اليوم.. ونحن نحتفي بالذكرى الثامنة لبيعة أخي العزيز الغالي، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، رئيس مجلس الوزراء، ولي العهد القوي بالله الأمين، عندما بايعناه على السمع والطاعة في المنشط والمكره وفي اليسر والعسر، في السادس والعشرين من رمضان 1438، الموافق للحادي والعشرين من يونيو 2017، إثر صدور الأمر السامي الكريم بتعيين سموه الكريم وليَّاً للعهد. أقول اليوم ونحن نحتفي بهذه الذكرى الطيبة العطرة المباركة الغالية على قلوبنا جميعاً، التي يفوح شذاها إنجازات مدهشة في شتى ربوع الوطن في مختلف المجالات، ونجاحات مذهلة على المسرح الإقليمي والدولي، لن أحدثكم عن تلكم الإنجازات التي تدركونها وقطفتم ثمارها قبل أوانها، بل يدركها القاصي قبل الداني، والعدو قبل الصديق، ويشهد له الجميع بها، ويثمنوها له عالياً.. ليس من باب الرياء والنفاق والمجاملة خطباً للود، بل هو حق مشروع، استحقه سموه الكريم بجهده الدؤوب، وعمله ليل نهار، الذي يصدِّق نيته الطيبة، ويحقق طموحه الذي يناهز عنان السماء، وعزمه الثابت الراسخ ثبات طويق، وقبل هذا وذاك، ثقته في الله التي لا تحدها حدود، ثم ثقته في قدرات شعبه التي لا تتضعضع أبداً؛ إذ نرى بصمته اليوم ظاهرة للعيان في كل المشروعات العملاقة التي تحققت في بلادنا، والتي يجري تحقيقها الآن على قدم وساق، لا سيَّما مشروعات رؤيتنا (2030) الطموحة الذكية التي هندسها سموه الكريم، ويتابع تنفيذها عن كثب بدقَّة متناهية، فآتت كثير منها أُكُلَها حتى قبل أوانها. أقول، لن أحدثكم اليوم عن جهد الرجل الذي سنظل نذكره له فنشكره إلى الأبد، ذلكم الجهد الفريد النادر، الذي وضع بلادنا في المراكز الأولى في كثير من التصنيفات العالمية في مختلف المجالات، خاصة هذا الدور المتميز الذي اضطلع به سموه الكريم في السياسة الدولية والاقتصاد؛ بل أحدثكم عن الجانب الآخر في شخصية سموه الكريم، الذي ربَّما لا يدركه إلا القريبون منه، ذلكم هو الجانب الإنساني. ولأن معظمنا لم يرَ ولي العهد القوي بالله الأمين، إلا هو منكبَّاً على العمل، غارقاً وسط أرتال ملفات ينوء بحملها مكتبه، أو مترئساً اجتماعاً، أو متفقداً سير العمل في المشروعات العديدة هنا وهنالك.. أقول لأن الحال كذلك، فربَّما يجهل كثيرون ذلك الجانب الإنساني في شخصية سموه الكريم. فبعيداً عن العمل الرسمي، غير أنه بالحماس نفسه والجهد والاجتهاد، والانضباط الذي أصبح علامة فارقة في شخصيته، نجد أن سموه الكريم مترع بالإنسانية، فهو رجل دمث الأخلاق، طيب الكلام، عف اللسان، لين العريكة، حليم كريم، شديد التواضع، شهم صاحب مروءة نادرة، شديد البر بوالديه، موقراً الكبير، راحماً الصغير، حاضراً في الأفراح والأتراح، يستقبل زائريه خارج داره، ويودعهم إلى حيث استقبلهم؛ يسير في هذا على خطى والد الجميع، قائد الركب، خادم الحرمين الشريفين، سيدي الوالد المكرم الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الذي استحق لقب (المواطن الأول) بمرتبة الشَّرف، إضافة إلى ألقابه العديدة. فكذلك أخي العزيز الغالي ولي العهد، هو اليوم (مواطن أول) بمرتبة الشَّرف، وحتى أكون دقيقاً في حديثي، أورد لكم فيما يلي بعض مشاهد تقشعر لها الأبدان، ربَّما شاهدها بعضكم: لا بد أن كثيرين قد رأوا سموه الكريم وهو يزور المشايخ في منازلهم، مقبلاً رؤوسهم، سائلاً عن حالهم، مطمئناً عليهم. لا بد أن البعض قد رأى سموه الكريم وهو يقبل يد أخيه الأكبر صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، بعيداً عن الألقاب، في احترام وتقدير ووفاء نادر، لا يشبهه إلا وفاء والد الجميع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، واحترامه وتقديره ووفائه لإخوته الكبار، إذ كان يردد دوماً كلما تحدث عن أخيه الفهد: (لقد كان أخي الملك فهد والدي الثاني)؛ وكلنا ندرك احترامه لإخوته الكبار سلطان، عبدالله، نايف وغيرهم وملازمته لهم في أصعب اللحظات. مع هذا الجهد الشاق الذي يبذله أخي ولي العهد في العمل الرسمي، الذي يستغرق معظم وقته، حتى أننا لنشفق عليه، إلا أنه لا ينسى حق أهله وأطفاله عليه، فتراه يلاعبهم ويلاطفهم ويمازحهم ويضحك معهم، فيشعرهم أنه واحد منهم، وليس بوالدهم، فيأنسون كثيراً بوقته معهم ومشاركتهم ألعابهم وأحاديثهم البسيطة.. حتى إذا حان وقت الذهاب إلى المدرسة والمذاكرة وغير ذلك من واجبات رسمية، استعاد سموه الكريم دور الوالد، لأنه يدرك جيداً كيف يفصل بين الأشياء. أذكر أنني شاهدت امرأة مسنَّة أثناء إحدى زيارات أخي ولي العهد التفقدية الاجتماعية، وهي ترجوه بإلحاح شديد أن يسمح لها بتقبيل رأسه تعبيراً عن احترامها له وتقديرها لجهده، وعرفانها وامتنانها، إلا أنه يرفض بأدبه الجم، وحزمه المعهود؛ بل أكثر من هذا: يسارع سموه الكريم لتقبيل رأس طفلها الصغير الذي كان يسير برفقتها، وكأنه يقول: أنا الذي عليَّ تقبيل رأسك. أما بر سموه الكريم بوالديه، واحترامه لهما وتقديره، واحتفائه بهما وبكبار الأسرة الكريمة رجالاً ونساءً، وسؤاله عن أصدقائه ومعارفه وتفقده لأحوالهم، فذاك أمر معهود مشهود، يذكرك بالمؤسس، ولا نعرفه اليوم لأحد غيره، إلا والد الجميع الملك سلمان. هذا نزر يسير من الجانب الآخر في شخصية أخي الأمير محمد بن سلمان الثرية المتعددة المواهب، وبالطبع لم يقتصر الأمر على العائلة والمقربين فقط، بل نابع من اهتمامه الشديد بالمواطن الضعيف حيثما كان في ربوع هذا الوطن القارة، كالمرأة والطفل وأصحاب الهمم ومحدودي الدخل، وقد لمسنا هذا في كثير من برامج الرؤية التي تهدف بالدرجة الأولى لخدمة تلك الفئات الاجتماعية الأكثر حاجة للرعاية والعناية، إضافة إلى دعم الجهات الخيرية غير الربحية لتأهيل الشباب من الجنسين للعمل. وبجانب هذا، فالرجل قارئ نهم، واسع الثقافة مطلع، له إلمام حقيقي بكثير من العلوم والمعارف، ملم بالتاريخ، متابع دقيق لما يجري في العالم من أحداث، إن حدثته في أي شأن، يجيبك مثلما كان قائدنا الملك سلمان يجيب محدثيه: (عندي خبر). فاللهم أجزي عنَّا والدنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود خير الجزاء، الذي أنجب لنا هذا البطل النجيب الهمام، وغرس فيه تلك القيم النبيلة والشيم الأصيلة منذ الصغر، ففطمه عليها، وهيأه لهذا الدور المهم الكبير في خدمة رسالة بلادنا وتنميتها، وسعادة شعبنا وخير العالم أجمع. واحفظ ولي عهدنا القوي بالله الأمين، ووفقه وسدد خطاه وأعنه، ومتعه بالصحة والعافية، وبارك لنا في جهده وعمره وذريته.. وكل عام قيادتنا الرشيدة بخير، وشعبنا في نعيم، وبلادنا في أمن وأمان واستقرار.