المعافا يقدّم التعازي لأسرتي العر والبوري في القمري    "السعودي الألماني الصحية" تستعرض شراكاتها وإنجازاتها الريادية في "ملتقى الصحة العالمي 2025"    اكتشاف يفسر لغز المطر الشمسي    كأس الملك .. الأهلي يتغلب على الباطن بثلاثية ويتأهل لربع النهائي    إسرائيل بين تحولات الجنوب وتصاعد التوترات مع لبنان    النفط يتراجع مع خطط أوبك لزيادة الإنتاج    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرعى حفل افتتاح بطولة العالم لرياضة الإطفاء والإنقاذ ومئوية الدفاع المدني    الخليج يكسب التعاون ويتأهل لربع نهائي كأس الملك    مشروعات الطرق بمكة.. كفاءة الحركة وسلامة التنقل    نائب أمير مكة يتسلم تقريرًا عن استحداث تخصصات تطبيقية بجامعة جدة    ولي العهد يلتقي رئيس وزراء باكستان    نائب رئيس الجمهورية التركية يصل إلى الرياض    الأميرة نجود بنت هذلول تتابع تطوير أعمال تنظيم وتمكين الباعة الجائلين بالشرقية    برعاية محافظ الطائف "إبداع 2026 يفتح آفاق الابتكار العلمي أمام الموهوبين    الأمير تركي بن طلال يزور جناح جامعة جازان في ملتقى التميّز المؤسسي    "التخصصي" يوقّع أربع اتفاقيات لتعزيز الوصول إلى الرعاية الصحية التخصصية    عملية جراحية ناجحه للإ علامي أحمد دبيش    المعهد العقاري السعودي يوقّع عددًا من اتفاقيات التعاون    السعودية: مواقفنا راسخة وثابتة تجاه فلسطين وشعبها    وزير الصحة يزور ركن تجمع الرياض الصحي الأول ويطّلع على أبرز مبادراته في ملتقى الصحة العالمي 2025    الجلاجل يطلق مركز القيادة والتحكم الأول من نوعه بالعالم لمتابعة حالات السكري    القيادة تعزّي ملك مملكة تايلند في وفاة والدته الملكة سيريكيت    الكاراتيه ينهي بطولته المفتوحة    رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية يغادر المدينة المنورة    الشورى يقر توصيات لتدريب وتأهيل القاصرين لاستثمار أموالهم بفاعلية    نائب أمير الشرقية يطّلع على جهود جمعية "انتماء وطني"    الاحتلال الاسرائيلي يعتقل 20 فلسطينياً    القيادة تهنئ الحاكم العام لسانت فنسنت وجزر الغرينادين بذكرى استقلال بلادها    الموارد البشرية والتجارة تعلنان توطين 44 مهنة محاسبية جديدة في القطاع الخاص    أكثر من 11.7 مليون عمرة خلال ربيع الآخر    تحت رعاية خادم الحرمين.. انطلاق النسخة ال9 من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار بالرياض    لأن النفس تستحق الحياة".. جمعية "لهم" تُطلق فعالية توعوية مؤثرة في متوسطة 86 عن الصحة النفسية والإدمان    أوكرانيا تستهدف موسكو بعشرات الطائرات المسيرة    لبناء القدرات وتبادل الخبرات وزارة الدفاع توقّع مذكرات تعاون مع 10 جامعات    إنطلاق الملتقى العلمي الخامس تحت عنوان "تهامة عسير في التاريخ والآثار "بمحايل عسير    إنستغرام يطلق «سجل المشاهدة» لمقاطع ريلز    في انطلاق دور ال 16 لكأس الملك.. الأهلي والتعاون في ضيافة الباطن والخليج    إسرائيل تحدد القوات غير المرغوب بها في غزة    قيمة الدعابة في الإدارة    2000 زائر يومياً لمنتدى الأفلام السعودي    الصحن الذي تكثر عليه الملاعق    إثراء تجارب رواد الأعمال    أثنى على جهود آل الشيخ.. المفتي: الملك وولي العهد يدعمان جهاز الإفتاء    تركي يدفع 240 دولاراً لإعالة قطتي طليقته    المعجب: القيادة حريصة على تطوير البيئة التشريعية    الدروس الخصوصية.. مهنة بلا نظام    «التعليم»: لا تقليص للإدارات التعليمية    هيئة «الشورى» تحيل تقارير أداء جهات حكومية للمجلس    علماء يطورون علاجاً للصلع في 20 يوماً    480 ألف مستفيد من التطوع الصحي في الشرقية    كلية الدكتور سليمان الحبيب للمعرفة توقع اتفاقيات تعاون مع جامعتىّ Rutgers و Michigan الأمريكيتين في مجال التمريض    رصد سديم "الجبار" في سماء رفحاء بمنظر فلكي بديع    غوتيريش يرحب بالإعلان المشترك بين كمبوديا وتايلند    8 حصص للفنون المسرحية    المعجب يشكر القيادة لتشكيل مجلس النيابة العامة    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنفيذ البرنامج التثقيفي لمنسوبي المساجد في المنطقة ومحافظاتها    116 دقيقة متوسط زمن العمرة في ربيع الآخر    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هيفاء بنت تركي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. حسن بن فهد الهويمل
ابن شداد وتنازع الرمز والواقع والأسطورة..! 3-3
نشر في الجزيرة يوم 03 - 11 - 2009

وحين نقول بتقحم الأسطوريين لعالم عنترة، نجد أن القصاص وصناع السير الشعبية قد أوغلوا في الخرافة واضطروا إلى الانتحال، ولقد أذلّ المحققون بخبرتهم بالشعر الجاهلي وراهنوا على قدرتهم على كشف الزيوف،..
غير أن الدارسين للأبعاد الدلالية في الشعر الجاهلي عامة وفي شعر عنترة على وجه الخصوص لا يشقون على أنفسهم في التمحيص وقد لا يميلون مع الخبيرين بنكهة الشعر الجاهلي لحاجتهم الماسة إلى شواهد تستجيب لرغبتهم في اتساع مجالات الدلالة في الشعر الجاهلي، وفي شعر عنترة بالذات يتجلى ذلك بوضوح في كتاب (الجانب الخلقي في الشعر الجاهلي) وكتاب (ملامح الفكر الديني في الشعر الجاهلي) وفي كتاب (شعراء النصرانية في الجاهلية) وفي كتاب (القيم الخلقية في شعر عنترة بن شداد العبسي) إذ بعض ما ينسب لعنترة لا يقوله إلا شاعر إسلامي قوي الإيمان، وهذه المسحة الإيمانية التفصيلية في إيمانها فتحت شهية الشكوكيين أمثال (طه حسين) ومن اعتمد المنهج (الديكارتي) واستثمر مخلفات الاستشراق كما هي عند (مرجليوت).
ولسنا بصدد البحث في معضلات (الانتحال) وتفرق النقد في شأنه والقدر المقبول فيه، وتبادل الاتهامات بين أطرافه واستعراض الكتب التي نسلت من عباءته، فذلك مجال مترامي الأطراف والخوض فيه يفوّت علينا ما أردنا تحريره وتأصيله. ولاسيما أن الشاعر حقيقة تاريخية وشعره حقيقة أدبية. وما نحل من شعر وهو أضعاف ما أثر عنه يعرفه النقاد الذين تمرّسوا في الشعر الجاهلي، ووقفوا على سماته وخصائصه، وفي بحث (عنترة بين الخيال والحقيقة) من كتاب (عنترة بن شداد العبسي) للدكتور فوزي أمين نفي لكل الشعر الذي تبدو فيه ملامح الانتحال، مما يحمل سمة الدين الخالص واللغة اللينة والمدينة المتحضرة، فالشاعر جاهلي لا بد أن تؤطره لغة الشعر الجاهلي وبناء القصيدة الجاهلية ومظاهر الحياة الجاهلية والذين فرغوا لدراسة الشعر الجاهلي عرفوا مواصفات القصيدة، من حيث البناء والشكل والدلالة، وهم قد تقصوا ما فيها من اغتراب وتوحش وتصحر، والناحلون لا يستطيعون تقمص الشخصية الجاهلية، فإذا تمدين الشعر أو تدين أو لانت حواشيه أصبح مثار شك مشروع، وتلك الملامح المناقضة للحياة الجاهلية حملت (طه حسين) على أن يكتب مقالاً حوارياً سوفسطائياً مملاً، وينشره قبل سبعين سنة ونيف في (جريدة الجهاد) منكراً فيه الكثير مما قيل عن عنترة ليضمه فيما بعد إلى كتابه (حديث الأربعاء).
ونحن إذ نتفق على أن عنترة بن شداد حقيقة تاريخية امتاز بالفروسية والعشق وكان من أغرِبة العرب الذين بطأ بهم سوادهم وحال بينهم وبين ما يشتهون فإننا لا نمضي لأكثر من هذا، ولا نقبل المبالغة التي توسل بها القصاص وكتاب السير الشعبية حين اتخذوا منه أسطورة في البطولة وفي علاقات الحب مع (عبلة) التي ما برحت تسيطر على مشاعره، ولأنه عاش في ربوع القصيم، وذكر بعض أوديتها وشعابها وجبالها ومرابعها كان لزاماً علينا أن نتحرى الحقائق التاريخية، بحيث نستنقذه من خرافات السير الشعبية ومن الشكوكيين الذين يكادون ينكرون وجوده التاريخي كما أنكروا غيره، وكما أنكروا شطراً مهماً من الشعر الجاهلي، ولقد لمست مداخل لمثل هؤلاء حين كتبت عن (حاتم الطائي) فالذين بالغوا في شأنه جعلوه مشروع تساؤل وارتياب، وعنترة عاش في الجاهلية وأبلى بلاء ملحوظاً في حرب (داحس والغبراء) ولم يتفق المؤرخون على فترة زمانية عاشها، ولكنهم يكادون يتفقون على أن مولده يقع بين عام 515م وعام 525م، لأن (داحس والغبراء) بدأت عام 545م كما اتفقوا على أنه (عبسي) يسكن بلاد القصيم، وفي معجم ما استعجم ل(البكري) أن مساكن قبيلته بين (أبنانين) و(النقرة) و(ماوان) و(الربذة) غير أن التحقيق الدقيق أشار إلى أن تحديده تقريبي، وليس دقيقاً، وأن أدق تحديد وأوفاه ما ذكره العلامة (محمد بن ناصر العبودي) في معجمه المجلد الأول ص128، وعلى أية حال فالخلاف لا يخرجه من (عبس) قبيلة، ولا من (القصيم) مسكناً، ولكنه يختلف حول تحديد إقامته، والمتداول شعبياً أنه من محافظة (عيون الجواء) وأن أمه من مركز (قصيبا) وهي بلدة منخفضة وذات سباخ ومياه ونخيل، ولقد اعتاد الخلفاء والكبراء والأثرياء جلب الزنوج من أفريقيا للعمل في الزراعة، كما هو في (البصرة) و(بيشة) ومناطق أخرى اشتهرت بزراعة النخيل، وأبوه (شداد) ربما أنه تسرّى أمه (زبيبة) على عادة الكبرا، الذين يملكون الإماء، فولدت له (عنترة) فكان ما كان من أمره الذي أغرق في الأسطرة والخرافة، وإذ يكون من أغربة العرب الذين تجاوزوا العشرين فإن حيواتهم لم تغرق في الأسطرة ولا في الخرافة مثلما عرض له، وقد لا يحمل شعره كل الخصائص التي حملها شعر أمثاله من الشعراء السود، إذ إن بعضهم وقع في المملكة، ومن سماتها نبذ القبيلة والتشرد و(عنترة) يكاد يكون متصالحاً مع قبيلته، ولم يكن متشرداً، والذين كتبوا عن خصائص شعر الشعراء السود لم ينظروا إلى مصالحته وبعده عن روح الصعلكة.
وبمراجعة كتاب (الشعراء السود وخصائصهم في الشعر العربي) للدكتور (عبده بدوي) وكتاب (شعر الصعاليك منهجه وخصائصه) للدكتور (عبدالحليم حفني) نجد أن هناك تفاوتاً في تحديد الخصائص بين الشعراء السود والشعراء الصعاليك، ولكن لم تكن هناك دقة في التفريق بين الشعراء السود الذين لم يتصعلكوا، أمثال (عنترة) والشعراء المتصعلكين أمثال (سيليك بن السلكة). والغريب أن المتوقع أسطرة حياة السود المتصعلكين، غير أن الأسطرة اقتحمت حياة (عنترة) لعدة أسباب، لعل من أهمها: أنه عاش حرب (داحس والغبراء) وشارك فيها، وأنه كان على مستوى مشرِّف من البطولة والشعر والحب العذري، وأنه لقي تحدياً من محبوبته ومن أبيه، وقد قاوم هذا التحدي بالقول وبالفعل، وأثبت أهليته التي سلبها قومه، وهذا الصراع مع العادات السائدة أغرى القصاص والمذكرين وكتاب السير الشعبية وأمدَّهم بالأساطير والخرافات، وكاد يقضي على الشخصية التاريخية وما كان لنا أن ننكر حق أولئك في إشباع نهم المتلقي، متى كان في الشخصية المستثمرة متسع للترميز والأسطرة والخرافة، ولكننا مع هذا نحاول تخليص الوقوعات الحقيقية والشعر الحقيقي. وتقصي ذلك قد يند بنا عما نريد ولاسيما أن الذين عالجوا الشعر الجاهلي ومحصوه أدركوا الجانب المنحول من شعره معتمدين على مقاييس لغوية ودلالية، كالحس الإسلامي والفخر القبلي، ومناقضة المؤشرات الاجتماعية للحياة الجاهلية. وعنترة المحب والشاعر والمنبوذ والفارس قابل لأن يكون بطلاً أسطورياً يشبع نهم الدهماء وفضولهم، ولكن العالم والأديب والمؤرخ لا يمضي مع أولئك وإن استعذب مبالغتهم، وبخاصة حين تكون السيرة مغرقة في الخيال والأسطورة. ولهذا حضرت شخصيته على كل المستويات الشعرية والمسرحية والسينمائية والفن التشكيلي وأصبح قناعاً ورمزاً لا يكاد يند عن أي شاعر أو مسرحي أو ممثل وهذا الحضور الملّح لم يصنعه شعره وحده ولا سيرته النثرية وحدها، وإنما صنعته الجاذبية الشخصية المتوفرة على كل دواعي الإثارة.
وعنترة بهذه المؤهلات من الشخصيات التي يتنازعها الخيال والواقع، والمتابع للحقب التاريخية يجد القصاص والرواة يضيفون من الأحداث المتعلقة بالحب والفروسية ما يحلو لهم ثم يضطرهم ذلك إلى تأييد الأحداث بالشعر فلا يدون بأساً من أن ينحلوه من المقطعات والقصائد ما يختلف في مضامينه ولغته عن شعره الحقيقي.
حتى لقد يكون من الصعوبة بمكان تخليص شخصيته وشعره مما علق بها من خرافات لا يمكن توقعها، واستعراض ديوانه الشعري الذي جمع من السير وكتب التاريخ الأدبي ك(الأغاني)، و(طبقات فحول الشعراء)، و(الشعر والشعراء) يؤدي إلى اختلاط المنحول بصحيح النسبة، كما أدى إلى اضطراب لحمة الشعر ومستوياته.
والنقاد المجيدون يميزون ذلك، ومن ثم نفوا عن شعره ما ثبت لهم أنه ليس منه، ولكن السير الشعبية المليئة بالمنحول والأساطير هي الأكثر سيرورة وسيطرة على المشاهد.
ومعتصر المختصر أن الشاعر وتراثه سيظلان إشكالية قائمة، والدخول في عوالمه من رياضة الأفكار ولكنها لن تغير من الأمر شيئاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.