تلعب التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية السريعة التي يشهدها العالم في تحديد نسب الطلاق في كل مجتمع؛ لتأثيرها المباشر على نمط العلاقات الاجتماعية داخل مؤسسة «الأسرة». «الرياض» في قراءتها لمشكلة الطلاق تتناول الموضوع من ناحية مجتمعية، والعوامل التقليدية، والعوامل الجديدة المؤدية إلى حدوثه، وأبرز آثاره على الأسرة -الزوجين والأبناء- وعلى كيان المجتمع، وكيف أسهمت رؤية 2030 في خفض نسبة الطلاق، والعوامل التي أدت في السنوات الأخيرة إلى تدخل الجهات الأمنية ممثلة بالنيابة العامة لخفض نسب الطلاق بالمملكة. تأثير يمتد إلى المجتمع! مشكلة الطلاق من الظواهر الاجتماعية التي تجد اهتماماً عالمياً، فكل دولة من دول العالم لها استراتيجيتها الخاصة في التعامل مع مشكلة الزواج والطلاق، وتنشئ مراكز للدراسات والأبحاث المتعلقة بالأسرة ومنها التركيز على مشكلة الطلاق داخل المجتمع، فلماذا تهتم الدول بالقضية؟ والتي تصل في بعض المجتمعات إلى حد الظاهرة، لأنه بشكل عام تؤثر على مؤسسة الأسرة داخل المجتمع، على أدائها لمهامها، كما أنه تؤثر على تكوينها الداخلي، ويؤثر على استقرارها الاجتماعي، وعلى مستقبل أبنائها، وبالتالي مستقبل الأجيال اللاحقة في المجتمع؛ لأن الأسرة هي مصدر تكوين المودة من الناحية النفسية الاجتماعية لأبنائها، كما أنها مصدر المسؤولية الاجتماعية لإنتاج أجيال مفيدة اجتماعياً تعي واجباتها الاجتماعية والمستقبلية المنوطة بها، والطلاق يؤدي إلى تفكك الأسرة، ويؤدي إلى الانحرافات الإجرامية والأخلاقية، وفي النهاية ارتفاع نسب الطلاق تؤدي الى تفكك المجتمع. «شؤون الأسرة» يزيد الوعي ويحقق الاستقرار ركزت رؤية 2030 في بنودها على حماية الأسرة والبناء الأسري، وحماية الأسرة بشكل عام، والحد من مشكلة الطلاق بصفة خاصة، حيث يتضح ذلك من خلال تأسيس العديد من الجهات المهتمة بالشأن الأسري، وتأسيس مجلس شؤون الأسرة الذي ارتكزت مبادراته على كل ما يحقق الاستقرار الأسري ويرفع مستوى الثقافة والوعي والدعم الأسري، واعتماد الاستراتيجية الوطنية للأسرة، وكذلك اعتماد مبادرة التمكين الاقتصادي للأسرة، وتحسّن بيئة الأنظمة التشريعية والقانونية، واعتماد نظام الأحوال الشخصية، إضافةً إلى إحالة طلبات الطلاق إلى مركز المصالحة بشكل إلزامي لنجاح المبادرات التصالحية التي تنتهي بحلول ودية تحول دون قرار الانفصال، وتنفيذ برامج الإرشاد الأسري للمقبلين على الزواج، والمتزوجين حديثاً، والأزواج الذين يواجهون مشكلات أسرية، وإنشاء وتفعيل مراكز ووحدات التوجيه والاستشارات الأسرية على مستوى الأحياء، إلى جانب إنشاء عيادات أسرية تضم متخصصين في علم النفس، والاجتماع، والتربية؛ للتعامل مع المشكلات الأسرية، وتكثيف التوعية من خلال وسائل الإعلام بأهمية الأسرة ككيان أساسي في المجتمع والدور الاجتماعي ومهامه لكل فرد فيها، والاهتمام بالإرشاد الزواجي، واللجوء إلى المتخصصين في حال مواجهة مشكلات تتعلق بسوء التواصل بين الأزواج، كذلك التوعية بأسباب الطلاق، وطبيعة العلاقات الزوجية، والحقوق والواجبات الزوجية، ومخاطر الطلاق على الفرد والمجتمع، وتفعيل دور مؤسسات التعليم والمناهج الدراسية لكافة المراحل التعليمية -المؤتمرات والندوات- ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي - المؤسسات الدينية في مجال التوعية الأسرية، إضافةً إنشاء صندوق خاص للمطلقات من أسر الدخل المحدود، والعمل على وضع خطط لتدريبهن وتحويلهن لعنصر منتج في المجتمع. تدخل الجهات الأمنية وتتدخل الجهات الأمنية في قضايا الطلاق من خلال منع غير المختصين في منصات التواصل الاجتماعي بالتحدث في الشأن الأسري والزوجي، واستخدام لغة فيها من التغرير والتخبيب المباشر أو غير المباشر، ومتابعة الإعلانات المشبوهة المتضمنة تسهيل إجراءات الخلع والطلاق من مواقع محامين مقابل مبالغ مالية وتطبيق العقوبات بحق المخالفين، والحد من تعميم التجارب غير الناجحة في العلاقات الزوجية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وكذلك الحد من محتويات السوشل ميديا الرامية إلى صناعة محتويات تهدف إلى سوء السلوك الاستهلاكي المبني على عدة أمور كعدم التنظيم المالي، والهدر الترقي الزائد، والانجراف وراء المظاهر المادية المكلفة، والحد مما يتم تداوله في وسائل الإعلام من معلومات مغلوطة حول ارتفاع نسب الطلاق في المملكة وما تشكله المعلومات من مفاهيم خاطئة لدى الشباب من الجنسين عن مؤسسة الزواج بمحاسبة الجهات الإعلامية التي لا تتوخى الدقة في نقل المعلومات من مصادرها الرسمية، إلى جانب متابعة مواقع وحسابات ما يعرف بالنسويات التي تدعو إلى التمرد على الأزواج وضبط منشئ تلك الحسابات والقائمين عليها. ومن الجهود أيضاً متابعة تحركات ومحتويات بعض الحسابات النسوية التي يتظاهر أعضاؤها بالحياة الرغيدة، وكثرة الأسفار، والتنقل بين الأسواق والمقاهي بعد الطلاق والتي في الغالب تكون محتويات كاذبة هدفها التمرد على مؤسسة الأسرة، ومتابعة السنابات التي تحظى بمتابعة الملايين، لبعض المطلقات التي تُظهر فيها سعادتها وحريتها وكثرة تنقلاتها بعد طلاقها وضبط أصحابها، وإيقاف السنابات التي تنشر فتيات يظهرن الترف والدلال الزائد الذي تعيشه بنات الجيل واستغناء المرأة عن الرجل بما توفره أسرتها لها وتهدف للعنوسة بين الجنسين، ومتابعة مواقع «النكت» التي تبث في وسائل التواصل عن النساء وتشوه صورة المرأة السعودية ومقارنتها بالأجنبيات وضبط مروجي تلك النكات. ما أسباب حدوث الطلاق؟ تتفق الدراسات الحديثة على أسباب حدوث الطلاق في المجتمع ومن أبرز ما اتفقت عليه الدراسات أن هناك متغيرات اجتماعية، واقتصادية، ونفسية تلعب دوراً في حدوث إنفصال الزوجين، كذلك يوجد تأثير للتقنية الحديثة من مشاهدة فضائيات، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لفترات طويلة، ويوجد تأثير من وسائل التواصل الاجتماعي في إقامة علاقات افتراضية، أو حقيقية -خارج إطار الحياة الزوجية-، إضافةً إلى تراجع أدوار ووظائف الزوج أو الزوجة تجاه الأسرة، وجهل وضعف الزوجين في القيام بأدوارهم كأب أو أم، إلى جانب تدخل أهل الزوج أو الزوجة قد يُسبب الطلاق بين الزوجين. ومن الأسباب أيضاً المشكلات المستمرة بين الزوجين، وإهمال أحد الزوجين لحقوق الآخر، وسوء العشرة والبرود العاطفي، وممارسة العنف ضد الزوجة، وكذلك الخيانة الزوجية، وعدم التكافؤ الثقافي أو الاجتماعي بين الزوجين، وغياب الزوج لفترات طويلة، إضافةً إلى قلة دخل الزوج ومحاولة سيطرة الزوج على أموال الزوجة، والفارق الكبير في العمر بين الزوجين، والغيرة الزائدة وعدم الانجاب، ومنع الزوجة من إكمال تعليمها، إلى جانب إدمان الزوج للمخدرات، ومعاناة أحد الطرفين من أمراض نفسية أو اضطرابات سلوكية، وكثرة تبعات الطلاق المالية مثل المؤخر والنفقة والحضانة، والخيانة الإلكترونية عبر مواقع التواصل التي تؤدي لإفساد الرابطة الزوجية. ومن الأسباب الخوف من تكرار تجربة الزواج مرةً أخرى، والارتباك نتيجة عدم الاستقرار، وعدم اليقين بشأن المستقبل، وفقدان الدعم العائلي، وفقدان العلاقات الاجتماعية -الأصدقاء-، والتأثير السلبي على الوضع الاجتماعي، والهروب من الواقع واللجوء إلى إدمان المخدرات أو المسكرات، إلى جانب فقدان الثقة بالجنس الآخر، والشعور بالاكتئاب، وزيادة الضغوط الاجتماعية -في حال وجود الأبناء-، وصعوبة تربية الأبناء من طرف واحد، وكذلك عدم القدرة على مواجهة مشكلات الأبناء من الأم بمفردها، وظهور مشكلات أسرية جديدة مع أهل المطلق، أو المطلقة. عُنف ووقوع في المخدرات! تتفق الدراسات الاجتماعية والنفسية والأمنية على مخاطر الطلاق على الفرد والأسرة والمجتمع ومن أبرز ما اتفقت عليه الدراسات أن الطلاق من أخطر المشكلات الاجتماعية تهديداً للأسرة، والبناء الاجتماعي وللمجتمع، ويفرز عددا من المشكلات بين الزوجين، ويتسبب في جرائم العنف الأسري، ويدفع الأبناء وأفراد الأسرة بعد وقوعه لجرائم متعددة كالسرقة أو الجرائم الأخلاقية، كذلك يتسبب التفكك الأسري في التفكك الاجتماعي، والتفكك الاجتماعي يؤدي إلى عدم كفاءة النسق الاجتماعي، إضافةً إلى أن الطلاق هو الأساس المفجر للعديد من المشكلات النفسية، ويؤدي إلى الهروب من الواقع واللجوء إلى إدمان المخدرات أو المسكرات، وزيادة المشكلات الاجتماعية في المجتمع، إلى جانب زيادة الانحرافات بين الأبناء وجرائم الأحداث، وضعف أداء الزوجين في العمل نتيجة الانشغال بمشكلات الطلاق، وقلة الإقبال على الزواج مرةً أخرى نتيجة الخبرات السابقة، وحدوث شرخ في بناء الأسرة ونمطها. تدمير الأبناء وإصابتهم بالحزن والاكتئاب قد يؤثر الطلاق على الأبناء، وعلى شخصياتهم، من خلال إصابتهم بأمراض نفسية كالحزن والاكتئاب والعزلة، وكذلك فقدان الحياة الأبوية، ما يؤدي للحرمان الاجتماعي والعاطفي، وفقدان الجو الأسري، وفقدان الثقة بالذات والشعور بالنقص أمام الآخرين، إضافةً إلى عدم رؤية أحد الزوجين لأبنائهم لفترات طويلة، وقد يعاني الأبناء من الغموض بشأن المستقبل، وقد يتعرض الطفل للانحراف نتيجة ضعف المتابعة من الوالدين، إلى جانب استخدام أحد الزوجين الأبناء لإيذاء الطرف الآخر، وعدم الإنفاق عليهم، وتعرضهم للتعنيف، وضعف مستوى التحصيل الدراسي لهم، كذلك الطلاق قد يتسبب في الشعور بالكراهية للوالدين أو أحدهما وانعدام الثقة بهما، وعدم الرغبة في الزواج مستقبلاً، وفقدان القدوة الحسنة، وظهور مشكلات تتعلق بالتوجيه والرعاية.