في كل مرة أسمع عن مهرجان مسابقة الثيران في إسبانيا أتساءل: متى ستتوقف هذه الرياضة الهمجية؟ هل يعقل أن تستمر دولة أوربية منضمة إلى الاتحاد الأوربي في السماح بممارسة هذه الرياضة رغم الانتقادات الموجهة لها من جهات حقوقية كثيرة؟ الغريب أن إسبانيا دولة أوروبية حققت الكثير من الإنجازات المتطورة في معظم المجالات، ونجحت إلى حد كبير في تحصين مبادئ العدالة والشفافية والمساواة، ومع ذلك لا تزال تسمح بممارسة مثل هذه الرياضة الدموية المعيبة، ولولا النقد الذي يشنه النشطاء على هذه الرياضة، وانخفاض اهتمام الشباب بها بجانب الأزمات الاقتصادية التي أدت إلى العجز عن إمكانية الإنفاق عليها لما بدأ حظرها في بعض المناطق والمدن الإسبانية. يفسر التمسك بهذه الرياضة بأن الإسبان مدمنون على التمسك بالتقاليد المتوارثة وببعض العادات السيئة، فهم يعدون هذه الرياضة جزءاً من تاريخهم وثقافتهم، وهي تعد مصدر دخل للدولة وعاملا مؤثرا في السياحة، واستمرارها يعني ازدياد عدد السياح وضمان فرص عمل للناس. ولكن ماذا عن الجانب الأخلاقي؟ هل يمكن في هذا الزمن أن تكون إهانة وتعذيب حيوان حتى الموت عملاً مسلياً للمشاهدين؟ وكيف يستطيع بشر أن يجلسوا طوال المسابقة وهو يرون حيواناً مسكيناً يعذب ويقتل؟ أليست هذه الرياضة وغيرها كمصارعة الديكة والكلاب وصمة عار في جبين الإنسانية ونحن في القرن الحادي والعشرين؟ إن أي تبرير يقدم لبقاء مهرجانات مصارعة الثيران وغيرها هو ضرب من ضروب الجهل والوحشية والتناقض، فالأصوات التي تنادي بحقوق الحيوان والتي أقرتها كل الشرائع تتعالى بينما نجد شعوباً المفترض أنها ترعى هذه الحقوق تتلذذ في تعذيب حيوان، إنه أمر مثير للعجب والاشمئزاز، ولعل وفاة مصارع ثور مؤخراً يجبر إسبانيا على إعادة النظر. مهرجان تراثي آخر شاذ يمارس في إسبانيا وهو احتفالية التراشق بالطماطم وهو احتفال شعبي سنوي، حيث يتراشق المشاركون بكميات كبيرة تبلغ آلاف الأطنان من الطماطم الناضجة، وهي طماطم من نوع معين تزرع وتخصص لهذه المناسبة، وينتهي الاحتفال وقد تغطت الشوارع واكتسى المشاركون باللون الأحمر، كل ذلك من أجل المتعة وجذب السياح، وهو التبرير الذي يساق من أجل إقامة هذا الاحتفال السنوي الذي يوصف من الكثير بالحمق والجنون والسخف لأن آلافاً من البشر يتسلون باللعب بالطماطم بينما يموت آخرون في أجزاء أخرى من العالم جوعاً، وقد حاولت مدن في دول أخرى تقليده ولكن الانتقادات لهذا الإهدار أدت إلى منعه. إقامة هذه المسابقات والاستمتاع بها فيه دلالة على أن المجتمعات مهما تقدمت تظل مشدودة إلى تقاليدها غير العقلانية وثقافاتها الجاهلية. [email protected]