بسبب الهجوم الروسي.. وزيرة ألمانية تحتمي بملجأ في كييف    لبنان: مقتل مسؤول لوجستي في "حزب الله" جراء ضربة إسرائيلية    المملكة وفرنسا ترسخان التعاون الثقافي    نظامنا الغذائي يقتل الأرض... اللحوم الحمراء أساس أزمة المناخ    الرياض تستضيف الجولة الختامية من بطولة "لونجين العالمية" لقفز الحواجز    القبض على 3 يمنيين في جازان لتهريبهم (80) كجم "قات"    رفع الجاهزية الوطنية لحماية الموائل الطبيعية    تعادل القادسية والأخدود سلبيًا في دوري روشن للمحترفين    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة الشباب وضمك في دوري روشن للمحترفين    هيئة البحرين للسياحة والمعارض تعلن تفاصيل موسم "أعياد البحرين 2025"    رصد مذنب «ليمون» في سماء القصيم    1371 حالة ضبط بالمنافذ الجمركية    العاصفة ميليسا تقترب من التحول إلى إعصار في الكاريبي    المرحلة الثانية من اتفاق غزة: تعقيدات التنفيذ بين الطموح السياسي والمعاناة    من الهلال إلى بنزيما: كم أنت كريم    أمير حائل يرعى حفل افتتاح ملتقى دراية    المسحل يلتقي بعثة الأخضر تحت (16) عامًا قبل المشاركة في بطولة غرب آسيا    رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    "تعليم جازان": تطبيق الدوام الشتوي في جميع المدارس بدءًا من يوم غدٍ الأحد    حرم سفير المملكة لدى فرنسا تقيم ندوة نسائية للتوعية بسرطان الثدي    ضبط 23 شخصا ساعدوا المخالفين    وفد غرفة جازان يزور شركة قوانغتشو يونكو للمعدات الذكية في الصين ويبحث توطين التصنيع الذكي في المملكة    ضبط مزرعة ماريجوانا بأحد المنازل في الكويت    «هيئة العناية بالحرمين» : 116 دقيقة مدة زمن العمرة خلال شهر ربيع الثاني    رئيس وزراء جمهورية الجبل الأسود يصل إلى الرياض    مقتل شخصين وإصابة 11 في إطلاق نار خلال حفلة بأمريكا    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هيفاء بنت تركي بن سعود الكبير آل سعود    ضبط 741 من الكدادة خلال أسبوع    تركي الفيصل يرعى مؤتمرًا دوليًا يناقش صحة الإنسان في الفضاء    116 مليار ريال مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي    مشاهير الإعلام الجديد وثقافة التفاهة    دوائر لمكافحة «الهياط الفاسد»    صفرنا الذي اخترعناه أم صفرنا الذي اخترناه    افتتاح النسخة الثالثة من مؤتمر جدة للصيدلة بمشاركة نخبة من الخبراء والممارسين    اتفاقيات وإطلاقات ملياريه في ملتقى "بيبان 2025"    الباحث السعودي د.الفريجي يفوز بالمركز الأول في جائزة الشارقة للأدب المكتبي    تجمع تبوك يصحح خطأً جراحيًا لمريض أجرى عملية تكميم خارج المملكة    احتفالية إعلامية مميزة لفريق "صدى جازان" وتكريم شركاء العطاء    «إرادة الدمام» يدشّن فعاليات اليوم العالمي للصحة النفسية بمشاركة واسعة في الخبر    جامعة الإمام عبدالرحمن توقع مذكرة تفاهم مع جمعية "اعتدال" لحفظ النعمة    دراسة: العمل في فترة النوبات الليلية قد يؤدي إلى الإصابة بالقولون العصبي    ثيو هيرنانديز سعيد بفوز الهلال في «كلاسيكو السعودية»    إيطاليا تحتكر نحو (70%) من إنتاج الاتحاد الأوروبي للمعكرونة    كونسيساو: ما حدث أمام الهلال لا يمكن تحمله    جمعية المانجو بجازان تؤكد دعمها للتنمية الزراعية المستدامة في ملتقى "جازان الخضراء"    نائب أمير نجران يُدشِّن الأسبوع العالمي لمكافحة العدوى    آل الشيخ: معرفة أسماء الله الحسنى تزيد الإيمان وتملأ القلب طمأنينة    السديس: أمتنا أحوج ما تكون لهدايات القرآن في زمن الفتن    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الأميرة هيفاء بنت تركي بن محمد بن سعود الكبير آل سعود    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان أهالي فرسان    أمير منطقة تبوك يواسي أسرة القايم    59.1% من سكان السعودية يمارسون النشاط البدني أسبوعيا    الأمين العام للأمم المتحدة يأمل أن تلتزم بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية    أكد رسوخ الوفاء والمبادرات الإنسانية.. محافظ الأحساء يكرم مواطناً تبرع بكليته لوالده    إسرائيل تحدد هوية رهينتين تسلمت جثتيهما    القيادة تعزي أمير الكويت في وفاة علي الصباح    أمر ملكي بتعيين الفوزان مفتياً عاماً للمملكة    معقم الأيدي «الإيثانول» يسبب السرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإصلاح بين الحقيقة والانتحال
نشر في المدينة يوم 14 - 05 - 2010


الإصلاح نقيض الإفساد، وأصلح الشيء بعد فساده أقامه، والإصلاح عمل الأنبياء والساعين في الأرض بالخير والفلاح، قال الله تعالى عن شعيب وهو يدعو قومه إلى الله تعالى: “إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت”. وقال الرجل الإسرائيلي لموسى عليه السلام لما رآه قتل نفسا وخشى منه أن يقتله: “إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين”، وقد مدح الله تعالى في كتابه من يقوم بالإصلاح بين المؤمنين، وهو نوعان: الإصلاح العام الذي يتناول الأمر الشامل للمسلمين، والإصلاح الخاص الذي يكون بين شخص وآخر أو فئة وأخرى، قال الله تعالى: “وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما... إلى قوله: “فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا”، وقال الله تعالى: “وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير”، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يذكر مناقب الحسن بن علي رضى الله تعالى عنهما: “إن ابني هذا سيد وسوف يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين”. والمصلح العام هو الذي يجدد ما اندرس من معالم الدين، ويسعى في إعادته كما كان غضا طريا، وقد عرف تاريخنا الإسلامي الكثير من المصلحين سواء كانوا يقومون بالإصلاح العام أو الإصلاح الخاص، فمن هؤلاء بل على رأسهم الحسن بن علي رضى الله تعالى عنهما، ومنهم عمر بن عبدالعزيز ومنهم الشافعي ومنهم ابن تيمية ومنهم محمد بن عبدالوهاب ومنهم ولي الله الدهلوي، وكثيرون غيرهم، وبالجملة فإن كل من يدخل في عداد المجددين فهو من المصلحين، ومنهجهم هو المنهج الإصلاحي، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما صلح عليه أولها، كما قال إمام دار الهجرة النبوية مالك بن أنس رحمه الله تعالى. لكن هذا اللفظ تعرض في العقود المتأخرة لعملية تحريف معنوي، حيث حاول فريق من المنتسبين للعلم بعد غلبة الكفار على بلاد المسلمين، ووقوع تلك البلاد في قبضة الاستعمار، أن يوجدوا نوعا من التقارب بين ما شرعه الله تعالى وبين ما هو قادم من الغرب، بحيث لا يكون هناك تصادم بين الاثنين، وذلك بذريعة الإصلاح أو التجديد، فكان سبيلهم في ذلك سبيل من ينظر إلى المنتج الفكري الغربي وكأنه القول الفصل المحكم، الذي ينبغي التعويل عليه، وتفهم في ضوئه المعارف الإسلامية، حتى يؤول منها ما لا يقبله ذلك الفكر البشري الغربي ليكون موافقا له ماشيا في ركابه، فموقفهم موقف المنهزم الذي كل همه الاعتذار والدفاع، لا موقف المتعالي المعتز بما عنده، ثم تطور الأمر بعد ذلك حيث استلبه طائفة من العلمانيين المغالين الذين هم أبعد ما يكونون عن الإصلاح، وجعلوه حكرا عليهم وعلى من هو على شاكلتهم. والإصلاحيون هنا فئتان: 1-إصلاحيون في المجال الديني: ويطلق على الذين يفسرون النصوص الشرعية لتكون الأحكام المستنبطة منها، وخاصة في التعامل مع الكفار توجد قدرا من الأرضية المشتركة، بزعم التسامح أو قبول الآخر واحترام عقائده، أو في التعامل مع المرأة بزعم تمكينها وإعطائها حقوقها، وهؤلاء يتعاملون مع النصوص الشرعية كما يتعاملون مع منتج فكري قابل للتطوير والتعديل. 2-وإصلاحيون في المجال السياسي: ويطلق على المعارضين لأنظمة حكمهم، انطلاقا من الدفاع عن حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني، ممن يقبل الأطروحات السياسية الغربية الديمقراطية، التي تعزل الدين عن التدخل والتأثير في الحياة، حيث تسير الأمور وفق منظور علماني. وقد ساعد على رواج ذلك كثير من وسائل الإعلام السائرة في فلك المنظومة الثقافية الغربية، حتى صار لفظ الإصلاحيين في كثير من المناسبات لا يطلق إلا على الليبراليين أو العصرانيين، وكل من هو خارج عن الإطار العام لثوابت هذه الأمة، فإذا وجدوا من هو لين أو متسيب في قضايا الولاء والبراء قالوا: هذا إصلاحي، وإذا وجدوا من هو مغرم بحضارة الغرب يدعو إلى الرجوع إليها والتمسك بها قالوا: هذا إصلاحي، ومن وجدوه في القضايا المتعلقة بالأحكام الشرعية للمرأة يوافق أجندة الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة قالوا: هذا إصلاحي. إن لفظ الإصلاح ينبغي أن يعود لأصحابه الأصليين الذين هم أحق الناس به، وهم المستمسكون بكتاب ربهم وسنة نبيهم، والممسكون بالكتاب، فهم الإصلاحيون على الحقيقة، قال الله تعالى: “والذين يُمَسّكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين”. والإصلاح له دوائر متعددة، على رأسها الإصلاح الديني، ثم الإصلاح السياسي، والإصلاح التعليمي، وغير ذلك من دوائر الإصلاح المتعددة، ولا شك أن الإصلاح الديني هو المقدم على ما عداه إذ هو بمكانة القلب للجسد، إذا صلح صلحت دوائر الإصلاح كلها، وإذا فسد فسدت دوائر الإصلاح كلها، لأن الإصلاح الدنيوي -رغم أهميته لرفاهية الحياة- إذا كان مبتوت الصلة بالدين، فهو إصلاح مادي يتعامل مع جسد الإنسان، ولا يصل إلى روحه التي لا قيمة للجسد إلا بها. لكن لا ينبغي أن نفترض حالة التعارض بين تفعيل دوائر الإصلاح المختلفة، بل من الممكن أن يسير الإصلاح في خطوط متوازية، خاصة إن كان الممسكون بزمام الأمور في بلد المسلمين هم من يقومون به، أو كانت تقوم به جماعة كبيرة لها امتداد كبير في المجالات المتعددة، لكن إن كان يقوم بالإصلاح فرد أو مجموعة من الأفراد أو جماعة محدودة؛ فالوجه في ذلك أن يفاضل بين دوائر الإصلاح فيقدم الأهم على المهم. وأيا ما كان من دوائر الإصلاح يعطى الأولوية، فإن في داخل كل دائرة أولويات خاصة بها، وهذه الأولويات مسألة تابعة لظروف الزمان والمكان والإمكانات والبيئة المحيطة، وليس هناك أولى من إصلاح العقائد إذا فسدت، وتعظيم قدر النصوص الشرعية عند المسلم والتعويل عليها في العقيدة والشريعة بلا استثناء، والرجوع إلى منهج السلف في التعامل معها، على أساس أنه المنهج الحقيق بالقبول والاتباع. وفي الجانب الآخر عندما ننظر إلى الإخفاقات في الجانب الدولي وتراجع مكانة الدول الإسلامية في ذلك المجال حتى صارت مناطق نفوذ يتنازع الطغاة الكبار على الانفراد باحتلالها أو احتكارها، ولعل السبب الأبرز في ذلك هو تغييب الشعوب عن القيام بأي دور فعال في سياسة أمور بلدهم، حتى صاروا بمكانة الأجراء، ولعل الإصلاح الأكبر والأهم والذي يمكن أن يترتب عليه كل إصلاح تالٍ في هذا المجال، هو إحياء ولاية أهل الحل والعقد فقها وواقعا لتمارس دورها المنشود. والمنهج الإصلاحي الحقيقي لا يهمل الأخذ بكل الوسائل والأساليب الشرعية التي يمكن من خلالها تحقيق الإصلاح، ولكن يجعل لكل وسيلة أو أسلوب مكانها أو الظرف المناسب لها، ولنا في منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في الإصلاح أسوة حسنة. • باحث شرعي بمجلة البيان

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.