الشهر المقبل.. انطلاق ماراثون الشرقية الدولي (27) في الخبر بمشاركة أكثر من 10 آلاف متسابق    اقتصاد المعرفة.. نفط القرن الحادي والعشرين    جامعة الملك سعود تنظم فعالية اليوم العالمي للطلبة الدوليين    مقتل فتاة بهجوم روسي في شرق أوكرانيا    نائب أمير مكة يترأس الاجتماع الأول لمجلس نظارة وقف الملك عبدالعزيز للعين العزيزية    استمرار برنامج "سُمو" الموجَّه لنزلاء دار الملاحظة    بيئه عسير توصيات تخدم صيادي مركز القحمة    دولة فلسطين ترحب بالقرار الأممي بشأن غزة    مركز الملك سلمان للإغاثة يشارك بالمعرض المصاحب لملتقى التسامح 2025م    محافظ جدة وأمراء يواسون أسرة بن لادن في فقيدتهم سحر    رفع الشكر والتقدير للقيادة.. الحقيل: 161 مليار ريال صفقات أولية في سيتي سكيب    من واشنطن وقلب البيت الأبيض.. محمد بن سلمان.. يرسم خارطة السياسة الدولية    «التحالف الإسلامي» يطلق برنامجاً لمحاربة تمويل الإرهاب بالنيجر    تعاون سعودي- أوزبكي لتطوير العمل النيابي    ولي العهد يبدأ زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة.. تعزيز الشراكة بين الرياض وواشنطن بمختلف المجالات    في ثاني ودياته استعداداً لكأس العرب.. الأخضر يواجه نظيره الجزائري على استاد الفيصل    بعد خروجه من حسابات كونسيساو.. الاتحاد ينوي إعارة «سيميتش» في الشتوية    مباريات حاسمة في تصفيات كأس آسيا 2027    العقل والآلة    طالب بدعم الأبحاث العلمية.. الشورى يوافق على نظام براءات الاختراع    «الزائر الغامض» يقترب من الأرض    مدينة أمريكية تتيح سداد المخالفات بمواد غذائية    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. هيئة التخصصات الصحية تحتفي بتخريج (12.591) خريجًا وخريجة في ديسمبر المقبل    شيرين رضا تنضم إلى فريق «وننسى اللي كان»    إثراء يعيد رسم المشهد الإبداعي بالسعودية    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    الزهري الخلقي في أمريكا    إحباط تهريب 70 كلغ من «القات»    التجار النجديون في البحرين    العيش بدهشة مرتين    بحيرة طمية    الجوال يتصدر مسببات حوادث المرور في الباحة    «التخصصي» يعيد بناء شريان أورطي بطُعم من «قلب البقر»    الضمير الأخلاقي أهم مهارات المعالج النفسي    السعودية تعيد كتابة فصول مواجهة السكري    القادسية يتوّج بطلاً للشرقية في الجودو لفئة الكبار ب 18 ميدالية    ماسك يتحدى أفضل الجراحين البشر    أكاديمية وزارة الداخلية لأمن الحدود تقيم دورة مدربي "الفلاي بورد    أمانة الشرقية توقع عقود استثمارية وتنموية ومذكرات تفاهم بتكلفة 5 مليارات ريال    «الإعلام» تودع «أيام الثقافة المصرية» بحضور كبير..    حياتنا صنيعة أفكارنا    أمير القصيم: محافظة عيون الجواء تشهد نموًا متسارعًا في كافة القطاعات    ورحل صاحب صنائع المعروف    المفتي يستقبل وزير الحج والعمرة    المرأة روح المجتمع ونبضه    بنزيما: سعيد مع الاتحاد.. والدوري السعودي ينمو بسرعة لا تُصدّق    رينارد: أفتخر بتدريب «الأخضر» وسالم نموذج رائع    الاتحاد يفتح مدرجاته للأعضاء المميزين    أوكرانيا تطلب 30 ألف نظام روبوتي أرضي لمحاربة روسيا    فيصل بن بندر يطَّلع على تقرير «غرفة الرياض».. ويعزي الشثري    أمير المنطقة الشرقية يرعى انطلاق مؤتمر ومعرض التوحد الدولي الثاني    بلدية مركز قوز الجعافرة تقدّم حزمة من الخدمات استعدادًا لموسم شتاء جازان    برعاية سمو محافظ الطائف افتتاح متنزه الطائف الوطني وإطلاق 12 كائنًا فطريًّا    عدد من القيادات الحكومية يقدمون التعازي باستشهاد العمور    التسامح.. سكينة تزهر في القلب وتشرق على الملامح    التعاون مع رجال الأمن في الحرم ضرورة    في ملتقى نظمه مركز الملك عبدالعزيز.. نائب وزير الخارجية: المملكة تدعم الجهود الأممية لترسيخ الحوار    مختصون يحذرون من خطر مقاومة المضادات الحيوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجال في دوامة حب مي زيادة (1)
نشر في المدينة يوم 13 - 04 - 2017

* مصطفى صادق الرافعي.. يأسٌ بدأ لغةً وانتهَى سخريةً..
في ظرف وجيز، أصبحت مي -على الرَّغم منها- محطَّ أنظار الجميع، ليس فقط لذكائها، ولكن أيضًا لكونها امرأةً. فقد تحوَّلت إلى أداة للكشف عن الخواء الروحي عند جيل من الحداثيين بكامله. فقد مسَّ حضورُها مجموعةً كبيرةً من كتَّاب العصر، الذين ارتبطوا بصالونها الثقافيِّ. حتَّى أنَّ الكثيرَ منهم نسجوا قصصًا مع مي كما اشتهوها. أكثر هؤلاء حدَّةً، مصطفى صادق الرافعي. علاقته بمي غريبة جدًّا، وإشكاليَّة إلى حدٍّ بعيدٍ. فقد تخطَّى حدود المعقول؛ ليجدَ نفسه في دائرة قاربت الجنون. لم تكن العلاقة بينه وبين مي وهميَّةً فقط، لكنَّها كانت مستحيلةً أيضًا. لم يكن متعفِّفًا، ولا صوفيًّا، ولا عقلانيًّا -كما يُوصف عادةً- لكنَّهُ كان متعلِّقًا بشيءٍ افترضه حقيقةً، ثمَّ صدَّقه. حالة تخطَّت الإعجاب؛ لتصبحَ ضربًا من الجنون؛ لأنَّها كانت حبًّا من طرفٍ واحدٍ. أشكُّ كثيرًا في كون حبِّ الرافعي لمي كان فقط محرِّضًا جماليًّا. الحيثياتُ الواضحةُ تثبتُ عكسَ ذلك. الرجلُ كان متزوِّجًا. ويُقال إنَّ زوجتَه كانت تعرفُ بهذا الجنون اللغويِّ، الذي لا أعتقدُ أنَّها قبلت به. لا امرأة عاقلة تأذن لزوجها بحبِّ امرأةٍ أخرى، وتستمتع بقراءةِ كتاباتِهِ لها، التي وصلت حدَّ الهوسِ. الرجلُ أُصيبَ بحالةٍ حوَّلت مي إلى أيقونةٍ خاصَّةٍ به. من هنا تحتاج حالة الرافعي إلى تحليلٍ نفسيٍّ حقيقيٍّ. فهو تعبيرٌ عن حالة حبٍّ يائسةٍ عوَّضتها اللغة. كتبُه الثلاثة: «حديث القمر»، و»رسائل الأحزان»، و»السحاب الأحمر» التي كتبها بسرعةٍ برقيَّةٍ، جاءت كحالةٍ تنفيسيَّةٍ؛ خوفًا من انفجارٍ كان يرتسمُ في الأفق. يصرِّحُ الرافعيُّ أنَّه كَتب «رسائل الأحزان» في نيفٍ وعشرين يومًا، وكتبَ «حديث القمر» في أربعين، وكتبَ «السحاب» في شهرين. كان قد ألحقها بكتابٍ آخرَ هو: «أوراق الورد». من العناوين، والمادَّة النصيَّة يمكننا أنْ نتصوَّرَ مقدارَ الشعلة الحارقة واليائسة التي كانت فيه، حتَّى ولو تخفَّى من حين لآخر بشخصيَّة ماري يني، صاحبة مجلَّة ينيرفا، التي عرفها قبل تعرُّفه على مي، في الاحتفال التأبيني لفرح أنطون، وكان معجبًا بها. هذا التخفِّي كان يساعده أمام معارفه، وزوجته لإخفاء براكينه الداخليَّة. هذه الحالة أوصلته إلى مرضٍ حقيقيٍّ كما يسرُّ إلى صديقه محفوظ أبو رية، في 8 ديسمبر1924، أنَّ مرضَهُ سوريٌّ، ويقصدُ بذلك مي، حتَّى ولو تستَّر وراء ماري يني اللبنانيَّة. هذا الخنقُ لمي جعلها تنتفضُ، فاشتكى أمرَه لأبي رية في 22 فبراير1925م، أنَّ كتاب «السحاب الأحمر» قد أغضب الآنسة غضبًا شديدًا.
لم يتوقَّف عند هذا الحدِّ، فقد ظلَّ الرافعيُّ يحلمُ بإنهاء كتاب «الشيطانة»، الذي أتعبه كثيرًا. يؤكِّد أبو رية -نقلاً عن الرافعيِّ- أنَّ «الشيطانة» ليست إلاَّ مي. على الرغم من جهود الإخفاء وراء نساء أخريات، إلاَّ أنَّ سرَّه انكشف بسرعة، بين كلِّ المقرَّبين من حوله. أعتقدُ أنَّ حالة الوهم استفحلت معه؛ لدرجة أنَّه أصبح يكتبُ لنفسه رسائل، وكأنَّ مي هي مَن بعثها له. نجدُ هذا في «أوراق الورد»، التي يزعمُ فيها الرافعيُّ أنَّها جوابٌ من مي، على رسالة بعثها إليها بعنوان «أمَّا قبل». لكنَّ الحبَّ المستحيلَ كثيرًا ما ينتهي إلى الموت، أو الكراهية. في أواخر حياتها، عندما مرضت، ولم ينل منها أية التفاتة خاصَّة، بدأ ينمِّم عليها بشكلٍ انتقاميٍّ. في فصل: وهم الجمال، بعد مرضها، أصبح ينعتها بالمرأةِ العجوز والمريضة. يؤيِّد ذلك ما رواه العريان في 1935م حينما أراد الرافعيُّ زيارةَ مي، وكانت -يومئذٍ- في نحو الخمسين، لكنَّه غيَّر رأيه في ليلةٍ واحدةٍ، ولم يزرها، واكتفى بالقول: بحسبي أنَّها في نفسي.
يثبتُ التاريخُ -اليومَ- أنَّه لم تكن هناك أيَّة علاقة بين الرافعيِّ، ومي زيادة. ولا حتَّى أي استلطاف -كما يرى أنيس منصور-. يؤكِّد أنَّ الرافعيَّ ذهب بعيدًا في أوهامه؛ لدرجة أنَّه تخيَّل الاتِّصالات والرسائل المتبادلة. من هذه الأوهام العشقيَّة جاءت كتب: «السحاب الأحمر»، و«أوراق الورد»، و«رسائل الأحزان». يضيف أنيس منصور: إنَّه حينما سألها بعضُ المقرَّبين عن هذه العلاقة، نفت أن يكونَ بينها وبين الرافعيِّ أيّ تواصل خاص. فالرجل ينظر، ولا يسمع ما تقوله في معظم الأحيان. فسمعه ثقيل. لدرجة أنَّها بعثت له تطلب منه أن يكفَّ عن الإساءة لها أمام أصدقائها. قبل أن ينهي حياته معاديًا لها، واصفًا إيَّاها بالعجوز المريضة، في وقت كانت في أمسِّ الحاجة -على الأقل- لأصدقائها المقرَّبين من روَّاد صالونها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.