أن يحب أحد الفلسطينيين المملكة العربية السعودية فهذا أمر طبيعي، لكن عندما يرتبط هذا الحب بقصة إنقاذ حياته بعد أن كان بين الحياة والموت؛ فإن كل كلمات العالم لا تستطيع أن تعبر عن مقداره، إنها قصة عشرات الفلسطينيين من سكان قطاع غزة الذين تلقوا العلاج في المملكة بعد أن أصيبوا خلال الحرب الأخيرة، فكانت مكرمة خادم الحرمين بعلاجهم في المملكة بلسما ضمد جروحا ما كانت لتلتئم. خضر العبسي واحد من هؤلاء استقبلنا في غرفة صغيرة تتوسط منزله المتواضع في مدينة رفح، بين يديه جلست طفلته الرضيعة عزيزة التي رزق بها قبل شهرين، وعندما بكت حملها واقفا وهو يبتسم، فقبل أن يعالج في المملكة كان الأطباء في غزة قد قرروا أن يبتروا ساقه اليمنى، وهو الآن يقف عليها بعد أن شفيت تماما. بداية الحكاية يرويها خضر ل“المدينة” قائلًا: «لم يكن قد مضى على زواجي سوى أسبوعين عندما سقطت ستة صواريخ متتالية على مكان عملي أطلقتها طائرات حربية إسرائيلية وهو ما حوّل المكان إلى كومة من الأنقاض والأشلاء والشظايا، استشهد من استشهد، وكنت أنا الناجي الوحيد بعد أن أصبت بعدة شظايا في مناطق مختلفة من جسدي، أخطرها تلك التي أصابت قدمي». العبسي الذي نقل على عجل إلى مستشفى محلي صغير في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، ومنه إلى مستشفى أكبر في مدينة خانيونس المجاورة، أجريت له عدة جراحات، لاستخراج الشظايا ووقف نزيف حاد كان يعاني منه، إلا أن حالته الصحية كانت لا تزال خطرة، خاصة قدمه اليمنى، التي قرر الأطباء بترها. خبر السفر إلى المملكة العربية السعودية للعلاج، كان بمكانة الأمل الذي أشرق أمام العبسي، ولم يصدق نفسه وهو يُحمل على عجل في إحدى سيارات الإسعاف وسط القصف وويلات الحرب لينقل على عجل إلى معبر رفح، ومنه إلى الأراضي المصرية، حيث خضع لعلاج أولي في أحد المشافي، قبل أن ينقل وعدد من الجرحى بواسطة طائرة إلى السعودية. يقول خضر: «مع كل دقيقة لي في أرض المملكة كان الأمل بإمكانية أن أعود إلى غزة واقفًا على قدمي يزداد، فما أن دخلت مستشفى الملك خالد، حتى كان بانتظاري طاقم من أفضل وأكفأ الأطباء في مختلف التخصصات، حيث قاموا بإجراء فحوصات شاملة واكتشفوا وجود إصابة في عظمة الترقوة، وأخرى في لوح الكتف الأيسر، وجرح ثالث ملتهب في قدمي اليمنى، أدى إلى الضغط على الأعصاب، مما أدى إلى صعوبة في حركتها، وتقرر إدخالي غرفة العمليات بسرعة، وأجريت لي جراحة في الساق، لإنقاذها من البتر وهو ما تحقق بالفعل». الطفلة جميلة الهباش 16عامًا والتي لطالما حلمت بأن تصبح صحفية ناجحة ومشهورة، كان لها هي الأخرى قصة مع العلاج في المملكة العربية السعودية بعد أن أصيبت بجراح بالغة أدت إلى بتر كلا ساقيها ،عندما سقط صاروخ إسرائيلي حين كانت تلعب مع بنات عمها على سطح منزلهن المتواضع، غير أن المملكة السعودية أعادت لها الأمل. تقول جميلة ل“المدينة”: «الأيام الأولى للإصابة كانت قاسية جدا؛ ففي لحظات معدودة تحولت إلى فتاة لا تستطيع أن تتحرك إلا بمساعدة الأخرين بعد أن كنت أملأ الدنيا حركة ونشاط، ولم يتغير الحال إلا عندما علمت أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله شاهد صوري على التلفاز، وطلب نقلي وابن عمي إلى السعودية للعلاج هناك على نفقته الخاصة، عندها تفجر الأمل من جديد في داخلي، خاصة أن الأطباء أخبروني بمدى التقدم والتطور الطبي في السعودية، حيث سأتمكن من تركيب أطراف صناعية هناك، وأعود إلى المشي مجددا». وتضيف جميلة: «نقلت على عجل إلى معبر رفح، ومن ثم توجهت إلى السعودية بواسطة طائرة خاصة، وفي المطار استقبلت بحفاوة، ونقلت إلى مستشفى الملك فهد، وهناك عدت للحياة، وعاد الأمل إلي من جديد، قضيت نحو ستة أشهر في السعودية، حظيت خلالها بأفضل وأرقى رعاية صحية وطبية، وأجريت لي العديد من العمليات الجراحية الناجحة، في الساقين، وفي العين والأذن، اللتين كانتا تعانيان من مشاكل جمة، بسبب انفجار الصاروخ واللهب الحارق الصادر منه وتوجت هذه الجهود الطبية بتركيب أطراف صناعية لي، ولابن عمي”. وأشارت جميلة إلى أنها بدأت تحقق بالفعل جزءًا من حلمها بالعمل في مهنة الصحافة؛ فهي تعمل الآن مع مجلة بريطانية، وتنشر مقالات وتقارير، كما أنها انضمت لمؤسسات ومنظمات حقوقية وأهلية، وتشارك في فعاليات حول حقوق الطفل.