مصر: الفنانة السورية نسرين طافش تستأنف على الحكم بحبسها 3 سنوات.. الأربعاء    إغلاق مؤشرات أسواق الأسهم الأمريكية مرتفعة    انخفاض أسعار النفط في أكبر خسارة أسبوعية في ثلاثة أشهر    الجنيه الإسترليني يرتفع مقابل الدولار الأمريكي وينخفض مقابل اليورو الأوروبي    بيان «الصحة» عكس الشفافية الكبيرة التي تتمتع بها الأجهزة الحكومية في المملكة    "الترفيه" تنظم عروض "سماكداون" و "ملك وملكة الحلبة" في جدة الشهر الجاري    محمية عروق بني معارض.. لوحات طبيعية بألوان الحياة الفطرية    اليوم المُنتظر    «النصر والهلال» النهائي الفاخر..    بأمر الملك.. إلغاء لقب «معالي» عن «الخونة» و«الفاسدين»    «الأونروا»: الصراع في غزة مستمر ك"حرب على النساء"    عقد المؤتمر الصحفي لبطولة "سماش السعودية 2024" في جدة    جريمة مروّعة بصعيد مصر.. والسبب «الشبو»    أمانة الطائف تنفذ 136 مبادرة اجتماعية بمشاركة 4951 متطوعًا ومتطوعة    أبها يتغلب على الاتحاد بثلاثية في دوري روشن وينعش آماله في البقاء    المملكة وأذربيجان.. تعاون مشترك لاستدامة أسواق البترول ومعالجة التغير المناخي    رئيس مجلس القيادة الرئاسي يوجه بسرعة العمل على فتح الطرقات وتقديم المساعدة    موعد مباراة الاتحاد القادمة بعد الخسارة أمام أبها    إدانة المنشأة الغذائية عن حادثة التسمم الغذائي وإغلاق فروعها بالرياض والخرج    ميتروفيتش: لم نحسم لقب الدوري حتى الآن    نمو الغطاء النباتي 8.5% بمحمية "الإمام تركي"    توسيع نطاق الاستثناء الخاص بالتصرف العقاري    مدير «الصحة العالمية»: الهجوم الإسرائيلي على رفح قد يؤدي إلى «حمام دم»    "درع الوقاية 4".. مناورات سعودية – أمريكية بالظهران    غداً.. منع دخول المقيمين لمكة دون تصريح    تركي الفيصل يرعى حفل جائزة عبد الله بن إدريس الثقافية    31 مايو نهاية المهلة المجانية لترقيم الإبل    موعد مباراة الهلال القادمة بعد الفوز على التعاون    «الدفاع المدني» محذراً: التزموا البقاء في أماكن آمنة وابتعدوا عن تجمُّعات السيول    الشرطة تفرق اعتصاما مؤيدا للفلسطينيين في معهد الدراسات السياسية بباريس    الفوزان: : الحوار الزوجي يعزز التواصل الإيجابي والتقارب الأسري    جامعة الإمام عبدالرحمن تستضيف المؤتمر الوطني لكليات الحاسب بالجامعات السعودية.. الأربعاء    رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء    الجمعية السعودية للإعاقة السمعية تنظم "أسبوع الأصم العربي"    الصحة العالمية: الربو يتسبب في وفاة 455 ألف إنسان    سحب لقب "معالي" من "الخونة" و"الفاسدين"    إشعار المراسم الملكية بحالات سحب الأوسمة    تحويل حليب الإبل إلى لبن وإنتاج زبد يستوقف زوار مهرجان الألبان والأغذية بالخرج    "تقويم التعليم"تعتمد 45 مؤسسة وبرنامجًا أكاديمياً    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    المملكة: صعدنا هموم الدول الإسلامية للأمم المتحدة    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية    " عرب نيوز" تحصد 3 جوائز للتميز    وزير الطاقة: 14 مليار دولار حجم الاستثمارات بين السعودية وأوزبكستان    وفيات وجلطات وتلف أدمغة.. لعنة لقاح «أسترازينيكا» تهزّ العالم !    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    الخريجي يشارك في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي    136 محطة تسجل هطول الأمطار في 11 منطقة بالمملكة    قصة القضاء والقدر    كيفية «حلب» الحبيب !    من المريض إلى المراجع    أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    ما أصبر هؤلاء    هكذا تكون التربية    اطلع على المهام الأمنية والإنسانية.. نائب أمير مكة المكرمة يزور مركز العمليات الموحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واسيني الأعرج: المشكلة الكروية بين مصر والجزائر مهينة لنا جميعًا.. وأشعر بالخجل أمام هذه الكارثة
نشر في المدينة يوم 22 - 12 - 2010

لا تستطيع أن تمسك بكل الخيوط إذا جلست أمام روائي بحجم الجزائري واسيني الأعرج لتحاوره، فإجاباته تغرق محدثة في التفاصيل مثلما تفعل رواياته في قرائه، ولا تكاد تستقر على محور للحوار فيفتح مجالات أخرى حتى إن الوقت لم يسع لإكمال الحوار في الإسكندرية خلال حضوره لندوة بمكتبة الإسكندرية، واكتمل بين القاهرة وباريس عبر البريد الإلكتروني ولكنه لم يفقد الحميمية.. واسيني أبدى سعادته بوصول روايته”البيت الأندلسي” إلى قائمة البوكر العربية الطويلة، كونها العمل الأدبي الوحيد في قائمة أهم كتاب في الوطن العربي حسب تصنيف مؤسسة الفكر العربي، وطلب من العرب التركيز على الجوائز الأدبية العربية لأن نوبل لها حسابات خاصة ضد العرب بعد أحداث 11 سبتمبر، وله رأي يحترم في أزمة كرة القدم بين مصر والجزائر.. تفاصيل كل ذلك في سياق هذا الحوار..
آمال وخيبات كثيرة
* روايتك “البيت الأندلسي” وصلت قائمة البوكر الطويلة، والقائمة القصيرة لأهم كتاب عربي في تقييم مؤسسة الفكر العربي.. كيف تري وصول الرواية إلى هذا المستوى من الاهتمام الأكاديمي في جائزتين تعدان الأكبر في الأدب العربي خلال السنوات الأخيرة؟
يجب أن نتفق منذ البداية أن الأدب جهد إبداعي وجمالي لذيذ في قسوته الداخلية، وحالة تفرد مرتبطة بشخص منتج في لحظة زمنية معددة، فهو إذن حالة متعة شخصية قبل أن نرسلها إلى الآخرين ونتقاسم معهم شأنًا حياتيًّا معيّنًا. إضافة إلى كونه ملمسًا التزاميًّا ليس بالمعنى السياسي ولكن بالمعنى الحياتي؛ أي لنا قضية ما نحملها في أعماقنا ونريد تقاسمها مع قرائنا. هذا هو الأهم في الكتابة؛ أي أن نظل هواة، نزرع المحبة ونهز قراءنا بنصوص جميلة، أو على الأقل نحاول أن نفعل ذلك، أحيانًا ننجح وفي أحيان أخرى نخفق بمرارة. لا شيء أثمن من ذلك في اعتقادي. لأن التعامل مع الحرف هو مثل الذي يشتغل أصلًا على الذهب، يعرف جيدًا كيف يصوغ الأشياء، ومعيار الكلمات ووزنها الداخلي، والثمن الذي يتطلبه الاشتغال عليها، لهذا عندما تأتي الجوائز فهي تكريم لجهد، وتكريم أيضًا لناشر غامر من أجل نص لكي يرى النور ويتابعه بالإشهار والاهتمام والمحبة. سعيد طبعًا أن رواية “البيت الأندلسي” اعتبرت من مؤسسة عربية محترمة مثل مؤسسة الفكر العربي، أفضل رواية لهذه السنة ما دامت النص الإبداعي الوحيد الذي بقي في السباق بين أفضل ستة كتب عربية خمس منها فكرية. ثم وصولها إلى قائمة 16 في البوكر يمنحها مصداقية أكثر. أي أن الرواية لاقت اهتمامًا عربيًّا جميلًا ورائعًا. مهما كانت النتائج اللاحقة في سباقات البوكر الأدبية، أنا جد سعيد بوصول الرواية إلى هذه المرتبة لأنه يفتح أمامها حظًّا كبيرًا لتعانق قراءها الطبيعيين وتنفتح على قراء جدد ربما لم يكونوا محسوبين بالنسبة لي أو للناشر. أنت تعرف أن الكتاب الذي لا يجد مسلكه نحو القراء، هو نصف فشل. قد يكون الحكم ظالمًا، ولكنها طبيعة الأدب وعلينا أن نقبل بها بمحبة وليس بانفعال. حدث معي أن أنجزت رواية قبل سنوات، وظننت بناء على الوقت الذي قضيته فيها والقضية التي ناقشتها، أن القراء سيذهبون بقوة نحو النص ولكني فوجئت بأن حركة النص كانت عادية جدًّا، وأحيانًا دون العادي. لا أعرف لماذا ولا أجد تفسيرًا مقبولًا للظاهرة، ولكني أعتقد أنه نظام الكتابة الداخلي لا غير. نحن في النهاية لا نكتب لأنفسنا ولكن نكتب للتقاسم مع القراء مجموعة من الانشغالات الجمالية والاجتماعية، وعليهم أن يجدوا في كتاباتنا مشتركًا ما وإلا سينفصلون عن الكتاب. من هنا فقيمة الجوائز الأساسية أنها تجعل الكتاب مرئيًا وإلا يبقى مدفونًا في الرفوف، على الأقل في شهوره الأولى من الصدور. الأمر يختلف في البلدان العربية عن أوروبا، فزمن حياة كتاب في فرنسا، أي وضعه في الواجهة، هي بين شهر وثلاثة أشهر، إما أن يتحرك وإلا يوضع في الرفوف الخلفية لأن آلة النشر قوية ولا تقبل أن يحتل كتاب الرفوف الأمامية وهو يسير بثقل. وضع قاس، وظالم أحيانًا ولكن من قال إن الكتابة متعة فقط وليست آلامًا وخيبات كثيرة.
ديكور ومطية
* هل خشيت أن تصنف الرواية كعمل تاريخي يعامل أكاديميًّا أكثر من كونه أدبيًّا بالدرجة الأولى؟
لا أبدًا. لأنها ليست الرواية التاريخية الأولى ولكنها أتت بعد استقرار تجربتي الجديدة في الرواية التاريخية التي بدأتها منذ ما لا يقل عن عشر سنوات، وأصدرت خلالها كتاب “الأمير”، و ”سوناتا لأشباح القدس” و “سراب الشرق” وأخيرًا “البيت الأندلسي”. أنا أقول دائمًا إن التاريخ هو مطية وقد يكون ديكورًا عامًا بلغة المسرحيين لا أكثر، ولكنه أيضًا، من الناحية الأدبية على الأقل، القناة التي من خلالها أبني هندسة الرواية ومعمارها، وأفهم صيرورة الحاضر من منطلق منجز الماضي سلبيًّا كان أو إيجابيًّا. ما يحدث لنا اليوم ليس حاضرًا نازلًا من السماء ولكنه حاضر صنعته أياد بشرية كثيرة تكاتفت لتنجزه على الشكل الذي نراه فيه. من هنا أقول إن ما يشغلني ليس الماضي لأن الماضي أنجز وانتهى ولكن الحاضر بكل ملابساته، التي نعيشها اليوم بقسوة. وفي “كتاب الأمير” حاولت أن أجيب عن سؤال فكرة حوار الأديان والحضاراتَ البشرية والتوافق وإيجاد الصيغ الممكنة التي تحفظ البشرية من الزوال أو تمدد في عمرها على عكس أطروحات هنتنجتون القاسية والمرتبطة بالمصلحة الأمريكية الضيقة. في “سوناتا لأشباح القدس” نبهت لوجود محرقة صامتة لا أحد يتحدث عنها أحد، هى محرقة الشعب الفلسطيني التي يجب أن تثار علنًا وأن يدافع عنها بقوة وبكل الوسائل الثقافية التي نملك. وهذا ما حاولته. نتحدث عن محرقة اليهود التي لا تشرف البشرية طبعًا وأوروبا تحديدًا لأنها هي من كان وراءها، في القرن العشرين يباد الإنسان علي أساس ديني وعرقي. أدين مثل هذه الممارسات البدائية بقوة ولكني لا أصاب بالعمى فيما يتعلق بفلسطين. هناك محرقة خفية تمارس ضد الشعب الفلسطيني الذي يموت كل يوم قليلًا بتواطؤ عربي وعالمي متجهين بهذا الشعب نحو مصير الهنود الحمر. شيء في داخلي يتحسس هذه المآلات الخطيرة ولهذا أرفضها قبل حدوثها. في رواية سراب الشرق الرواية الملحمية الطويلة حاولت أن أجد فيها إجابة صادقة روائيًا، عن حقيقة التمزق والجرح القوي والعميق الذي يعيشه الإنسان العربي. ما يحدث للعرب من صراعات حاضرة واختلالات بنيوية وتقاتل مصالح بين الإخوة، مرده اتفاقيات سايكس بيكو ونتائجها الدرامية التي مزقت الأرض الواحدة وأدخلتها في صراعات مدمرة وميئسة. وهي مشكلات مرتبطة بالحاضر وليست مشكلات ماضي فقط. وفي رواية البيت الأندلسي عالجت مشكلات الهوية القاسية كيف أننا نعيش يوميًا بهويات جريحة وهويات لم نعرف كيف نضطلع بها بقوة. هويات ممزقة هي السبب وراء حروبنا الحديثة والقريبة منا. أنظر مثلًا مشكلة العراق كيف أغرقت البلد في حرب داخلية على أساس ديني، ناهيك عن التدمير الأمريكي للنسيج الداخلي الذي كان يمسك الشعب العراقي. السودان الذاهبة نحو تمزق أكيد. الدول العربية الأخرى التي تنمو داخلها صراعات مذهبية وعرقية ولغوية إذا لم توجد لها الحلول الذكية الآن ستدمر كل شيء في طريقها، العراق والسودان مخابر أولية لما ينتظرنا في الأفق. هذا حاضر وليس ماضيًا.
روح رياضية
* شهدت قائمة البوكر هذا العام طفرات في التقسيم النوعي ومحتوى الأعمال هل تواصلت مع أي من الأعمال المرشحة.. وما رأيك فيها؟
للأسف لم أقرأها كلها ولكني قرأت بعضها. مستوياتها جيدة وتستحق المكان الذي توجد فيه الآن، طبعًا لا أعرف الأعمال المقصاة ومحتوياتها، لكن مهما كانت الأسباب، والرضى أو عدم الرضى، هناك لجنة تقرأ وتصنف وتغربل وهذا من وظيفتها التي عينت على أساسها، وعلينا أن نحترم جهدها حتى في عدم اتفاقنا معها نقبل بما تقوم به وإلا لا نترشح، لأن القراءة في نهاية المطاف محكومة بأذواق وثقافات وردود فعل مختلفة ولا يوجد نموذج قرائي ثابت ونهائي. قرأت رواية ميرال الطحاوي بروكلين هايتس، لأني أحب بروكلين ثم إني بنيت روايتي سراب الشرق في هذا الجزء الجنوبي من مدينة نيويورك. تتحدث رواية ميرال عن الهجرة الثقافية نحو أمريكا وهي نص غنائي ينشد الانعتاق في زمن ليس سهلًا. رواية بن سالم حميش جيدة وتستحق كل التقدير، وهو معروف عربيًّا ويشكل علامة مهمة في الرواية التاريخية على وجه الخصوص. نشتغل في نفس الحقل التاريخي الذي يشغلنا كل بطريقته، رواية الشاعر محمد الأشعري قرأت عنها بشكل إيجابي كثيرًا، لم يصلني النص للأسف بعد، ولكني متشوق لفعل ذلك، رواية الحايك ممتازة بصراحة وشجاعة في الكشف عن خفايا زمن نتجرعه يوميًّا بقسوة. نساء الريح للكاتبة الليبية رزان قرأتها وتستحق كل الاهتمام الذي يليق بها كتابة وموضوعًا، تتحدث عن موضوع حيوي ومهم جدًّا والمتعلق بالهجرة السرية النسائية. قرأت مؤخرًا رواية الكاتب الكبير خيري شلبي، كاتب وفيّ لموضوعاته المتجددة باستمرار والمرتبطة بالقاع الاجتماعي وصراعاته المدمرة. روايته إسطاسية تكشف النقاب عما ينمو في مصر وفي مجتمعاتنا العربية من صراعات دينية والرغبة الدائمة في الانتقام. ليست غسطاسية ارملة القديس جرجس غطاس إلا وجهها المكشوف. معجب بالنصوص التي ذكرتها لأني قرأتها ولا أستطيع أن أحكم على ما لم أقرأ، ولكني أفترض أنه ما دامت أختيرت في القائمة الطويلة لا بد أن تتوفر على حد معين من الجودة. مجرد انطباعات، ولكن في النهاية للجنة التحكيم السرية مقاييسها وأحكامها ونظامها الداخلي الذي تحكم من خلاله. من الجيد أنها سرية لأن هناك في الوطن العربي مشكلة كبيرة في فهم الجوائز. الجائزة هي ردة فعل قرائية من كتاب لا أكثر ولا أقل، وليست تقييمًا نهائيًّا للكاتب. وهذا يفيد الكتاب كثيرًا ودار النشر لأن النصوص في النهاية هي من خيارات الناشر وليس الكاتب. ولهذا يجب أخذ الأمور بالكثير من النسبية والروح الرياضية في الحالتين: الربح أو الخسارة. ثم إن الأبقى بالنسبة للكاتب نصه ونصه الثقافي الذي صنعه ويصنعه بهدوء. الكثير من الكتاب ظلوا كبارًا وعظماء بدون أن يحصلوا على أي جائزة في حياتهم أو مماتهم. يجب ألا نضخم المسألة ونعطيها أبعادًا كثيرًا لا تخدم لا الكاتب ولا الجائزة.
إنتاج رؤية مستقبلية
* يفترض من كتابة التاريخ أن تفسر الواقع وتسبر أغوار المستقبل فهل تحاول “البيت الأندلسي” تحليل المجتمع العربي ثقافيًّا لاكتشاف مستقبله؟
فهمي للتاريخ هو عودة للحاضر، لأنه بموصفاته الحالية لا يمكن أن ينشأ هكذا بشكل فجائي، إلا أن لو كان هناك مجموعة أخطاء تراكمت حتى أعطت هذا الناتج النهائي، وبالنظر إلى الجزائر الآن أكيد هناك وضع سياسي واجتماعي متغير، وما حدث في فترات من العنف هو ثمرة للحظة تاريخية، وشيء ما جاء من بعيد وتراكم حتى تجلي بشكل عيني وأتصور أن التوقع الثاني هو الأقرب، هذا المظهر تكون من شيء توالد سابقًا ولم نعرف كيف نحله في زمانه، ومع تراكم هذه القضايا كيف نخرج برؤية مستقبلية في ظل هذا الخراب، يحتاج هذا الأمر إلى تصور كبير وليس أديبًا، وهل نملك تصورًا ومجتمعًا مدنيًا قادرًا وهل يمكن للمجتمع الموجود حاليًا أن ينتج رؤية مستقبلية، لا أعلم؟!
ذاهبون إلى الحائط
* هل لمشهد النهاية في روايتك رؤية مستقبلية للواقع العربي والجزائري بشكل خاص؟
الرواية تنتهي بمشهد بيت يبنى بجوار “البيت الأندلسي” الذي يتحطم برغم من كل الحقب التاريخية التي مر بها من الأندلسيين والأتراك والفرنسيين أضافوا عليه والجزائريين للأسف ساعدوا في تهديمه ولم يحاولوا الحفاظ عليه، ولم تصنع كيانًا حضاريًا فكريًا يستوعب كل هذه التغييرات حتى ينشئ حوله رؤية مستقبلية، بعض النقاد قالوا لي لماذا التشاؤم وكأنك تقول إن الجزائر ستهدم، أو ستقضي نحو الحائط المسدود، أعتقد أن كل المجتمعات العربية ذاهبة إلى الحائط ولا ندري كيف تكون النهاية، الجميع يتحدث عن أن لديه أملًا، وحلولًا ولكني ليس لدي حل لهذه الرؤية وتوقفت عند أن هذا البيت الذي سينهار. وقبل أن ينهار البيت أسأل ألا يوجد حلول ولا توجد عبقرية خلاقة يمكن أن توفر حلولًا وأسئلة جديدة تفتح سبل الإجابة عليها؟ أنا لا أملك الجواب.
تقسيمات مسيئة
* وصول أربعة أعمال لأدباء المغرب العربي للقائمة الطويلة هل تعتقد انه إشارة إلى اتجاه الجائزة غربًا بعد أن استقرت لعامين في مصر وفي العام الثالث في الخليج؟
لا ليس المرة الأولى التي تصل فيها نصوص مغاربية إلي القائمة الطويلة، فقد وصلت في السنوات الماضية رواية بن سالم حميش إلى القائمة، ووصل إبراهيم الكوني أيضًا إلى نفس القائمة، وهما كاتبان مرسخان، ووصل الكاتب الجزائري الشاب قسيمي الذي كتب نصًّا جميلًا هذه السنة اسمه هلابيل، أقول نصًّا مميزًا لم يصل به إلى القائمة الطويلة. الإسهام المغاربي في مجال الرواية مهم جدًّا لأنه رافد من روافد الثقافة العربية الحديثة. أما ما عدا ذلك بصراحة لا أعرف ولا أريد أن أدخل في قراءات اللجنة وقراراتها، فلجنة التحكيم هي الأساس ولا أظن، في رأيي الخاص جدًّا، أن التقسيم الجغرافي مهم في مثل هذه الحالات. المفترض أن يكون النص الأدبي هو المقياس، وليس شيئًا آخر. الكلام نفسه يمكن أن يقال عن المرأة التي هي رافد ثقافي مهم وقد وصل عدد لا بأس به إلى القائمة الطويلة هذه السنة، وأعتقد أن اللجنة أوصلت هذه النصوص لقيمتها وليس لجنسها. التقسيمات الأدبية على أساس جنسي صعبة وغير مقبولة وهي مسيئة للمرأة لأنها منذ البداية تضعها في أفق الرحمة بها بينما هناك نصوص نسائية تستحق كل الاهتمام وممتازة ويمكنها أن تدخل السباق على هذا الأساس وليس لأنها نصوص نسائية وأن المرأة لم تفز بالجائزة حتى الآن؟
نوبل والعرب
*هل توجد جوائز خاصة بالأدب العربي تجعل العرب يتناسون حلم الوصول لنوبل لفترة.. خاصة أن هذه الجوائز تكاد تقترب من القيمة المعنوية لنوبل وتوازيها ماديًّا؟
المشكلة في الوطن العربي هي أننا لم نخلق إلى اليوم جائزة في قيمة نوبل من الناحية المعنوية وليس المادية. الجانب المادي مهم ولكنه ليس حاسمًا أي ليس كل شيء. نوبل قطعت هذه الخطوات لأنه كانت هناك استراتيجية ثم انفتحت عالميًّا ولم تبق منحصرة لغويًّا في سياق واحد. يمكننا طبعًا في الوطن العربي أن ننجز نموذجًا من الجوائز الذي يتخطى حدودنا ولكن يحتاج ذلك إلى ترسانة حقيقية من البشر والمراسلين والمكاتب العالمية، واستقلالية كاملة، ومن يريد اليوم أن يستثمر في نموذج من الجائزة بهذا الشكل. العرب من هذه الناحية مظلومون لأن نوبل تكاد تكون أوروبية ولم تخرج عن هذه الدائرة إلا نادرًا للحفاظ على بعض المصداقية الممكنة. كنت سعيدًا هذه السنة لأنه فاز بها “يوسا” لأنه يستحقها بامتياز بغض النظر عن جنسيته. أنا لا أنزعج بحكم متابعتي للحياة الثقافية والروائية العالمية، عندما تمنح لشخص يستحقها لأن الأهم في ذلك كله أن تذهب نحو مكانها الحقيقي بغض النظر عن البلد أو الجنسية. لكن يجب أن تكون رؤيتها أكثر اتساعًا وأكثر موضوعية. للعرب إمكانات ثقافية ومالية كبيرة ويستطيعون أن ينجزوا مشروعًا عالميًّا مثل هذا ويخرجوا قليلًا شيئًا فشيئًا من الدائرة العربية. ولكن هذا رهين الزمن والخيارات الثقافية وماذا نريد من وراء ذلك. أرى في الوقت الحالي دولتين قادرتين على هذه المغامرة الرائعة قطر والإمارات العربية. لكن تبقى في الوقت الحالي الجوائز العربية لها أهميتها وتسد نقصًا كبيرًا وتقدم الشيء الكثير للأدباء العرب مثل جائزة الشيخ زايد، وجائزة العويس وجائزة البوكر وجائزة الرواية العربية في مصر، كلها مهمة جدًّا لأنها في عالم يشكو من اختلالات ثقافية كبيرة، حضورها يفتح بعض الآمال للكتاب العرب.
عنصرية نوبل
* لكن هناك نقادًا أجانب مثل الأمريكي روجر آلن يرجعون إبعاد الأدباء العرب عن ترشيحات نوبل بسبب ضعف الترجمة إلى لغات أوروبية؟
لا أعتقد أن عامل الترجمة عاملًا حاسمًا ولو أنه إشكال حقيقي. أعتقد أن مراسلي جائزة نوبل غير متخصصين في الأدب العربي، في منطقة الشرق الأوسط، المغرب العربي، وغيرهما. ومن يتابع المنجزات الأدبية والروائية على مدار السنة يكتشف بشكل واضح هذه النقيصة. أعتقد أن الإشكال الكبير هو عامل التسويق، العرب لا يسوقون لثقافتهم كما يجب ولا يسهرون على ترجمة أعمالهم، لا توجد مؤسسة ترجمة عربية عالمية هدفها الأسمى توصيل النصوص العربية إلى العالم على الرغم من توفر المال والعقل الخلاق. هناك عامل آخر أخطر من ذلك كله مرتبط بصورة العربي اليوم في أوروبا ليست صورة مثالية من الناحية الإعلامية، فتم الابتعاد عن كل ما هو عربي وبشكل أوسع ما هو مسلم. الأسباب نعرفها جميعًا منذ أحداث 11 سبتمبر والنتيجة هي النفور وهذا يخدم بالضرورة كل الذين يروجون إعلاميًّا لترسيخ هذه الصورة عن العربي والمسلم، وهذا ينتقل بالضرورة إلى قراء الأعمال الأدبية العربية في نوبل وبالتالي نادرًا ما يتم التفكير في عربي. إذن المشكلة ليست لغوية ولكنها بنيوية في نظام وتفكير ما يحيط بجائزة نوبل. حتى ولو افترضنا أن نوبل خارج هذه الحسابات فهي مؤسسة أوروبية في وسط أوروبي له حساسياته المختلفة، وليس غريبًا أن يتصاعد الحس العنصري في السويد نفسها والدنمارك وسويسرا وغيرهما من الدول التي كانت تبدو بعيدة عن هذا المرض.
مشكلة مهينة
* هل من صلح في الأفق للمشكلة الكروية بين مصر والجزائر؟
مشكلة الكرة مشكلة مهينة لنا جميعًا، لأن انشغالاتنا المفترض أن تكون أكبر من ذلك. ولكننا لا نستطيع أن نخفي حالة الاحتقان التي أحدثتها. كان هناك كلام قاسٍ وغير مفيد بصراحة ومؤذٍ أحيانًا، ما يجمعنا كبير وانشغالاتنا السياسية والثقافية أكبر، إننا كعرب ننام على بركان من الانفجارات التي تلوح في الأفق وننسى ذلك كله ونذهب نحو الشتم وحرق الأعلام والإهانات التاريخية وسب الشهداء والتضخيم الإعلامي، كارثة بصراحة. هل تستحق مباراة كرة قدم فيها فائز ومنهزم كل هذا؟ بصراحة أشعر بالخجل أمام هذه الكارثة. أتمنى أن تصفي الأجواء بالخروج من دائرة هذا الضيق القاسي، والذهاب بعيدًا نحو طرح المشكلات الحقيقية التي تعاني منها مجتمعاتنا المتخلفة جدًّا، فنحن للأسف نعيش خارج العصر. انظر ماذا يحدث من حولنا من قضايا مصيرية؟ مشكلة السودان الذاهبة نحو انهيار حقيقي. مشكلة الماء المصيرية التي ستطرح على أمتنا ودولنا بحدة ويمكن أن يذهب ضحية لها الملايين من السكان. فما أطروحاتنا وتفكيرنا في مثل هذه الموضوعات؟ ما وسائلنا لفرض حلول أخرى غير ما يفرض علينا؟ هل الكرة مهمة أمام هذه المعضلات الحيوية بدون الحديث عن الحريات الديمقراطية في بلداننا التي هي في الدرجة الصفر؟ حالة بؤس سياسي وفكري معمم للأسف إلا ما ندر.
الرهان الحقيقي
* هل وجودك في الإسكندرية خطوة جيدة لإنهاء الأزمة؟
مجيئي إلى الإسكندرية أوقعني في مشكلات مع البعض، ولكنى شعرت في الوقت نفسه بمحبة عالية عند البعض الآخر في مصر والجزائر، وهي الرهان الحقيقي في هذه المعمعة، ويكفي الحوار المتبادل بين الحضور ولو حدث مثل هذا الحوار من البداية وجلسنا مع بعضنا وتحاورنا، لكان الصحافيون والمثقفون لعبوا دورًا في التهدئة.
مبادرة واعية
*هل وجود الطاهر وطّار كمحور رئيس في مؤتمر القاهرة للرواية محاولة مصرية لصلح ثقافي مع الجزائر؟
أعتقد أنه جاء من منطلق أن الطاهر وطار توفيّ وهو روائي عربي كبير وقد ترك ملامحه على الرواية العربية وسعدت أن المنظمين كانوا متنبهين لهذا المحور وأنا أشكرهم على هذه المبادرة الطيبة والواعية كثيرًا من الناحية الأدبية والإنسانية. أتمنى أن ينال وطار حقه من النقاش، فقد ترك إرثًا ثقافيًّا وأدبيًّا يستحق منا اليوم الاهتمام ووضعه في مساره الحقيقي لتوريثه للأجيال الصاعدة والجديدة ونقده خارج هالات التقديس التي كثيرًا ما يفرضها الفقدان والموت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.