مركز الحياة الفطرية ينفّذ برنامجًا تدريبيًا متخصصًا في نقل الكائنات الفطرية وإطلاقها بالمحميات    اتحاد الغرف يكرم السلامة    القادسية يتعادل مع ضمك في أول ظهور لمدربه الجديد رودجرز    بنين تهزم بوتسوانا وتحقق انتصارها الأول بكأس الأمم الأفريقية    (117) دقيقة مدة زمن العمرة خلال شهر جمادى الآخرة    "مسرح مهرجان جازان يحتضن مشاركة محافظة صبيا في ليالي المحافظات"    التحالف في اليمن: التحركات العسكرية المخالفة سيتم التعامل معها لحماية المدنيين    هيئة الهلال الأحمر السعودي بالقصيم تكرم روّاد العطاء لعام 2025    الأفواج الأمنية تضبط 3 كيلوجرامات قات في عسير    الخارجية اليمنية ترحب ببيانات عربية ودولية ثمّنت جهود السعودية بشأن تطورات حضرموت والمهرة    «واحة الأمن» تستعرض جاهزية الأفواج الأمنية في مهرجان الإبل    «القيلة» متعة الحائليين    «أرفى» تكرّم الجهات الداعمة لمرضى التصلب المتعدد في حفل "خيركم سابق"    مطالب الأهلي المالية للموافقة على رحيل محترف الفريق    حملات ميدانية تضبط 18,877 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    تشكيل الاتحاد المتوقع أمام الشباب في دوري روشن    تشكيل النصر المتوقع أمام الأخدود في دوري روشن    الجبيل تستعرض مقوماتها في مسار الاعتماد العالمي كمدينة صحية    «مهرجان جازان 2026» يجعل الفرح جسراً بين الأجيال    الكابتن ناصر عسلوف يكرّم الإعلامي محمد الحسين ومدير ومدرب منتخب الدرب    وزير الدفاع: المملكة تعاملت مع القضية الجنوبية باعتبارها قضية سياسية عادلة ضمن جهودها لدعم الحل الشامل في اليمن    منطقة "هذه جازان" تحيي فعاليات مهرجان جازان 2026 وتستقطب الزوار    غوتيريش يدين التفجير الإرهابي الذي استهدف مسجدًا في حمص السورية    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    انخفاض أسعار النفط عند التسوية    ألمانيا تعتذر عن تحليل الصندوق الأسود الخاص بطائرة رئيس الأركان الليبي    يايسله: خسارة مواجهة الفتح «قاسية»    مدير هيئة الأمر بالمعروف بجازان يزور التدريب التقني ويبحث تعزيز البرامج التوعوية المشتركة    رئيس مجلس القيادة اليمني يطلب مساندة التحالف لفرض التهدئة في حضرموت    مهرجان الملك عبدالعزيز للصقور يقيم 6 أشواط للمحترفين في يومه الثاني    الفتح يكسب الأهلي بثنائية في دوري روشن للمحترفين    بيش تُضيء مهرجان شتاء جازان 2026 بهويتها الزراعية ورسالتها التنموية    السديس: حقوق العباد من أخطر أبواب الظلم ومواقع التواصل بيئة خصبة للبهتان    وزير الداخلية تابع حالته الصحية.. تفاصيل إصابة الجندي ريان آل أحمد في المسجد الحرام    سعيد بن قزعة أبو جمال في ذمة الله        هيئة محمية الملك سلمان الملكية تدشّن مبادرة الإصحاح البيئي في "وادي نايلات" بحائل .    القيادة تعزي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وفاة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ومرافقيه    برعاية أمير منطقة جازان.. مهرجان جازان 2026 يستهل مشواره بانطلاقة كرنفالية كبرى    رئاسة الشؤون الدينية تدعو قاصدي الحرمين إلى الالتزام بآداب وفضائل يوم الجمعة    آل الشيخ: جائزة طارق القصبي نموذج وطني لدعم البحث والابتكار في الهندسة المدنية    واشنطن مُهددة في سباق الذكاء الاصطناعي    من البحث إلى التسويق الجامعات في فخ التصنيفات العالمي    جمعية التنمية الأهلية بأبها تحتفي باليوم العالمي للتطوع واختتام مشاريع 2025 ضمن "رواية عقد"    «أرفى» تكرّم الجهات الداعمة لمسيرة العطاء مع مرضى التصلب المتعدد    إنفاذ يشرف على 75 مزادا عقاريا لتصفية وبيع أكثر من 900 أصل في مطلع 2026    نائب أمير منطقة جازان يلتقي أيتام "إخاء"    تطبيق علاج وقائي للحد من تطور السكري    تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وزير الداخلية يطلع على مبادرات الجوف التنموية    سلطان عمان يمنح قائد الجوية السعودية «الوسام العسكري»    نقاشات أمنية وسياسية تسبق لقاء نتنياهو وترامب.. حدود جديدة لإسرائيل مع غزة    الشيباني: العلاقات مع روسيا تدخل مرحلة إستراتيجية جديدة.. الداخلية السورية تتهم «قسد» بالتجنيد الإجباري في حلب    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل سفير المملكة بنيبال    هندية تصلح عطلاً برمجياً في حفل زفافها    40 ألف متدرب مخرجات الأكاديمية الصحية    لوحات مجدي حمزة.. تجارب من واقع الحياة    الإطاحة بطبيبة المشاهير المزيفة    النيكوتين باوتشز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إدوارد الخراط وحداثة الحساسية الجديدة
نشر في الرياض يوم 02 - 01 - 2016

إدوارد الخراط أديب عربي مصري (1926/2015)، حصل على إجازة في الحقوق (جامعة الإسكندرية/ 1946)، وكان من أوائل المنظرين والكاتبين للحساسية الجديدة في مصر (1967)، تاركاً أثره في العديد من الأعمال الأدبية: السردية (قصة ورواية)، والتي بدأت مع مجموعته القصصية الأولى الحيطان العالية (1959)، ثم فاز بجائزة الدولة عن مجموعته (ساعات كبرياء/ 1972)، وجائزة الدولة التشجيعية، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام (1973). أصدر (50) عملاً أدبياً بين قصة وشعر ونقد ورواية، وترجم (14) كتاباً إلى العربية ومنها: (الحرب والسلام/ ليو تولستوي)، (الرؤى والأقنعة/ مختارات من القصص الغربية)، (الغجرية والفارس/ قصص رومانية)، (رواية مشروع الحياة/ رانسيس جانسون)، (تشريح جثة الاستعمار/ دي شي بوشير دراسة اجتماعية)، (الوجه الآخر لأمريكا/ ميكائيل هارنجتون)، (شهر العسل المر/ مختارات من القصص الإيطالية)، وعدداً من المسرحيات والدراسات، كما أنه تميز في السرد الروائي مع (رامة والتنين/ 1980) التي مازج فيها الأسطوري بالواقعي واليوناني والفرعوني والرمزي والإسلامي، كما تابع سرده الداخلي، الروحي، المختلف، في أعماله الأخرى، مثل:روايته (الزمن الآخر/ 1985)، و(أضلاع الصحراء)، (يقين العطش)، (ترابها زعفران)، (إسكندريتي)، و(حريق الأخيلة) التي تتمحور فيها السيرة الإبداعية للكاتب كبطل توازيها شخصية معنوية أخرى هي (الذاكرة)، (تباريح الوقائع والجنون.. تنويعات روائية/ 1998)، والتي يقول في تقديمها: في هذه التنويعات الروائية نتفٌ من سيرة ذاتية، صحيح، ومع ذلك لم ألتزم قط بحرفية أحداث حياتي أو خيالاتها، ولا بدقتها.. أما الوقائع اليومية مبرحة الإيلام فهي هي، بحرفيتها، وهي التي تدعو للجنون، جئت بها من ديوان هذا الزمان، في الصحف والمجلات، لم أخرم منها حرفاً، أما شطحات الفانتازيا والخيال وخطفات الرؤى الشعرية فهي عندي جوهر الواقع الحق. لسنا نعيش بالعقل وحده، نعم، على أن العقل وحده يظل دائماً هو الإمام الحق في الكتيبة الخرساء.
غالية خوجة
ترى، إلى ماذا أشار بهذه الكلمات؟ بلا شك، هو يختزل أسلوبيته النسقية ليس في الأحداث وحدها، بل في أسلوبية معالجة هذه الأحداث القابلة للوقوع والإتيان في أي زمان ومكان، فكما صرّح الجاحظ بأن المعاني ملقاة على الطريق، ولا بد من إضافة ما غاب: معاني المعاني تحتاج إلى بصيرتين: بصيرة الوعي، وبصيرة المخيلة، مما يساهم في تداخلات الشبكة المعرفية والثقافية والحياتية بأبعادها، لتكون إيقاعاً منفرداً، كما (السوناتا)، والتي يجسدها كل مبدع بأسلوبه الخاص العاكس لمرايا روحه، وكم هم كثيرون على قلتهم، وها هو (الخراط) يومئ إلى تلك الفلسفة الكتابية وقد تكونت من نص مثقف فيه من الرؤى والحلم والتصوف والواقع، ما يمنح الحدث اليومي سرده الخالد، أو هو ما يضفي على المألوف لا مألوفيةً لا تجسدها اللغة فقط، بل إيقاعاتها الشعرية، التساؤلية، وفنيات بنية الكلام، ولنقل، هنا: فنيات السرد، وجماليات الحكي، المنتج لإنشاد واقعي خيالي، يضفي على البنية (حساسية جديدة) تبعاً لمصطلحه ذاته، معتمداً على أهم العناصر: الحوار، الوصف الخلاق، الفضاء الزمكاني، الحالة النفسية والاجتماعية (السيكوسوسيولوجي)، وتبئيرية الراوي، وغالباً ما تكون (الراوي العالم بكل شيء)، المعتمدة على ضمير المتكلم (أنا الراوي إدوارد) المنقسمة تحايثياً، أي في (الآن ذاته) إلى ضمير ال(هو) كراوٍ غائب، وضمير المخاطب المفرد والجمعي، وضمير (اللغة) بأبعادها الكينونية التي تتكثف بعد (الكولاجات) التشكيلية والمسرحية والمشهدية، لتمنح اللحظة المكتوبة مسافةً من الابتعاد عن الواقع، بعد أن تخلّصَ من واقعيته، مع الانتباه إلى ضرورة فهْم الفرق بين الواقع والواقعية، ونجسد لذلك بقصة (خنوم وعجلة القدر) التي تبدأ بمنطوق عادي تماماً: (كنت في حالي، لا عليّ ولا لي، عندما ناداني خنُوم)، ولا يظهر الحيز الشخصي ل (خنوم) إلاّ بعد التواصل في السرد، والدخول في الجو العام للقصة التي تبين أن هناك دليلاً سياحياً بين القاهرة والكرنك كمعادل مكاني، وتتسم شخصية الدليل السياحي بأنه يتحدث الإنجليزية بطريقة فيكتورية فصحى، وخلفه زوار أجانب، متعددو الجنسيات، ثم يظهر الزمان لحظة (المغيب الحار) المندمج مع المكان والشخصية الراوية التي يناديها حنوم فتستجيب: (أسير في نفق تحتي فسيح مع أن نور المغرب الحار ينسال على الصرح الرمادي المهيب، انجردت عنه بهرة ألوانه الزاهية)، ثم يبدو أن الزمان والمكان في حالة غير مستقرة، كونهما يتحركان نحو العودة إلى الأصل: (عاد إلى جوهر طيني وصخري ركين ليس فيه بهجة التلوين والطرب)، حالة من التصير والعودة إلى مادة مرنة وصلبة في الآن ذاته (الطين والصخر)، ومع فقده الألوان وموسيقاها (التطريب)، يشير (خراط) إلى أنه كان ملوناً بالتاريخ، والغروب، والحرارة، ثم يحيلنا إلى عمق الزمان المخبوء: (وظلت الرموز والنقوش الألفية غائرة في جسد الصرح)، وتتحرك حاسة الإصغاء من المشهد، وحاسة الرؤية، وحاسة الكلام، وذلك عندما تحكي الشخصية عن البوح الذي كشفت عنه تلك الأمكنة والعناصر والأزمنة: (يبوح لي بأسرار أعرفها تمام المعرفة في غور مني) حيث يتضح أن المشهد المتشكّل من العودة والتحول ليس سرياً بالنسبة لشخصية الراوي كونها تتبادل الأسرار والمعرفة مع المتحولات، وتبوح بها أيضاً، مما يعني أن الصوتين هما صوتٌ لصمت واحد غائر في الفضاء الزمكاني، والذي يعود ليوحي بحالة انفصالية بين الراوي والمشهدية المكانية من خلال الجملة اللاحقة التي تنقض تلك المعرفة، وتختصرها ب (الجهل بفك الشيفرات): (لكني لا أعرف كيف أفك شيفرتها)، ومع اصطناع هذا الجهل، تتم دعوة القارئ إلى التشويق في معرفة ما تخفيه هذه اللغة، ثم تعود الشخصية إلى مونولوجها، ومنطوقها الأقرب إلى العامية: (قلت لنفسي: يظل تخاريف، خليك في السليم)، وتعود حزمة الضمائر إلى التوحد في (أنا الراوي المتكلم/ المؤلف) الذي يحكي عن تجربته في عمله في أحد البنوك المصرية، وكيف شعر بأن من مدير البنك (سميث) وكأنه طالع من إحدى روايات تشارلز ديكنز، إلى أن هرب! وهكذا يشتبك التاريخ الأثري للمكان باللحظة الواقعية من خلال الشخصية، وطريقة توصيفها وإحالاتها لما يجري إلى (الذاكرة)، والحاضر، وكيف تذكّر ما يحدث في المواصلات العامة، والجامعة، وبائع البصل، لتتكشف شخصية (خنوم) الطالعة من أعماق الراوي: (ها قد امتزج نداء خنوم بنداء أوزير، النداءات في الطريق الجواني قد تعددت، لكنها لا تسد الباب إلى الخارج المزدحم)، ومع التعدد تأكيد على تعدد الأصوات، إضافة إلى شعرية الجملة والمشهد والحالة، وعودتها إلى القرن التاسع عشر، وأهم المعالم المكانية مثل (مقهى الفيشاوي)، وتظهر الموسيقا مثل عجلة القدر التي ما زالت تدور، ووظيفتها تكمن في عكسها لمدى الضغط النفسي الجواني الذي يتسرب إلى أن يصل بين مشهدية وأخرى، تاركاً حكماً بالغة، مثل: (كم منا نحتضن جمام أحبائنا التي نبشنا أجداثهم عنها وحملناها معنا في المنافي)، وكذلك، تبزغ الصراعات مع النهاية (الفلاشباكية/ Flash Back) التي تحترق فيها أوساخ المدينة: (ما حاجتي إلى ابتداع الوقائع؟ ونسج الحكايات؟ تباريح الوقائع أشد شططاً من الجنون. مازالت ألسنة النيران، وألسنة الدخان، تغطي وجه الأفق/ ص 38)، وكما نلاحظ، تحث الخاتمة القارئ على المحاورة التي ليست هي خاصة بالشخصية، رغم حضورها بهيئة (المونولوج)، بل تشاركه اللحظة والمآل كما شاركته الذاكرة، لتكون الخاتمة مفتوحة على الاحتمالات والأسئلة والتوقع، حيث البطولة الجديدة لكل من (ألسنة النار والدخان) والأفق، أو المستقبل، متخمٌ بغموض لا يتمتع بوضوح قريب.
وضمن ذات المحاور، لكن بعوامل جمالية مضافة إلى هذه العناصر الفنية، نلاحظ أن رواية (رامة والتنين) تأخذ من الحب بين (رامة) و(ميخائيل) محوراً أساسياً للكشف المتشعب عن الواقع، الذي يظل دائماً (واقعاً) بمفهومه الحياتي والفني، حيث يشترك (خنوم) مع (رامة) عندما يؤكد الخراط في القصة على خنوم: (خنوم هو رام الكبش المؤنث، هو رامة)، ثم يعيدنا إلى ( متحف الإسكندرية) وكيف رآهُ قبراً كبيراً للقدماء، وما يضمه من آثار، منها (خنوم الكبش ذو القرون الأفقية المتموجة والوجه المسحوب يرفع حاجبيه المزججين، يتدلى من عنقه صليب مورق وهو جالس على كرسي الخيزران المشغول في مقهى الفيشاوي يدخن شيشة بعد الظهر)، هل عادت رامة إلى الحياة المعاصرة بعد أن شخصنها المؤلف؟ ربما، لكن بطريقة إدوارد الخراط، الذي رأى في ديمومة الحياة عجلة مازالت تدور كما الأحزان والأقدار والأحداث والبحث عن صديق مفقود منذ نصف قرن، أو سنجده بعد نصف قرن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.