباراة بين القدم والقلم    التقطيم    " الحرس الملكي" يحتفي بتخريج دورات للكادر النسائي    تفقد مقار إقامتهم في مكة المكرمة.. نائب وزير الحج يبحث ترتيبات راحة حجاج إيران    بعد إقالته.. الجمعان يقاضي النصر    مجموعة الأهلي المصري.. الكل متساوٍ بنقطة من دون أهداف    السعودية رائد عالمي في مجال القطاع الدوائي    خبير: انتقال"الميربيكو" إلى البشر مسألة وقت    أمير القصيم يستقبل المشاركين في خدمة ضيوف الرحمن لموسم حج 1446ه    أخضر السيدات يواصل تحضيراته في معسكر تايلاند استعداداً للآسيوية    لندن: مترويلي أول رئيسة للاستخبارات الخارجية    "تحدي الابتكار الثقافي" يربط المجتمع بالسياسات    الحج.. راحة وأمان وسلام واطمئنان    الحج نجاحات متتالية    علماء روس يتمكنون من سد الفجوات في بنية الحمض النووي    وزير الخارجية يتلقى اتصالًا هاتفيًا من وزير الخارجية الفرنسي    تعنت وتصعيد إسرائيل تهدد طهران بتوسيع ضرباتها    الأمير سعود بن نهار يطلع على سير الإختبارات في الطائف    أمير منطقة تبوك يكرم غداً المشاركين في أعمال الحج بمدينة الحجاج بمنفذ خاله عمار    أمير تبوك يستقبل مدير فرع الديوان العام للمحاسبة بالمنطقة    أمير تبوك يعزي الشيخ عبدالله الضيوفي في وفاة شقيقه    الربيعة طمأنه على مغادرة طلائع حجاج بلاده.. رئيس بعثة الحج الإيرانية: نشكر القيادة على الرعاية والاهتمام    مواسم تمضي… وحصاد ينتظر    تطوير الذات بين الوعي والتفكير النقدي    سعوديات يستوحين تصاميمهن من النخلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجتمع الأجداد المليء بالمصاعب وتقلب الأوضاع فرض حسن التصرف
التدبير نصف المعيشة
نشر في الرياض يوم 27 - 07 - 2016


شغف العيش جعل حسن التدبير سلوك حياتهم التلقائي
أخذ أفراد مجتمعنا سابقا بعين الاعتبار كل ما هو نافع وكل أسلوب من أساليب الحياة المفيدة ووضعوا لكل شيء خطة تنفيذ ضمنية تضمن تطبيقه وجمعوا في (حسن التدبير) كل عناوين الخطط وكل ما يفكرون فيه من طرق تحسن أوضاعهم وتحمي مستقبلهم وتبقي لهم مواردهم البشرية والمادية والمعنوية محصنة من أي اهتزاز ضار ومن أي عاصفة مفاجئة تهب عليها، ويتناول حسن التدبير عندهم كل شيء من الإدارة العامة حتى الأسرة والأفراد وما يهم المجتمع وبقاءه على حد سواء، وبما أنهم على يقين أن الخطة الدائمة لديهم هي حسن التدبير فيما يملكونه وما يسعون إليه صار ذلك ضمن سلوكهم وأسلوب حياتهم تلقائياً.
فكرت بالدنيا بتقدير واحساس ولا جت لي الدنيا على ما نريده
لقد جمعوا خيوط خططهم الرئيسة والفرعية كلها في عنوان رئيس باعتبار حسن التدبير اليد التي تتصرف بحكمة وبراعة ولديها القدرة على تدبير المتاح من كل شيء يعتمد عليه ذلك المجتمع.
وقل ان نجد خططا أخرى تنفرد دون حسن التدبير وضرورته تبرز على الواجهات وتتضح أو يركزون عليها في أقوالهم، وبالطبع هم مكتفون بأفعالهم ونتائجها الناجحة، دون حضور كبير في حديثهم فهم لا يكثرون الأقوال ولا التنظير، ذلك لأنهم يمسكون بما هو أكثر تحكما في مسيرتهم، فأجدادنا في مجتمعهم السابق المليء بالمصاعب والمتاعب يركزون على حسن تدبير أحوالهم، وحسن التدبير هذا يعتبر الأصل في كل اعتدال وتعديل لما يصادفهم من نقص في الموارد أو فترات تزداد فيها حتى تفيض أو تنقص حتى تكاد تنعدم.
وقد قالوا: ان التدبير نصف المعيشة أو هو المعيشة كلها، فبدونه لا ينفع زيادة إنتاج ولا يفيد كثرة موارد ولا يصل المجتمع إلى أمنه الاقتصادي بالكم فقط إن لم يصاحبه ذلك الأسلوب الذي يوصف به كل حصيف وفطن لما عليه الأيام من تداول و دوران وتغير لمواقع الناس وما في أيديهم على هذه البسيطة لا ينجح معه إلا حسن التدبير لما في اليد وما بين أرض الإنسان وسمائه مما أتاح الله له وأعطى.
لقد وصف الرجل العاقل بعيد النظر وكذلك المرأة الحكيمة الرشيدة، في أجيال عركتها الليالي والأيام وصفتها بالتدبير الحسن لمعيشتها وما بين يديها، وهذه الصفة جامعة لكل المحامد ويتم تلقي دروس التدبير الحسن طول العمر وقل أن تفلح كتب المدارس وحدها في تعليم مواجهة الحياة وظروفها بحسن التدبير، بينما تكتسب من تقلب أوضاع الناس في حياتهم بين الفقر والغنى واليسر والعسر والشدة والرخاء، فإذا كانت الثروات والغنى والتقلب فيها ينسي الإنسان الحذر ويسلمه للدعة والخمول وعدم المبالاة بقادم الأيام، فإن الفقر والحاجة تهزه بعنف لكي ينتبه ويصحو من غفوته ويفتح بصره وبصيرته ليرى مستقبل أيامه فقد تتبدل الحلاوة مثلما تتبدل المرارة.
يقول الشاعر: راشد الخلاوي من قصيدة طويلة نختار منها أبيات يوصي فيها بالحذر وعدم الانسياق وراء الحالة الراهنة التي يعيشها الإنسان سواء كان غنيا أو فقيرا، وسواء كان صاحب سلطان قوي أو جمع ضعيف فلا بد للأيام التي قدر الله فيها ما يجري؛ من تبدل وانقلاب، فعبرها تدمج حبال وتقوى وتنتقض حبال آخر وتضعف.. يقول:
أوصيك يا ولدي وصاة تضمها
إلى عاد مالي من مدى العمر زايد
فمن عاش بالدنيا يرى يابن سالم
كريه الليالي والأمور الشدايد
ومن ساعدته الأيام دمجن حبله
وينقضن في حبل الذي ما تساعد
قولوا لبيت الفقر لا يامن الغنى
وبيت الغنى لا يامن الفقر عايد
ولا يامن المضهود جمع تعزه
ولا يأمن الجمع العزيز الضهايد
وصدق الخلاوي فالحياة تحتاج إلى تدبير وحكمة، وفي عالمنا المعاصر العديد من المواقف والحكم والوصايا والرؤى التي تحمل في طياتها تجارب، من ذلك هذه العبارة:
(بيزة على بيزة توديك عنيزة) التي قالها عبدالله الحمد الزامل رحمه الله، المتوفى عام 1380ه وصاحب الكفاح والعمل في التجارة في غربته من القصيم إلى البحرين قال جملته المشهورة، جملة مجرب صاحب حكمة، وتلك الجملة صارت مثلا شعبيا وفي الوقت نفسه ورقة اجتماعية اقتصادية إدارية مثمرة تعني التدبير والتعقل والجد والمثابرة، حيث قالها وهو يحث الشباب الواصل للبحرين من أجل العمل فلا يضيع لهم وقت ولا جهد ولا يصعب معهم عودة لديارهم بغنيمة وفلاح.
واختار أصغر عملة كناية عن الاهتمام بما صغر في عيوننا من مقتنياتنا أو من مردود كسبنا القليل، أو أي شيء ظننا عدم أهميته، إنما الحقيقة أن الأشياء تعظم بتجمعها وتكبر بانضمامها لبعضها، كالسيول الجارفة فهي تأتي من طش المطر وقطراته، ومثل الكثبان الرملية الممتدة والجبال العالية تتكون من الحبات الصغيرة.
قال عبدالله الزامل مقولته المشهورة (بيزة على بيزة توديك عنيزة)، وأشار لعنيزة كمقصد لمن يتلقى قوله وحاضر في جلسته، وإلا فالمقصود من العبارة عموم من له هدف ومن يتمنى بلوغ مبتغاه ومراده، وأما عنيزة فهي مدينتهم التي تعنيهم وتنشد إليها مشاعرهم في الغربة ولهم بها ارتباط المحبة وهم طلبوا سعة في الرزق من خلال السفر وإن كانت أشواقهم مشدودة نحوها.
قالها وهو في البحرين وقت الكفاح وزمن راح، أيام الغربة والسفر من أجل تحسين الوضع المعيشي والاقتصادي وتحصيل لقمة العيش من خلال السفر.
هي عبارة تجمع الكثير من الرؤى، وفي الوقت نفسه تركيبها وسبكها ميزها وجعل من فواصلها وكلماتها ما يجذب اهتمام سامعها ليتوقف عند معانيها ويعجب بها، إنها وإن كانت عبارة مرت ضمن كلام كغيرها من العبارات إلا أنها تنطوي على مصداقية وثمرة تجربة وخبرة وبعد نظر وليست كل العبارات وإن تشابهت جديرة بأن تلفت الانتباه.
إن في العبارة حكمة ورؤية تنطوي داخلها حقائق ونظريات ففيها اقتصاد وترشيد وادخار وأمل وحكمة وتطلع وعنوان رئيس لحسن التدبير وهو الأهم، كما أن فيها ترغيبا في العمل وحثا عليه وامتدادا للتفاؤل وشعورا بتخفيف مصاعب الغربة، وفيها أيضا شحذ للهمة واعتماد على النفس وترقب لم الشمل والعودة بعد الفراق والوفاء بالأرض والموطن وتذكره ومحبته ورد الجميل له.
لقد قدمها عبدالله الزامل ضمن حديث أخوي عادي لمجموعة من الشباب في جلسة معهم يتبادلون أطراف الحديث كعادة مجتمعنا المحب للاستفادة من تجارب من سبق والأخذ بيد من تطلع إلى الأفضل لكنها من أفضل الدروس.
كان يعرف هدفهم وكل المغتربين لهم الأهداف نفسها وقرأ في حديثهم رغبتهم في ديارهم وفي الوقت نفسه ارتباطهم بطموحهم، فلا هم قادرون على الجمع بين مكان الوله والأهل والذكريات، وبين الغربة بعيدا عن مسرح طفولتهم وعشقهم ديارهم والاجتماع بأهلهم والأنس معهم، لهذا قال مقولة تشع منها بوارق الأمل.
إن ذكرياتنا تحركنا وغربتنا نتحرك معها وهمومنا دوما مشتركة، إن مكانك الذي ولدت فيه ونشأت وأمضيت بين جنباته سني طفولتك يبقى في ذاكرتك مدى الحياة تحن إليه وتتشوق إلى رؤيته ولا تستطيع أن تعيش بعيدا عنه طويلا، ولولا هذا الشعور خلت بعض البلدان من سكانها، ولكن الحنين إليها هو الذي يعمرها ويبقى، ولكن الماء الراكد لا يبقى بطعم ومذاق العين والمعين المتحرك فالحركة كلها بركة كما قال أجدادنا لهذا يتحرك الناس من بلد إلى آخر طلبا لطيب العيش، والمال في الغربة وطن، والأصدقاء أيضا في الغربة وطن، وقد عاش الكثيرون من أجدادنا في غربة فترات طويلة من أعمارهم، لم يتمكنوا من البقاء في بلدانهم وقراهم، وبين أهلهم وذويهم، والسبب الحاجة التي ألجأتهم إلى السفر إلى بلدان في أطراف الجزيرة وسواحلها، وإلى بلاد الشام والعراق وفلسطين ومصر والهند وبعض دول جنوب شرق آسيا، وغابوا بالأشهر تلو الأشهر وبعضهم أقام في غربته سنوات، ونحن نعلم أن هناك بعض العائلات لطول مكث معيلها في الغربة انتقلوا مع معيلهم وكونوا مع بقية من سافر معهم تجمعا يمثل بيئتهم الأصلية التي قدموا منها سواء نجدية أو حجازية أو جنوبية أو شمالية، وهذه طبيعة الهجرات السكانية التي يذكر بعضها التاريخ.
وكما أن الغربة ليست اختيارا فيما مضى، بل هي إجبار لمن عاش في حاجة وفقر، فإن البقاء أيضا يكون إجباراً نتيجة ظروف تستلزم ذلك، ويتضح ذلك من قصائد الشعراء الذين يذكرون في قصائدهم حب بلادهم والأنس بها سواء بقوا فيها أو سافروا بعيدا عنها.
ونختم بأبيات حول الغربة وحب الديار وعشق الموطن، يقول الشاعر محمد الأحمد السديري:
قالوا وحيد وقلت ما عندي أوناس
وقالوا غريب وقلت بأرض بعيدة
ابعدت مابي شوف ناس من الناس
بعدت عن بعض الملا وتعديده
مطاوع قلبي على كل الأجناس
والبعد عن شوف المكاره يفيده
في وسط نجد اتبع هوا كل نسناس
واطرب لشوف طيورها وتغريده
اعشق ليالي نجد لو انها ادماس
وايامها عندي جنان سعيدة
شمي لعشب رياضها يقعد الراس
ومافات من ساعات عمري يعيده
بيزة على بيزة توديك عنيزة
ناصر الحميضي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.