يركض الناس في الحياة، وكأنهم في طريق طويل، ينطلق من خلاله ماراثون لا يتوقفون داخلأاروقته، ولا يتحدثون، على اعتبار أن من يصل أولاً هو الفائز وهو المسيطر. لا استعراض على الطريق، من قبل أي طرف. ولا توقف من اجل معايدة، أو سلام، أو اطمئنان. ركض، ركض محموم، بأبجدية معروفة، ترتكز على أرض الواقع، وتتنكر لأحلامها وتحارب قوة انكساراتها. كثير من البحث عن الأفضل حتى وان كان على حساب الآخر. كثير من البحث عن النجاح من منطلق انه لا يوجد شيء اسمه الفشل. وان الوصول يحتاج إلى المغامرة عدة مرات حتى وان كانت بالعنف، لأنه المحصلة النهائية تحقق الطموح. يركض الناس في سبيل الحقيقة التي يبحثون عنها. وهي مختلفة المعاني من شخص إلى آخر. فالحقيقة التي تعنيك قد لا تعنيني، وقد لا تمثل المعنى الأهم للحياة. والحقيقة التي أصل إليها، وأُجاهد من أجلها، قد تشكِّل لديك مشكلة كبيرة في نفس الوقت الذي لا أدرك أنا فيه تفاصيل هذه المشكلة الكبيرة. الحقيقة بصفائها وقوتها في الغالب هي مختلفة من شخص الى آخر خصوصاً إن كانت حقيقة احادية. فهناك الحقيقة الهلامية التي لا تستند إلى أي بنيان. أو تقف على ركائز تسندها لتصبح ذات مفهوم جماعي يمنحها حق البقاء، وليضفي عليها الكثير من المصداقية. حقيقة هي في الأصل رماد تناثر في الهواء، ومن غير الممكن الإمساك به ومع ذلك تبدو للآخرين ذات استناد حقيقي على أرض الواقع من خلال ايمانهم بنظرية الفراغ، واللا شيء. خصوصية الآخرين كثيراً ما تمنحنا التوقف ان كنا نستوعب مفهوم هذه الخصوصية، ونجول بين طرقاتها. ومن منطلق ذلك كثيراً ما نعجز عن محاورة اقرب الناس إلينا في مفاهيم تعتبر حقائق لديهم، ولكنها في الأصل هلامية، ولا تمتلك اي ضمان نسبي يمنحها حق البقاء، أو السيطرة على تفكير الآخرين. عقلاؤهم من يتصورون ان الحقائق يملكونها ولا يملكها غيرهم. هم يعتقدون ذلك، بالرغم من اختلاف مفهوم هذه الحقيقة، وانعدام مؤشر صدقيتها. مختلفون من يتصورون ان الحقيقة لا تحتاج دائماً الى توضيح كافٍ ولا تحتاج مجهوداً من أجل إيضاح رؤيتها. يثورون إن ارتأيت احياناً أن هذه الحقيقة مزيفة.. أو مدسوسة أو انغلاق على النفس المنفتحة، أو حتى حجر على حقائق ثابتة بالأدلة. الحقيقة قد تأتي تصوراً يوقظ كل المشاعر الساكنة. وقد تأتي تدريجياً وتصل اليك رغم وصولها منذ زمن لكنك تحملت بقوة شديدة قدرة ان تغمض عينيك من اجل تجاهلها. الحقيقة تراها مع الآخرين، وفي ملامحهم لكنك تفتقد ادوات التفاهم معهم ولا تمتلك سوى انعزاليتك، وخوفك من المواجهة. تراها وتخاف أن تصلك، أو يصوّرها من تحملوا مسؤولية الحفاظ عليها واكتشافها إليك. تعتقد في كثير من الأحيان أن الحقيقة الهلامية أفضل من الحقيقة المطلقة التي لا يختلف عليها إلا القليل، وذلك لأن الحقيقة المطلقة هي نوع من السطوة الاستعمارية المؤيدة التي لا تمتلك إزاء قصفها المركز أي قدرة على المقاومة بل تنحني مستسلماً، مضللاً بسلطتها، محتمياً بسيادتها، مقهوراً لعجزك عن التحرك نحو التحرر مهما كانت هذه الحركة غير مطلوبة، ومصيرها الفشل.