1568 مرشحاً يتنافسون على 140 مقعداً.. انطلاق الانتخابات البرلمانية في المحافظات السورية    نماء الأهلية تحتفي باليوم الوطني    بهدف تطوير ورفع كفاءة منظومة العمل بالعاصمة.. إطلاق برنامج «تحول الرياض البلدي»    «سكوتر» الدوريات يلفت الأنظار بمعرض الصقور    مخالفو الصيد في قبضة الأمن البيئي    120.9 مليار ريال تسوق أغسطس    غوتيريش: الفرصة سانحة لوضع حد للمأساة الإنسانية في غزة.. ترحيب دولي واسع بموافقة حماس على خطة ترمب    أكد أن مشروعه يركز على إعادة البناء.. رئيس الوزراء اللبناني: درء الفتنة يبدأ بتطبيق القانون والمساواة أمام الدولة    رئيس إنستغرام ينفي التجسس على«الهواتف»    الأخضر يكثف تحضيراته لمواجهة نظيره الإندونيسي    إنزاغي والهلال.. حين يتحول النقد إلى سطحية    صدارة ميلان في اختبار يوفنتوس    الدوسري يحتفل بزواج جمعان    مجاهد يستقبل نهى    والدة الشنقيطي في ذمة الله    ركن لمنتقيات الصحف الورقية ب«كتاب الرياض»    منى هلا تنضم إلى فريق «بطل العالم»    الجاسر يشارك في الغردقة السينمائي    وزير الأوقاف السوري يزور مجمع طباعة المصحف    افتتاح مقبرة فرعونية بعد 226 عاما    غفوة سائق تقتل 4 ركاب    تحديث أنظمة Windows 11    شكرا إنزاغي.. الهلال لا يصلح لك    منع سلاف فواخرجي يجدد الجدل    شاهين فرخ    إعادة تصميم وخياطة البخنق الحساوي يدويا    العنقري يشارك في اجتماع مجلس إدارة المعهد الدولي للمراجعين الداخليين في السلفادور    خطيب المسجد الحرام: تجديد الإيمان يزكّي النفوس    توابل شهيرة تقلل فعالية الأدوية    ابن عيّاف يطلق برنامج «تحوّل الرياض البلدي»    عبدالعزيز بن سعود: معرض الصقور منصة عالمية لصون الموروث    جمعية أدبي الطائف تعرض إصداراتها في "كتاب الرياض"    من ذكريات معارض الكتاب    السعودية ومشاعر البهجة    الرائد والطائي في مواجهة مثيرة.. العروبة يستدرج الجبيل.. جدة يلاقي الأنوار    الأخضر يرفع استعداده لمواجهة إندونيسيا في ملحق المونديال    أمير القصيم يتفقد مستشفى الملك سلمان    "التخصصي" المدينة ينجح في زراعة الخلايا الجذعية    أنت الأفضل    القبض على (3) إثيوبيين لتهريبهم (280) كجم "قات" في جازان    وزير الأوقاف السوري ينوه بجهود المملكة في خدمة القرآن الكريم    5 أيام للاحتفاء بالمعلم في المدارس    نتنياهو: سنستعيد كل الرهائن وسنبقى في عمق غزة    ترحيل 11544 مخالفا خلال أسبوع    بلدية ضرية تحتفي باليوم الوطني 95 بفعاليات وطنية منوعة    419 شخصا الحصيلة الأسبوعية لمخالفي نشاط نقل الركاب    تدشين مشروع بصيرة ب 150 عملية مياه بيضاء في صبيا    900 شركة ناشئة من 70 دولة حول العالم في بيبان 2025    معرض الدفاع العالمي 2026: نحو تكامل دفاعي تقوده الخبرة والشراكات النوعية    العمل رسالة وأمانة    ابدأ يومك بهذه الكلمات    قواعد بسيطة تحمي قلبك    اللجنة المنظمة لدورة ألعاب التضامن الإسلامي – الرياض 2025 تطلق شعار "أمة واحدة"    اختتام دورة المدربين لكرة القدم المصغرة بالمنطقة الشرقية وسط حضور لافت    377 ألف مولود سعودي في عام        ملتقى الصم الصحي": مشاركة واسعة وجهود تكاملية لخدمة فئة الصم    معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025 يقدّم "السفاري"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسطنبول.. مدينة آسيوية أوروبية.. إسلامية علمانية
نشر في الجزيرة يوم 28 - 08 - 2008

بأجنحة بيضاء لا تعرف الكلل، ترفرف طيور النورس.. تلاحق العبارة الضخمة وهي تنزلق فوق مياه البوسفور.. تتلقف في الهواء بمناقيرها قطع الخبز أو البسكويت، التي يرمي بها الركاب القادمون من كل حدب وصوب إلى إسطنبول، حيث تبدو عليهم الفتنة بسحر المكان.. ويزيد رذاذ الماء وهو يتطاير على الوجوه في رفق ساحر، المشهد روعة وجمالا..
إنك هنا في إسطنبول حيث الخضرة والفخامة والوجوه الحسان، تُرى حيثما وليت وجهك. من أي موقع في هذه المدينة المبهرة تشاهد المآذن الشاهقة، والمساجد البديعة، بقبابها الرائعة، التي تنافس على بنائها عظماء السلاطين العثمانيين على امتداد قرون. وحين يؤذن للصلاة تصمت المدينة إجلالا لذي العزة والجلال، ولا يعلو فوق التكبير والتهليل والتحميد صوت.
مدينة على قارتين
إسطنبول مدينة المآثر والتاريخ الضارب بجذوره في عمق الزمن، ولكن التاريخ ليس وحده ما ميز المكان.. فالجغرافيا جادت عليها بكرم هائل قل له النظير.. فعلى قارتين تمتد إسطنبول.. وبين ثقافتين ونمطي حياة يتوزع أهلها. إنها مدينة تتربع على برزخ فاصل واصل بين آسيا وأوروبا، ومن ثقافتي القارتين معا ينهل أهلها.. كانت تسمى (إسلامبول) أي مدينة الإسلام، ثم صارت تسمى اليوم إسطنبول، ومع الدولة التركية الحديثة هُجرت كعاصمة لتحتل أنقرة مكانتها السياسية، دون أن تبلغ مستوى ما تتمتع به من رمزية وثقة وشموخ..
آيا صوفيا واحد من معالم المدينة الشهيرة.. كان كنيسة ثم صار مسجدا، ومع الدولة التركية الحديثة أضحى متحفا. لكن آيا صوفيا ليس الآية الوحيدة في قلب المدينة الأشهر في تركيا.. فالجامع الأزرق، أو جامع السلطان أحمد، ذي الصوامع المبهرة يجاور آيا صوفيا، ويقف في وجهها شامخا متحديا، باعتباره معلما خالصا للإسلام.. كذلك جامع السليمانية الذي بناه المعماري الأشهر في العهد العثماني سنان.. وحول المهندس سنان تنتشر قصص كثيرة بين الأتراك هي للأسطورة أقرب منها للحقيقة والواقع.
يمكن تعريف إسطنبول بوصفها مدينة المساجد.. ففي المدينة أكثر من 2500 مسجدا، من أحجام مختلفة. وتتميز المساجد السلطانية بتعدد مآذنها، فكلما كان للمسجد مئذنتان أو أكثر كان مسجدا سلطانيا. أما المساجد التي يقيمها الأهالي أو الأثرياء من الناس فهي ذات مئذنة واحدة. وترى في بعض المساجد، كمسجد السلطان أحمد ست مآذن، ترتفع عاليا في السماء.
مدينة واحدة وثقافتان
لكنه على الرغم من كثرة المساجد في المدينة، فإن ثمانين عاما من عمر الدولة التركية العلمانية قد ترك بصمات ثقافية واضحة لا تخطئها عين. وبذلك بات أهل إسطنبول مثل مدينتهم، يعيشون موزعين روحيا وثقافيا بين آسيا وأوروبا.. شكل الملابس ينبئك بأن الطريقة الأوروبية في اللبس هي الغالبة. لكن الحجاب يسجل حضوره في الشارع الإسطنبولي بشكل لا لبس فيه. في بعض شوارع المدينة تشعر وكأنك في باريس أو لندن أو أي مدينة أوروبية أخرى، حيث من المعتاد أن ترى شابا يقبّل صديقته أو حبيبته على مرأى من الناس ومسمع. أما إذا دخلت مسجدا، فتشعر أنك في مدينة آسيوية أو إفريقية، وكأنك في دمشق أو القاهرة أو الرياض أو مراكش.. حيث الشباب أكثر المصلين، وحيث تسجل اللغة العربية حضورا بارزا من خلال آيات الذكر الحكيم وتراتيل الابتهالات وألوان الأدعية.
معالم عثمانية عريقة
معالم إسطنبول السياحية يعود معظمها إلى العصر العثماني، ويعود بعضها إلى عهود أبعد مثل العهد البيزنطي أو الروماني أو حتى الإغريقي، لكن معالم الجمهورية الحديثة قليلة أو نادرة. والأدلاء السياحيون لا يكادون يذكرون معلما مميزا لتركيا الجديدة، وسائر الرحلات السياحية تنظم زيارات لضيوف المدينة إلى قصور السلاطين العثمانيين، مثل قصر (دلمه بهجت)، الذي كان مقر إقامة الخلفاء العثمانيين المتأخرين، أو قصر (توب كابي)، الذي أسسه السلطان محمد الفاتح، فاتح إسطنبول، واستمر مقرا لحكم الإمبراطورية العثمانية لأكثر من ثلاثة قرون، وتداول عليه نحو عشرين من سلاطين العثمانية. قصر (توب كابي) من أعظم معالم إسطنبول السياحية. وفي القصر أجنحة عديدة، تكشف عظمة السلطنة العثمانية. ففي القصر هدايا من مختلف بلاد العالم، من الصين والهند وفارس القديمة وسائر بلاد أوروبا. وفي القصر ركن يسميه الأتراك (الركن المقدس)، ويضم بردة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، وأثرا لقدمه الشريفة في طين متحجر، وسيوفا لصحابة أجلاء، منها سيف خالد بن الوليد وعمر بن الخطاب والزبير بن العوام وسيوف صحابة آخرين. وفي الركن أيضا بقايا يد محنطة، مغلفة بالمعدن إلا قليلا، يُزعم أنها لنبي الله يحيى عليه السلام، وعمامة بيضاء يزعم أنها للنبي يوسف عليه السلام، كما توجد عصا يزعم أيضا أنها عصا سيدنا موسى عليه السلام، التي استحالت حية تسعى، وهي آثار يغلب الشك عليها، ولا يمكن الاطمئنان إلى أنها تعود لأولئك الأنبياء الأجلاء عليهم السلام. مقام الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري، المدفون رفاته تحت أسوار إسطنبول، والمعروف محليا باسم (سلطان أيوب)، لم نتمكن من زيارته في رحلتنا (الإسطنبولية). لكننا علمنا أن الأتراك يجلون هذا المقام إجلالا عظيما. وقال لنا دليلنا السياحي إن مئات الأتراك يأتونه من مدن مختلفة ليؤدوا فيه صلاة الصبح، فلا تجد في المسجد/ المقام موضعا ليس فيه راكع أو ساجد، بحسب ما علمنا.
صراعات ثقافتين
إسطنبول.. مدينة تجمع عالمين.. وتختصر قارتين، وهي اليوم متأرجحة بين هويتين وثقافتين.. بين هوية حديثة تغلب عليها الروح الأوروبية، وهوية موروثة تغلب عليها الروح الإسلامية.. والشباب الأتراك موزعون بين توجهين.. بين من يعيش نمطا غربيا من الحياة، وبين من تراه في مسجد راكعاً أو ساجدا، أو تراه عند قبر سلطان عثماني يتلو فاتحة الكتاب، حنينا إلى ماض أُريد له أن يخلد إلى قبر لا يقوم منه، لكنه يأبى أن يموت أو تطوى صفحته. إنها مدينة حكمت عليها الجغرافيا أن تكون آسيوية وأوروبية في ذات الوقت، وهي اليوم تجد نفسها مشتتة ممزقة بين عالمين لم يعرفا تصالحا بعد.. عالمان يختصرهما صراع الجيش مع الحجاب، وقصة حزب حاكم يحظى بأغلبية شعبية كبيرة، كادت محكمة دستورية تحيله عدما.. إنها قصة معاناة جيل لا يكاد السائح العابر يرى منها سوى وجهها الجميل.
كاتب صحافي من تونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.