فُجعت قبيلة «الرهوة» بمحافظة بالجرشي -منطقة الباحة- بوفاة شيخ القبيلة علي بن عبدالله الكلِّي أحد رواد التعليم الأوائل، ورمز من رموز المنطقة، على إثر مرض عضال -لم يمهله طويلاً- وذلك عن عمر يزيد على ثمانين عامًا قضاها في خدمة دينه، ووطنه، وحكومته، جامعًا بين مهنة التعليم ورعاية شؤون قبيلته. وأسرة الكلِّي من الأسر العريقة في منطقة الباحة الذين نالوا ثقة مجتمعهم، ومن خلال ذلك ثقة الدولة حسب الأعراف والتقاليد الاجتماعية المتعارف عليها في المجتمع القبلي. ومن مناقب الشيخ علي الكلِّي أنه كان شغوفًا بالتعليم، ويسعى إلى تجسيد حبه لتلك المهنة الجليلة، من خلال حث أبنائه وطلابه، وأبناء قبيلته، على مواصلة التحصيل العلمي إدراكًا منه أن خدمة الأهل والوطن تتحقق بشكل أفضل من خلال التعليم. ومن المواقف التي يذكرها له كل من عايش النهضة التعليمية في المنطقة أنه عندما قررت الدولة افتتاح مدرسة ابتدائية، لخدمة القرى المجاورة للقرية التي يسكنها ولم تجد مقرًا ملائمًا للمدرسة، أخرج أهله إلى منزل آخر، وقدم سكنه وسكن أسرته ليكون مقرًا لأول مدرسة في «قرى العسلة» في عام 1372ه، وعندما زادت أعداد الطلاب تبرعت أسرة الكلِّي بأرض مساحتها 5000م من أملاكهم الخاصة لبناء مدرسة جديدة عليها، وهذا إيثار لا يقدر عليه إلاّ الرجال الكبار الذين يدركون أهمية التعليم وخدمة المجتمع، ومثل هؤلاء الرواد جديرون بلفتة تكريم من وزارة التربية والتعليم. ومن المهم جدًّا أن نذكر في هذه المناسبة أن مشايخ القبائل منذ القدم يؤدّون دورًا بارزًا في إصلاح ذات البين والتكافل الاجتماعي المتأصل في المجتمع القبلي. والشيخ الكلِّي -يرحمه الله- وأخوته من قبله مارسوا ويمارسون ذلك الدور الذي أكسبهم القبول من ربعهم، وثقة الدولة لاضطلاعهم بتلك المهام التي تخفف عن الأجهزة الإدارية أعباء كثيرة، خاصة عندما كانت الإمكانات متواضعة، والمواصلات محدودة من وإلى المنطقة. وبعد أن انتشر التعليم بفضل رؤية حكومتنا الرشيدة، وجهود الرواد أمثال الشيخ الكلِّي وغيره من أبناء المنطقة استمر دور إصلاح ذات البين ضمن مسؤوليات شؤون القبيلة بالنصح والفصل في بعض الخلافات التي تطرأ بين أفراد المجتمع، والتعريف بأبناء القبيلة، عندما تقتضي الحاجة لاستصدار وثائق إثبات هوية، أو فض المنازعات حول الملكيات، وغيرها من الأمور التي يحتاج المجتمع لحلها بالطرق التقليدية بدلاً من اللجوء إلى المرافعات القضائية للجهات الرسمية. وقبل أن أدفع بهذا الرثاء إلى جريدة المدينة في وفاة الشيخ علي تلقّيت ببالغ الحزن والأسى، خبر وفاة أخيه الأكبر الشيخ محمد بن عبدالله الكلِّي الذي كان مثالاً للورع والتقوى.. وقد أظهرت مراسم العزاء مدى ما تتمتع به أسرة الكلِّي من احترام وتقدير لدى قبيلتهم ومحبيهم في منطقة الباحة، رحمة الله عليهما، وألهم ذويهما وكافة محبيهما الصبر والسلوان. (إنا لله وإنا إليه راجعون). [email protected]