نحن في هذه الحياة نخطط ونحلم ونكافح ويظلم بعضنا البعض وما ندري ما تخبئه لنا الأقدار ونظل سائرين في تيهنا غافلين عن نهايتنا وكأننا على هذه الأرض مخلدون، فسبحان ربي الذي له في كل شيء حكمة ورحمة لا ندركها بعقولنا ولا نستطيع أن نفسرها من خلال رؤيتنا وتقديرنا المحدود، وما تحمله هذه الحكم من خير ورحمة لبني البشر، لقد تجلى لي ذلك وأنا أراك زاهدة في الدنيا بكل أفراحها ومرحها، مقبلة على عبادة ربك وكتبك، مخلصة في عملك، كنت وأنا أراك هكذا أحسب أن القدر يُهيئك لأن تكوني داعية لله ورسوله، ولم أكن أتوقع أن القدر يُهيئك للشهادة والتضحية من أجل الآخرين، فقد كان عمرك في هذه الدنيا 25 ربيعًا دفعت زكاتهم أن أنقذت من الموت عن كل عام طفلة بريئة قد يكون لها شأن كبير في خدمة هذا الوطن، تؤكد لك من خلاله أن تضحيتك لم تكن سدى، لتقول لك ها أنا أكمل المسيرة التي بدأتيها، فقد تكون هذه طبيبة أو معلمة أو داعية أو كاتبة أو أي شيء من أجل رفعة هذا الوطن، لينالك أجر ما عملنا يا من ضحيتِ من أجلنا. واليوم يا ابنتي أتمنى لو أنك معنا لتشاهدي جزاء ما عملتِ وتقدير ما ضحيتِ ممن لا تضيع عنده التضحية، والدك ووالدنا جميعًا ملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين الملك عيدالله بن عبدالعزيز حفظه الله وأطال في عمره وولي عهده الأمين وحكومتنا الرشيدة حين أمر بمنحك وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، ومليون ريال، لتكون لكِ شرفًا بهذا التكريم، ومواساة لوالدك الذي لم تقف دمعته عليك منذ رحلتِ، ولقد أبكانا هذا الموقف الإنساني تجاهك من ملك الإنسانية أكثر مما أبكانا على فراقك، ولعل ما تلقينه عند ربك من ثوابٍ وجزاء -وهو أكرم الكرماء وأرحم الرحماء- الكثير والكثير. وما لقيته في هذه الحياة الدنيا بعد مماتك -رحمك الله- من تكريم وتقدير من ولي الأمر ومن أبناء الوطن على مختلف طبقاتهم هو تكريم لنا جميعًا لأنه يدل على عملك النبيل ونيتك الصادقة، وصدق ربي العظيم حيث يقول في كتابه الحكيم: (قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين)، فلقد عشتِ عيشة رضية، ومُتِّي موتة هنيّة، فسلام عليك وعلى زميلتيك يوم استشهدتن ويوم تبعثن، فمثلك لم يمت وإن غاب عنا بجسده فما قدمته لربك ثم لوطنك سيخلدك مع الخالدين وصدق من قال: (دقات قلب المرء قائلة له، إن الحياة دقائق وثواني.. فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها، فالذكر للإنسان عمر ثاني). وقيل: (قد مات قوم وما ماتت مكارمهم.. وعاش قوم وهم في الناس أمواتُ). كان ودي أقول لكِ أكثر وأفضفض لكي أخفف ما في نفسي من ألم على فراقك، وما يحمله قلبي من حزن عليكِ، ولكن قدّر الله وما شاء فعل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، و(إنا لله وإنا إليه راجعون).. والحمد لله رب العالمين الذي اسأله أن يبدلك دارًا خيرًا من دارك وأهلًا خيرًا من أهلك، وأن يتغمدك بعفوه ورحمته وإحسانه. عمك عبدالله النهاري - جدة