مع إشراقة فجر العام الهجري الجديد 1447ه، يعيش الإنسان لحظة تجمع بين التأمل في الماضي والتطلع إلى المستقبل، فدخول عام جديد ليس مجرد تبدل في التقويم، بل هو رمز لدورة حياة تتجدد، وفرصة ثمينة تُمنح للناس والدول والمجتمعات كي يعيدوا ترتيب أولوياتهم، ويستحضروا أحلامهم وآمالهم، ويبدأوا من جديد بقلوب مفعمة بالأمل والطموح. تبدأ هذه المناسبة عادة بمظاهر الفرح والاحتفال حيث تتبادل الأسر والأصدقاء التهاني والتبريكات، ويتبادلون الدعوات بأن يكون العام القادم خيرًا وسعادة وسلامًا وانجازا . وتتزين القلوب بالأمنيات: شفاء لمريض، ورزق لفقير، ونجاح لطالب، وزواج موفق، وسلام لأوطان. وفي لحظات الصفاء هذه، يعيد الإنسان ربط صلته بخالقه، ويدعو بيقين أن يكون العام الجديد أفضل ممَّا مضى. لكن جمال بداية العام لا يكتمل بمجرد التهاني أو الكلمات الطيبة، بل بما يلي ذلك من خطوات عملية ومنهجية تبدأ من لحظة اتخاذ القرار . فالعام الجديد يفرض على الأفراد والمؤسسات والدول وقفة حقيقية مع النفس والذات، لتقييم ما مضى من أعوام، والبحث عن نقاط الضعف والقوة، ثم الانتقال إلى صياغة أهداف واضحة واقعية، تتسم بالإرادة والعمل الجاد، وترتكز على مبادئ التخطيط والتنظيم والاستدامة. وإنه لمن حسن الطالع أن يتزامن هذا العام الهجري الجديد مع تحولات عالمية متسارعة في شتى الميادين؛ ما يستدعي من الدول خاصة في العالم الإسلامي، أن تجعل من هذا العام انطلاقة لتجديد رؤاها، والاستثمار في الإنسان، وتعزيز القيم، والتقنية، والتعليم، والعمل المؤسسي الفاعل. فهذا التاريخ الذي يرتبط بأعظم هجرة في تاريخ البشرية، هجرة النبي- صلى الله عليه وسلم– يجب أن يُستلهم منه معاني التغيير والتحدي والبناء. إن دخول عام هجري جديد، هو بمثابة دعوة للحياة أن تبدأ من جديد، بكل ما تحمله من أمل وكفاح وهو فرصة ليكتب كل إنسان صفحة جديدة في كتاب عمره؛ فإما أن يجعلها مملوءة بالخير والإنجاز، أو يتركها بيضاء بلا معنى ولا أثر . فهنيئًا لنا ولكم هذا العام، وليكن عام خير وبركة وتقدم وازدهار.