«غرفة بيشة» تساهم في دعم حفل تكريم المشاركين في مبادرة أجاويد ٢    الأمير سعود بن نهار يرعى حفل اطلاق الاستراتيجية الجديدة لغرفة الطائف    المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا.. 50 عاماً من العطاء    "تعليم الطائف" يعتمد حركة النقل الداخلي للمعلمين والمعلمات    حملة مشتركة تسفر عن رفع ما يقارب الطنين من الخضروات والسلع المختلفة من الباعة الجائلين المخالفين بشرق الدمام    التطوع في منطقة الحدود الشمالية    البحث العلمي والإبتكار بالملتقى العلمي السنوي بجامعة عبدالرحمن بن فيصل    طالبتان من تعليم الطائف تحصدان الميدالية الذهبية والفضية على مستوى العالم    جامعة الملك فيصل تحصد الميدالية الذهبية عن اختراع جديد    من ينتشل هذا الإنسان من كل هذا البؤس    مجسم باب القصر يلفت انظار زوار وسط بريدة    الرئاسة العامة تشارك في ورشة عمل "الأثر المناخي في حج عام ١٤٤٥ه"    نعمة خفية    المربع الجديد: وجهة لمستقبل التنمية الحضرية بالسعودية    انجاز 40% من مشروع الربط الكهربائي بين السعودية ومصر    ضبط 16023 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    تن هاج : تركيزي منصب على آخر مباراتين لمانشستر يونايتد    قائد فذٌ و وطن عظيم    إندونيسيا: الكوادر الوطنية السعودية المشاركة في "طريق مكة" تعمل باحترافية    المشتبه به في الاعتداء على رئيس الوزراء السلوفاكي يمثل أمام المحكمة    مسؤولون إسرائيليون: مفاوضات الهدنة في طريق مسدود    المملكة رئيساً للمجلس التنفيذي ل "الألكسو" حتى 2026م    متحدث «الداخلية»: مبادرة «طريق مكة» توظف الذكاء الاصطناعي والتقنية لخدمة الحجاج    القاهرة : لاتراجع عن دعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    «الحج والعمرة»: لا تصاريح عمرة ابتداء من 16 ذو القعدة وحتى 20 ذو الحجة    سفارة المملكة في قرغيزستان تحذر المواطنين بأخذ الحيطة والحذر والابتعاد عن أماكن التجمعات    دراسة: الشركات الألمانية لا تسوق للسيارات الكهربائية بشكل جيد    توطين تقنية "الجينوم السعودي" ب 140 باحث سعودي    «المركزي الروسي» يرفع الدولار ويخفض اليورو واليوان أمام الروبل    سان جيرمان يسعى لفوز شرفي لتوديع مبابي    استمرار هطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    تيليس: ركلة جزاء الهلال مشكوك في صحتها    "تيك توك" تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    جيرارد: فخور بلاعبي الاتفاق    آلية الإبلاغ عن الاحتيال المالي عبر "أبشر"    "الذكاء" ينقل مبادرة طريق مكة إلى عالم الرقمية    نيفيز: الهلال لا يستسلم أبدًا    السمنة والسكر يزيدان اعتلال الصحة    مهارة اللغة الإنجليزية تزيد الرواتب 90 %    الهلال يتعادل مع النصر في الوقت القاتل في دوري روشن    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    رقم جديد للهلال بعد التعادل مع النصر    موعد والقناة الناقلة لمباراة الأهلي والترجي اليوم في نهائي دوري أبطال إفريقيا    مستقبلا.. البشر قد يدخلون في علاقات "عميقة" مع الروبوتات    العلماء يعثرون على الكوكب "المحروق"    «الدفاع المدني» محذراً: ابتعدوا عن أماكن تجمُّع السيول والمستنقعات المائية والأودية    الصين تستعرض جيش "الكلاب الآلية" القاتلة    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يحصد 27 جائزة في «آيسف 2024»    الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    طريقة عمل مافن كب البسبوسة    طريقة عمل زبدة القريدس بالأعشاب    طريقة عمل وربات البقلاوة بحشو الكريمة    ولي العهد في المنطقة الشرقية.. تلاحم بين القيادة والشعب    «تعليم جدة» يتوج الطلبة الفائزين والفائزات في مسابقة المهارات الثقافية    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    حراك شامل    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملك عبدالله شخصية شعبية بالدرجة الأولى يتلمس بعفويته مشكلات البسطاء
نشر في المدينة يوم 26 - 04 - 2010

لئن كان أقسى ما يرمى به المرء من تهمة هي «العمالة» فقد لحقت وصف به رئيس تحرير صحيفة «السياسة» الكويتية أحمد الجارالله، إذ أُتهم بالعمالة لصالح أمريكا وإسرائيل من قِبل إعلاميين وزعماء عرب ورؤساء دول جرّاء مواقفه، فهو يرى أن لا سبيل إلى التعامل مع إسرائيل إلا عبر نافذة «السلام»، ولهذا أعلن موقفه الداعم للرئيس الراحل السادات ومن بعده حسني مبارك.. تعرض لمحاولة اغتيال نجا منها في آخر الأمر بعد أن ظن مقترفو المحاولة موته في بيان أذيع في إذاعتي ليبيا وإيران.. موقفه من مجلس الأمة الكويتي يصل حد تشبيهه ب«محاكم التفتيش»، مشيرًا إلى أن الأقلية في الكويت تأخذ حقوق الأغلبية، وأن هناك 50 نائبًا تغوّلوا على صلاحيات السلطة التنفيذية وعطلّوا مشروعات التنمية لحوالى عشر سنوات، واصفًا الديمقراطية في الكويت بأنها ديمقراطية قبائل وطوائف وليست ديمقراطية ضمن فلسفتها.. وقف ضد سوريا بسبب هيمنة إيران عليها، منوّهًا إلى أنه ليس ضد الشعب الإيراني ولكن ضد المسار السياسي الذي تسير عليه القيادات الإيرانية ونظام الملالي.. حياة مثيرة عاشها الجارالله في بلاط صاحبة الجلالة.. تفاصيلها طي هذا الحوار: * لنبدأ من حوارك الأخير مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله.. ما قراءتك للحوار ومضامينه؟ سأكون صريحًا معك وبعيدًا عن المجاملة؛ للمرة الأولى في تاريخ دول الخليج نجد أن الملك عبدالله شخصية شعبيّة بالدرجة الأولى، وتكنّ له شعوب المنطقة نوعًا خاصًا من التقدير والود العميق. هذه لمستها بنفسي. لا أريد أن أتحدّث عن الشعب السعودي، ولكن الجميع يدرك ما يكنّه الشعب لهذا الرجل من ودٍ. الملك عبدالله يتحدّث بكلّ شفافيّة. عندما أقابله وأتحدّث معه سواء في حوارات صحفيّة أو في لقاءات أخرى أجده يتلمّس مشكلات الناس ومشاعرهم. لذلك دائمًا ما أكون سعيدًا جدًّا بالمناسبات التي تجمعني معه؛ لأنّه رجل شفّاف ويتحدّث بعفويّة، ولا يتأخّر في انتقاء مفردات الكلام الذي يريد أن يقوله، بل يتحدث بعفوية وطبيعية. توافق روحي * تميزت خلال تجربتك الصحفية بحواراتك التي أجريتها مع الملوك والرؤساء العرب وبالذات ملوك المملكة العربية السعودية.. إلى ماذا تعزو ذلك؟ هذه قيادات؛ ويقولون في الأدبيات العربية (السلطان البعيد عن السلطان). إذا لم تتعلّم كيف تتعامل مع هذه القيادة لن تتمكن من عمل شيء. لا بدّ أن يكون بينك وبين هذه القيادات نوع من التوافق الروحي والود والقبول بشكل عام. الحمد لله لم أقابل قائدًا إلا واستمر الود بيني وبينه واتصلت اللقاءات. وفي مرات إذا تأخّرت عنهم يسألون عني، وهذا يسعدني. بعض هؤلاء الزعماء على اتصالات هاتفية معي سواء كانت قيادات أجنبية أو عربية أو إسلامية أو خليجية. أسئلة ساخنة * متى بدأت هذه التجربة مع ملوك المملكة؟ أول حوار حقق لي شهرة كان مع الملك فيصل. وتكرّرت اللقاءات بيني وبينه، ولم تعد مجرد لقاءات صحفيّة بل كانت هناك رسائل يريد إيصالها للمنطقة. الحراك السياسي في ذلك الوقت كان كثيرًا، وكانت هناك المساجلات بين الملك فيصل والرئيس عبدالناصر؛ لذلك كان الحراك شديد الرياح، مع أو ضد. كانت هناك قضايا سياسية كثيرة تتصدّر ذلك الوقت ومنها الإيديولوجية الشيوعية والاشتراكية، كانت هناك أفكار كثيرة تبث في المنطقة بهدف اختراق عقيدة الناس الإسلاميّة، بعد الهزيمة قابلت جمال عبدالناصر، تغيّرت الأوضاع. لقاءاتي مع الرؤساء كانت تأخذ بعدًا صريحًا وتأخذ شكل المواجهة الشديدة، وتحوي أسئلة حرجة قد يتحاشى آخرون طرحها. الرئيس مبارك مثلًا سألته بعد اغتيال السادات: (لماذا لم يقتلوك أنت؟!). كذلك سألت الملك الحسن الثاني: (لماذا يُقبل الشعب المغربي يدك؟!). كذلك سألت الملك فيصل بعض الأسئلة الساخنة... تأكيد ونفي * كيف كانت ردودهم؟ بعضهم ربما كان يتمنّى أن تُطرح عليه هذه الأسئلة؛ لأنّه يحس أن هذه الأسئلة تدور في أذهان كثيرين من أبناء شعبه. مرة سألت الملك فهد -رحمه الله- والملك عبدالله قلت له أيضًا (الناس يتحدّثون عن خلافات أسريّة بخصوص الحكم) فأجابوني بأنّ هناك أشياء يريد الحكّام أن يسمعوها؛ لأنّهم يريدون إما تأكيدها أو نفيها. مقالات وضيعة * الجيل الجديد من الإعلاميين يريد أن يعيش تجربة المخاطرة التي عشتها مع الإمام البدر في معقله.. فكيف قمت بذلك؟ كنت مع الملك فيصل في جدة، وكان عبدالناصر يزوره؛ لأنّهم كانوا يريدون سحب الجيش المصري من اليمن بعد الهزيمة. كنت واقفًا بالقرب من الملك فيصل فقلت: يقولون إنّه قد أتاك خبر بمقتل الإمام البدر، مادام قد قتل فالمسارات تتغير. فقال لي: إنه لم يقتل. طلبت منه أن أراه فوافق. وبالفعل ذهبت إلى نجران وكان البدر موجودًا في بعض الجبال على الحدود السعودية. كان معي المصوّر وكان يلبس بنطلونًا، فاعتقد اليمنيون أنّه من المصريين، وكانت هناك كراهية من اليمنيين للجيش المصري فضربوه حتى أقنعتهم أنّه المصوّر العيسى. ذهبنا بالدواب حتّى وصلنا مقر البدر وقابلته وأجريت معه حوارًا. ومن ضمن المقابلات عندما تولى الملك فيصل سدّة الحكم سألته عن القرن الإفريقي وعلاقة مصر به. فقال لي: إنّ البحر الأحمر صار أحمرَ؛ لأنّ الشيوعية في كلّ مكان، مصر واليمن والحبشة وغيرها. كتبت المقال عن الشيوعيّة في منطقة القرن الإفريقي. بعد أن كتبت المقال عن الشيوعية في البحر الأحمر سألت الملك فيصل عن المقال وهل كتبت غير ما قاله؟ فأجابني بأنّه يوافق رأيه تمامًا. في ذلك اليوم أجريت معه حوارًا صحفيًّا واستمرت لقاءاتي مع ملوك المملكة العربيّة السعوديّة وملوك وأمراء الخليج. كما أني كنت أول صحفي يقابل السلطان قابوس بن سعيد عندما تولى الحكم. أنا أول صحافي على مستوى العالم يقابل قابوس. عندما دخلت إلى بيته وجدته متواضعًا وبدأ يحكي لي عن كلّ شيء. ليلة في السجن * بعض الإعلاميين وزعماء عرب ورؤساء دول يتهمونك بالعمالة لصالح أمريكا.. ويذهب البعض أبعد من ذلك بقولهم إنك خلال فترة تاريخية معينة كنت عميلًا إسرائيليًّا.. فما قولك؟ في مرة من المرات أعلنت من لبنان أنني ذاهب إلى القدس وإسرائيل. قامت عليَّ الدنيا واتهموني بأني عميل وهاجموني في الكويت في الصحافة والمجالس النيابية التي كانت موجودة في ذلك الوقت. كانت هناك فواتير سياسية ضدي من كثيرين وبالذات فلسطينيين خلال فترة معينة من الفترات بعد أن بدأنا نكتب ضدهم بعد الهزيمة. قامت الدنيا واتهمت بأني عميل إسرائيلي سبق أن زار إسرائيل وسكن بفندق الهيلتون. اعتقلت في النيابة بتهمة التخابر مع دولة عدوة وتم اعتقالي وقضيت ليلة بالسجن... حفظ القضية * في الكويت؟ نعم. تم حبسي؛ لأنّ من حقّقوا معي لمدة سبع ساعات لم يجدوا تهمة ضدي. أرادوا أن يتأكدوا من الداخلية عن سبب إحالتي إلى النيابة وما إذا كانت لهم مستندات ضدي. لم يجدوا في الداخلية من يحدثونه في ذلك اليوم فاقترحت عليهم أن أقضي ليلي في التوقيف. في الخامسة عصر اليوم التالي أطلقوا سراحي. أرسلت مصورين وكتب في صحيفة (القبض على أحمد الجارالله). أحد المحققين سألني: هل طلبت زيارة إسرائيل؟ فقلت له: هل هناك دولة اسمها إسرائيل؟ فقال لي: كيف؟ قلت له: إن العرب والمسلمين يقولون دولة إسرائيل المزعومة. هذه الأراضي التي بها إسرائيل مادامت محتلة فأنا أولى بزيارتها. قلت له إذا كانت تلك الأراضي المحتلة إسرائيلية فأنا متخابر معهم، وإذا كانت لنا فأنا ذاهب لدولة عربية. قلت له إنّني ذاهب إلى بلدي فلسطين. في اليوم التالي أفرجوا عني لعدم وجود تهمة. ظلوا يبحثون ضدي لأربعة أشهر وفي الآخر اضطروا لحفظ القضية لعدم وجود مستندات ضدي. ديمقراطية قبائل * نعود للشأن الداخلي في الكويت.. لم أنت في توتر مستمر مع مجلس الأمة حدّ وصفه بأنّه «محاكم تفتيش»؟ مازلت أعتقد أن المجلس أشبه بمحاكم التفتيش. عندما يختلف نائب مع وزير ويهدد الوزير بالاستجواب فإنّ الاستجواب عبارة عن تحقيق. الديمقراطية في الكويت ديمقراطية قبائل وطوائف وليست ديمقراطية ضمن فلسفتها. الديمقراطية هي العدل وهي حكم الأغلبية لحفظ حقوق الأقلية. وليست بالشكل الموجود. الآن في الكويت الأقلية تأخذ حقوق الأغلبية. هناك حوالى (50) نائبًا يثيرون هذه الأمور، ولم يبقَ لهم إلا أن يحكموا البلد. هذه الكتلة الصغيرة من النواب تغوّلوا على صلاحيات السلطة التنفيذية وشلّوها وعطلّوا مشروعات التنمية لحوالى عشر سنوات. الكويت التي كانت في المقدمة سابقًا من الناحية الحضارية والبنية التحتية صارت الآن في مؤخرة الدول الخليجية مقارنة بالسعودية والإمارات والبحرين وقطر التي عرفت كيف تستثمر أموالها. الله أنعم على الكويت بالمال لكنهم لم يعرفوا إلا كيفية تخزينه. صراع إرادات * هناك من يرى أن الكويت بعد الغزو لم تعد كما كانت عليه قبله في جوانب كثيرة.. فما تعليقك؟ هذا صحيح. الكويتيون مع الأسف حدث لهم إحباط، وهناك الآن صراع إرادات في السلطتين التنفيذية والتشريعية. منذ غزو الكويت وحتى الآن تم تشكيل مجلس الأمة عدة مرات، كما شهدت الفترة ذاتها تعيين عدد كبير من الحكومات. هذا كله صراع إرادات. هناك فترة سيطر فيها الإسلام السياسي على مجلس الأمة. الآن تراجعوا ولم يعودوا بنفس القوة السابقة. كنّا أمام صراع إرادات ونحن نحصد ما زرعناه. كل ما هناك أننا نسمع حديثًا دون أفعال وبلاغة في الكلام دون ترجمة للحديث على الأرض. بحث مبكر عن الشهرة * دخلت السياسة كرئيس تحرير والآن أنت صاحب السياسة ولست رئيسًا لتحريرها.. كيف حدث؟ كان حلمي الإعلامي يعشش في خيالي كأحمد الجارالله. وأنا طالب في المدرسة كنت أحلم بأن أصبح مشهورًا ونجمًا. هذه هي البداية. وجدت أن السبيل لأن أصبح مشهورًا يمر عبر العمل الإعلامي. كانت لي بدايات في كتابة القصة القصيرة والمقالات. عندما كنت في المدرسة كنّا في ذلك الوقت نكتب مقالات في الصحف اللبنانية ونحن لا نزال شبابًا. كنت رئيس تحرير صحيفة حائطية في المدرسة وكنت أشرف عليها من ناحيتي التحرير والإخراج. حتى العناوين كنت أضعها. كانت لدي موهبة ورغبة يغلّفها حماس معيّن ورغبة في أن أصبح مشهورًا. انخرطت في العمل الصحفي. كانت هناك صحيفتان في الكويت في ذلك الوقت هما الرأي العام وصحافة أخبار الكويت. الرأي العام كانت صحيفة يومية، أما أخبار الكويت فقد كانت ليبرالية. وجدت إعلانًا في الرأي العام لاستيعاب محررين كويتيين. كنت لا أزال طفلًا وذهبت للمؤسسة وقدّمت نفسي له. يبدو أن شكلي لم يعجبه أو لم يقتنع أنه يمكن أن تكون لدي موهبة. هو شخصيًّا لم تكن لديه القدرات التي تؤهله لأن يقيّم من يقف أمامه. هذه الحقيقة اكتشفتها لاحقًا. عرفت كذلك أنه ليس مهنيًا أو إعلاميًّا. قلت له: إنني على استعداد للعمل مجانًا لمدة ستة أشهر... مخاوف واحتكاكات * من هو هذا الشخص؟ عبدالعزيز المساعيد. قلت له: إنّني سأعمل بدون مقابل وإذا أقنعته فعليه أن يعينني فوافق. بدأت العمل معه وكنت مخبرًا محليًا. كنت أجلب أهم الأخبار التي في الصفحة الأولى وينزل معها اسمي. أحدثت ضجّة في الصحيفة وأخرجتها من النمط التقليدي إلى النمط الحديث. حدث بيني وبين أسرة التحرير احتكاكات كثيرة؛ لأنهم رأوا أن نجمي بدأ يصعد ويبدو أنهم أصابتهم مخاوف من ذلك القادم الجديد الذي يمكن أن يستحوذ على الصحيفة. خلاف من كذبة * هل أجريت حوارك مع الإمام البدر في تلك الفترة، لأنني سمعت أنك أجريت معه الحوار وأنت لم تزل في صحيفة الرأي العام؟ نعم. حدث نوع من الخلاف بيني وبينه بسبب كذبة أطلقها أحد أبنائه. بعد ذلك قررت أن أحدد ما إذا كان مستقبلي معه أو في مكان آخر. اكتشف في الآخر أنني ضحية لعبة مزيفة فجاءني في مكتبي وقال لي: إنه يريد أن نجري مقابلات صحفية. كان الملك فيصل قد استلم الحكم يومها، فذهبت وأجريت معه حوارًا صحفيًّا. بعد فترة أجريت حوارًا مع الإمام البدر. ارتفعت أسهمي إعلاميًّا وبدأ الحديث عني خارج نطاق الكويت سواء في السعودية أو لبنان أو مصر وبدأ الآخرون يتساءلون من هو أحمد الجارالله. في عام 1965م قررت أن أنتقل إلى مكان آخر. ذهبت واشتريت إحدى إصداراتهم وهي مجلة اسمها (دنيا العروبة) واشتريتها باسم شخص آخر هو وزير الدولة يومها الشيخ يوسف الرفاعي الذي كنا شركاء معًا. استمرت السياسة وبدأت تكبر. في البداية كانت هناك خسائر فخاف الرفاعي واشتريتها منه وحولّتها إلى صحيفة
يومية. نمت السياسة وتطورت. زبون المحاكم * هناك من يرى أن هناك تصادمًا بين اتجاه الوزير واتجاه أحمد الجارالله؟ الوزير كان اتجاهه إسلاميًّا، وكنت رئيس التحرير، ولم تكن له علاقة بالتحرير. كانت مخاوفه بسبب الأوضاع المالية؛ لأنّ الصحيفة كانت تخسر آنذاك. كنت أرى الوضع بصورة واضحة. بعد شهور قليلة بدأت أوضاع الصحيفة المالية تتحسّن. كانت الصحيفة أسبوعيّة في البداية وبعد أن اشتريتها تحوّلت إلى يوميّة فبدأت تنمو وبسرعة. أوجدنا قيمًا كثيرة مختلفة عمّا كان سائدًا في المنطقة سواء بسبب سقف الحرية المرتفع أو نوعية الطرح الإعلامي أو الطرح الصناعي أو التقنية المتبعة. كلّ هذه الأشياء كان لها أثر؛ فبدأ الناس يتفاعلون مع ما نقدمه. أذكر أنّه كان هناك نوع من الود بيننا وبين جريدة النهار، وكان غسان تويني يقابلني كل ما أذهب إلى لبنان. كان يقول: إنني سأكون ذا شأن مستقبلًا. ذات مرة وضعنا شعارًا بلون أزرق مشابه للون الديك الذي في صحيفة النهار، فقال لي (شو يا أخ أحمد تبغوا تقلدونا) فقلت له: ماذا نصنع فأنتم تريدون أن تقلدونا في وضعنا للديك، فقال لي: نحن فعلنا ذلك قبلك. قدّمنا صناعة صحفيّة مختلفة ومررنا في سبيل ذلك بكثير من الصعوبات والإيذاء والسجن وتوقيف الصحيفة والمظاهرات. ربما بلغ عدد القضايا التي رفعت على الصحيفة ألفي قضية وكانت قضايا كبيرة، ومررنا بقضايا أمن دولة وقضايا تخابر وغيرها. كنت زبونًا دائمًا للمحاكم. محاولة اغتيال * تعرضت لأكثر من محاولة اغتيال.. فكيف كانت ردود أفعالك حيالها؟ في عام 1985م كانت هناك محاولة اغتيال ورصاص. أصبت بست رصاصات دخلت في جسمي ولم أكن قادرًا على تحريك يدي، ونزفت دماءً كثيرة. أذكر ذلك جيدًا. ذهبت للمستشفى وشاء الله أن يكون يومها هناك أطباء متخصصون في العظام قادمون لزيارة أمير الكويت. كانوا حوالى عشرة أطباء مختصين في التخدير وغيرها. صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح -رحمة الله عليه- وقف معنا وأمر بأن يذهب هؤلاء الأطباء للمستشفى لمعاينة حالتي. كان الأطباء قادمين من أمريكا وغيرها وأجروا لي عملية استغرقت عشر ساعات. عندما خرجت من العملية طلب مني الأطباء أن أقوم بتحريك أصابعي فحركتها فاطمأنوا على نجاح العملية. كان هذا يعني أن العضلات والأعصاب بحالة جيدة. حتى الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- أرسل طائرة إخلاء طبي وعرضوا على أمير الكويت المساهمة في علاجي فطمأنهم أن الأمور بخير. أرسل الملك مندوبًا يومها هو ناصر الرشيد ومعه طائرة إخلاء طبي لتسفيري إلى أي بلد، لكن الأمر لم يحتج. أجريت لي أربع عمليات جراحية. بيان في ليبيا وإيران * هل مازلت تذكر عنوان «السياسة» الذي كتب في محاولة الاغتيال عام 1985م؟ لا أذكره. * ماذا كتبتم كرد على المحاولة؟ قلنا إن هذا غدر. وأنا في المستشفى صدر بيان من إحدى المنظمات قيل فيه إنه تم قتل العميل الصهيوني أحمد الجارالله وقد توفي وأذاعت البيان إذاعات ليبيا وإيران. قال البيان إنني كنت عميلًا وقد أُخذ مني الحق. بعد ذلك عرفوا أنني مازلت على قيد الحياة. بعد أن أخذوني بالسيارة شعر من أطلقوا النار أنني لم أمت. رميت نفسي ولم أكن أتحرك فجاء أحدهم ليتم قتلي ولكن رصاصه نفد. أطلقوا عليَّ 16 رصاصة. أغمضت عيوني تظاهرًا بأنني مت. عندما كانوا يحملوني للمستشفى طلبت من السائق ألا يتوقفوا عند إشارات المرور. لم أكن أحس بأي ألم. كانت عظام يدي مكسورة. عندما رأى القتلة أنني ركبت السيارة أدركوا أنني لم أمت فطاردوا السيارة يريدون أن يكملوا مهمتهم. لم تتوقف السيارة عند إشارات المرور. النجاة في إشارات المرور * هل ترى إنه لو توقفت السيارة كان في إمكانهم إكمال المهمة؟ بالضبط. لم يدر بخلدي أنهم سيلاحقونني. قال من حاولوا اغتيالي إنهم حاولوا إكمال مهمتهم، لكن السيارة التي كنت أركبها لم تتوقف عند الإشارات وهم خافوا أن تلحق بهم الشرطة. لذلك نجوت بهذا السبب. فكرة الاتحاد الخليجي * لم أنت بعيد عن الاتحادات الصحفية الخليجية والعربية وعن مناسباتها؟ بالعكس؛ فأنا من اقترح فكرة إنشاء الاتحاد الخليجي واجتماعات الجمعية الخليجية. في البداية كانت الجمعية غير عامة وبدأ السعوديون يدخلون، وأنا من اقترح تكوين الاتحاد. هذا مدوّن في أحد محاضر الاجتماعات. كانت الاجتماعات دوريّة وكنّا نكتفي فيها بالتعرّف على بعضنا البعض والسلام والمجاملة، فاقترحت تكوين الاتحاد، ويومها اقترحت على وزير الإعلام البحريني أن يكون مقرّ الاتحاد في البحرين. في ذلك اليوم أجريت الانتخابات ولم أرشّح نفسي واقترحوا الأخ تركي السديري. مع مصر.. ضد سوريا وإيران * لك موقفان من الأنظمة العربية والشعوب.. ما نراه في مصر من نقد ذاتي نراه نقدًا للنظام في سوريا، فما السبب؟ أرى أن مصر دولة مهمة على المستوى العربي. مهمة كذلك على المستوى الدولي. السادات هو الذي قرع الجرس وأنا أيدته يومها وترحّم عليه الشعب العربي في ما بعد. بعد ذلك جاء حسني مبارك متعه الله بالصحة والعافية. أن يحافظ مبارك على هذه الاتفاقات على الرغم من التطبيل الإعلامي الذي كان يصف السادات بأنه رجل عميل، واعتقد البعض أن مبارك سيقوم بفسخ هذه الاتفاقات بين مصر وإسرائيل. لو كانت تلك الاتفاقية فسخت فكانت المشكلة ستكون أكثر تعقيدًا مما هي عليه الآن. إسرائيل لا يمكن معها إلا السلام وهذا ما انطلق منه الرئيس الراحل محمد أنور السادات رحمه الله. في مصر هامش الحرية مرتفع، وهذا أطلقه السادات في الأصل وحافظ عليه وزاد من مساحته مبارك. في هذا الجو تجد طرحًا مختلفًا خصوصًا على نحو ما يطالب به الإخوان الذين يطالبون بالتغيير لمجرد التغيير. على أي أساس يكون التغيير؟ من هو الكفء في مصر الآن ليتولى هذا الإرث؟ مصر لها إرث سياسي مهم وكبير. لا بد أن يكون البديل كوكتيلًا معتقًا من الخبرات حتى يحافظ على الرتم الذي تسير عليه مصر حاليًا. هناك من يرون أن مصر متدنية اقتصاديًّا وأن الشعوب مرهقة ماديًا لكني أرى أن الرتم في مصر متحسن حتى على المستوى الاقتصادي. أقف مع النظام الذي يحافظ على استقرار بلد مثل مصر. أما سورية فقد وقفت ضدها؛ لأني أحسست بأنها مخترقة إيرانيًا. شخصيًا أرى إيران مزعجة بالنسبة لي كعربي ومسارها مزعج. لست ضد الشعب الإيراني ولكني ضد المسار السياسي الذي تسير عليه القيادات الإيرانية ونظام الملالي. مثلما أنا ضد التطرف الديني كرجل سلمي وضد المتطرفين فأنا ضدهم. لذلك لا أريد أن أرى سورية في يوم من الأيام في هذا الوضع ودائرة في الفلك الإيراني. عندما تلغي سورية تأشيرة الدخول بينها وبين إيران ألا يعتبر ذلك ضدنا كعرب؟ هناك آلاف الإيرانيين في سورية. البضائع الإيرانية والفكر الإيراني موجود في سورية بما فيه الفكر الذي يحمله المتطرفون في إيران. مخرجات مريحة * مادمنا في المسار الإيراني.. كيف ترى الوضع السياسي الراهن في العراق؟ مخرجات الانتخابات الأخيرة مريحة وهذا دليل على أن الأغلبية في العراق محبّة للعراق، وولاؤها للبلد وليس للمذهب. هناك أغلبية شيعية ولاؤها وطني لبلادهم وللعراق. هذا ما نريد أن نراه في المذاهب الأخرى مثل السنة. حتى الإخوة المسيحيين نتمنى أن تكون محبة لوطنها. للأسف قبل الانتخابات كان هناك نفوذ إيراني وكانت هناك أجندات أخرى داخل العراق. وهذا ما تسبب في عدم الاستقرار في العراق وكلنا رأينا المذابح الرهيبة التي تمت. بعد أن جاء الأمريكان وأسقطوا نظام صدام حسين وأعطوا العراق الحرية والديمقراطية التي مازال يتداولها. حدث صراع على السلطة. هذا الصراع وراءه أجندات من هنا ومن هناك. أجندات عربية وأخرى إيرانية وأخرى عربية إيرانية مثل سورية. أكبر من الوزير * أحمد الجارالله اسم رائد وبارز ومؤسس في إعلامنا الخليجي.. ألم تعرض عليك حقيبة وزارية حتى ولو كانت وزارة الإعلام؟ هذا الأمر لا يمكن أن يكون. أنا أكبر من وزير. منصبي كذلك. على الأقل لا يقلقني ما في ذهني وأقوم فورًا بطرحه وتسطيره على الورق. غيري قد لا يستطيع ذلك؛ لأنه ليس من هذه المهنة. ربما يكون لدى البعض قلق ولا يستطيع التعبير عنه. هذا غير موجود لدي. لا أحتاج إلى نفوذ ولدي من النفوذ السياسي والاجتماعي والمالي ما يكفيني ولا أحتاج لأن أكون وزيرًا. * تعد من الإعلاميين الأثرياء.. كيف كبر أحمدالجارالله؟ عندما دخلت إلى المجال الإعلامي كنت أرى الإخوان في الصحف العربية وكيف كانوا منقادين لمن يدفع لهم. لا أقول الكل ولكن أقول البعض. كانت هذه المسألة تقلقني كثيرًا. قبل أن أقوم بتأسيس صحيفة السياسة أسست أعمالًا تجارية وبدأت العمل التجاري. سرت في هذا الطريق. النفوذ الإعلامي يسير في خط متوازٍ مع العمل التجاري. كإعلامي تتاح لي فرص قد لا تتاح لغيري. معرفتي المسبقة بالعمل التجاري ساعدتني. قد يقول البعض: إنني قمت باستغلال مكانتي وأقول نعم. لماذا أكذب؟ أنا رجل إعلامي والفرص التجارية والسياسية مكشوفة أمامي. أنا لست من منظومة الدولة. أنا مجرد فرد ومن حقي أن أعمل ما أراه داخل المسار القانوني. حملات غير مؤثرة * كيف ترى الحملات السياسية على المنطقة العربية والمملكة وبصورة خاصة حملات الإعلام الأجنبي؟ هذه حملات غير مؤثرة. من الذي يمكن أن يسمع لسعد الفقيه؟ لا أحد يسمعه؟ من يدخل إلى هذه المواقع غير المؤثرة؟ هذه مثل المضادات الحيوية وإذا حقنت بها الجسد كثيرًا لن تجدي علاجًا. هامش الحرية * تنتقد كثيرًا الإخوان المسلمين وهم كذلك ينتقدونك؟ أنتقد كل من يستغل الدين لمصالح خاصة وكل من يقوم باستغلال النفوذ الديني للإضرار بالناس. هذه الفتاة التي في تبوك ألا ينتقد من أضر بها؟ لا أنتقد الأسوياء أو الذين يتحدثون بالحسنى، «ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك». هامش الحرية لديكم في المملكة مرتفع والحمد لله وهذا شيء طيب. * لماذا أغلق مكتب صحيفة السياسة في المملكة؟ المكتب أغلق في جدة وهو موجود في الرياض وبه زملاء جيدون. هروب من ليبيا * كلمة أخيرة؟ بعد الملك فيصل -رحمه الله- كنا مع الملك خالد -رحمه الله- وكان يرتاح للأطروحات التي نقدمها وخصوصًا ما يختص بدول مجلس التعاون الخليجي وكان دائمًا يستفسر عن الكويت ويقول: إنهم أهله. أذكر أنه اتصل مرة على الوزير محمد عبده يماني وسأله عني فقال له: إنني في الكويت، فطلب أن أحضر معهم في جنيف فذهبت وبقيت معهم مدة. كان مدعوًا لزيارة القذافي في ليبيا وطلب مني أن أذهب معهم. في الموعد المحدد لم أذهب؛ لأني لم أكن راغبًا في الذهاب إلى ليبيا؛ لأني كنت أهاجمهم كثيرًا وخصوصًا القذافي. عندما رجع استقبلته في المطار فقال لي: هربت؟ قلت له: إنني لم أهرب واعتذرت له.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.