المستطيل الأخضر ... وهدر الملايين

الإسْلام لمْ يحرِم التروِيح عَن النَفس مِن عنَاء وَمشَاق الحيَاة بِبعض الريَاضة التِي تسْتروِح بهَا القُلوب ، وَتسعَد بهَا النُفوس ، وَتجدِد الطَاقات ، فَأجازها بِضوابط وَشرُوط تَتماشى مَع منْهجه القوِيم ، فَالرياضة بمفهُومها العَام تهدِف إلَى إكسَاب الفَرد مَهارات نَافعة ، وَتسعَى لصَقل شخصِيته ثقَافياً وَإجتمَاعياً وَعقلِياً ، وَفي عصرَنا الحَالي أخَذت رِياضة كُرة القَدم شُهرة كبِيرة تجَاوزت الحدُود ، وتُعتبر مِن أكثَر الألعَاب الرِياضية شَعبية فِي العَالم ممَا جعلهَا تَتربع عَلى قِمة هَرم الرِياضة بصِفة عَامة ، وَوجدت الإهتِمام الكامِل مِن قبَل الإعْلام بمختَلف وَسائِله عَن بَاقي الألعَاب الرِياضية التِي تُعد تحصِيل حاصِل ضِمن أنْشطة النوَادي الرياضِية ، واليَوم َغدت كُرة القَدم حَديث المجتَمع لمختَلف الأعمَار ، وَأصبَحت بِشكل غِير طبِيعي شُغلهم الشَاغل فِي جمِيع الأوقَات ، وَفي كُل مَكان ( الشَارع – البَيت – المدَارس .... ) وَمتابعِين لهَا مُتابعة دقِيقة فِي كُل الأمُور المتعَلقة بهَا ، فَهي ذَات تَأثير سَاحر لَا محدُود لمحبِيها مِن مختَلف الطبَقات الإجتمَاعية ، وَلو عُدنا بِذاكرتنا إلَى عَقد مِن الزمَان مَضى لوجَدنا أَن كُرة القَدم كانَت تُمارس منْ قِبل الشَباب كهِواية ، أَما فِي أيامَنا الحَاضرة فَهي مصْدر دَخل مَالي مُميز لَا مثِيل لَه ، وَأعلَى مِن الممتَاز لمنْ يمارسَها عَلى المستطِيل الأخضَر ، ويُصرف عَليها مِن قِبل عُشاقها الملايِين مِن الريَالات التِي تفُوق مِيزانية بَعض الدُول ، فَالراتب الشهرِي الذِي يتقَاضاه اللاعِب فيهَا يفُوق مَا يتقاضَاه مَن أفنَى زَهرة شبَابه وعُمره فِي طَلب العِلم أضعَافا مُضاعفة ، ناهِيك عَن مُكافآت الفَوز التِي تُضاعف دُون أَي مُبرر يَستوجب ذلك ، وعَقد اللاعِب اليَوم فِي عَام رياضِي كُروي يفُوق مَا يجنِيه دكتُور أكادِيمي طِيلة حيَاته العمَلية ، كمَا أَن عقُود المُدربين المسْتوردين فاقَت قِيمتها عُقود مُدرسين يُضيئون دُروب الحيَاة لِفلذات أكبَادنا ، والأحْلى أنَه عِندما يَهرم ذلك الغَزال يودِع الملاعِب بمبارَاة إعتِزال تُدر عَليه الملايَين تفُوق ما تقاضاه خلال أيَام مجْده الكرَوي ، فتِلك الملايِين التِي يتقَاضاها اللاعِب أوْ المدَرب أوْ الحَكم ( الأجانب ) لهَا تَأثير عَلى الإقتِصاد إذَا غَادرت تِلك الأموَال بِطبيعة الحَال بنُوك البِلاد ، فَهذا الهَدر للمَال بِما نَراه الآن ينبَغي أَن يُعاد النظَر فِيه لِينفق فِي وجُوه الخَير ، وأَن تَكون لعْبة كُرة القَدم للتَرفيه عَن النَفس ليتَجدد نشَاط الإنْسان فِي حيَاته اليَومية ، وهَدفها السَامي التَنافس الشَريف بَين أبنَاء الوَطن ، لَا لِتبذير الأموَال دُون فَائِدة تَذكر تَعود عَلى الوَطن بالخَير الوَفير .
نبيه مراد العطرجي-مكة المكرمة