لا شك أنه من خلال استقراء التاريخ الإنساني نجد أن المنازعات قديماً كانت بسيطة من حيث الموضوع والإجراءات لبساطة المجتمعات القديمة نفسها، وحيث إن الصلح لا يزال يعتبر وسيلة فعالة لفض المنازعات وحفظ الحقوق وبقاء المودة والألفة بين المتخاصمين، فإن التوسع في إنشاء مكاتب الصلح والتسوية الودية داخل المحاكم العامة خاصة في المدن الكبرى كإجراء قبل رفع الدعوى أصبح ضرورة يقتضيها الواقع ليقلل من حجم القضايا المتزايدة ويخفف في الوقت نفسه من التعقيدات وإجراءات التقاضي بشكل عام. وكما أسلفنا فإن كثرة النزاعات وتشعب القضايا في العصر الحديث، جعلت اللجوء إلى القضاء يعتبر الملاذ الأخير للفصل في الحقوق المتنازع عليها، نظراً لوجود الكثير من الناس ممن يرغب في تسوية وإنهاء النزاع بشكل ودي عن طريق مكاتب الصلح الملحقة بالمحاكم وتأخذ الصفه الرسمية الملزمة في التنفيذ وهذا أمر معمول به في العديد من محاكم دول العالم لتوعية الخصوم بحقوقهم أو ببعض الأمور المتعلقة بالقضية من قوة البينات وتكلفة الدعوى والجهد والوقت المتوقع لإنهاء القضية وغير ذلك. ويبدو أن عرض النزاع على مكاتب الصلح قبل البدء بقبول الدعوى قد حقق الكثير من الإنجازات المتمثلة في الحد من تدفق القضايا بما يفوق نسبة (50%) من أعداد القضايا في الكثير من المحاكم المختلفة في دول العالم والتي تهتم بجانب الصلح قبل البدء في إجراءات التقاضي، ونعتقد أن تفعيل وزيادة إنشاء مكاتب الصلح يتطلب الاستعانة بالمستشارين الأكفاء وأصحاب الخبرة امتثالاً لقوله تعالى: (إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما) وهذه الآية تشمل كل أنواع الشقاق الواقع بين أطراف الدعوى بشكل عام. ونخلص إلى أن الصلح في القضايا يؤدي إلى تخفيف العبء عن المحاكم وانتهائها بسرعة والوصول إلى تسوية ترضى الطرفين واختصاراً لإجراءات التقاضي، ونعتقد أن زيادة إنشاء مكاتب الصلح بالمحاكم أصبح ضرورة ملحة لإنهاء النزاعات في مراحلها الابتدائية ويكون الالتجاء إليها اختياراً وليس شرطاً لصحة الدعوى أو قبولها، حتى لا تضاف عقبة أخرى في طريق التقاضي إذ إن الغرض من التوسع في إنشاء مكاتب الصلح والتسوية هو الرغبة في إنهاء النزاع ودياً وسرعة الحصول على الحقوق لا إعاقتها.