كلوب: الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيد ليفربول محليا    قطار "الرياض الخضراء" في ثامن محطاته    "الجدعان": النفط والغاز أساس الطاقة العالمية    التعاون الإسلامي تعرب عن أسفها الشديد لفشل مجلس الأمن في قبول عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة    يوتيوب تختبر التفاعل مع المحتوى ب"الذكاء"    أول متجر تطبيقات بديل ل"آب ستور"    "العقعق".. جهود ترفض انقراض طائر عسير الشارد    "الشباب" يهزم أبها بخماسية في "دوري روشن"    توقعات الأمطار تمتد إلى 6 مناطق    الطقس: أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    انتعاش الحرف التراثية بمهرجان محمية الملك سلمان    مسح أثري شامل ل"محمية المؤسس"    فوائد بذور البطيخ الصحية    هيئة التراث ‏تقيم فعالية تزامناً اليوم العالمي للتراث بمنطقة نجران    أقوال وإيحاءات فاضحة !    «المظالم»: 67 ألف جلسة قضائية رقمية عقدت خلال الربع الأول من العام الحالي    الطائي يصارع الهبوط    كريسبو للهلاليين: راح آخذ حقي    «استمطار السحب»: 415 رحلة استهدفت 6 مناطق العام الماضي    «التراث»: استيطان كهف «أم جرسان» بالمدينة قبل 6 آلاف عام قبل الميلاد    ذات الأكمام المفتوحة نجمة الموضة النسائية 2024    العراق.. صدمة وخيبة أمل    تخلَّص من الاكتئاب والنسيان بالروائح الجميلة    غاز الضحك !    الفقر يؤثر على الصحة العقلية    مجلس جامعة جازان يعيد نظام الفصلين الدراسيين من العام القادم    سلطان البازعي:"الأوبرا" تمثل مرحلة جديدة للثقافة السعودية    مصر تأسف لعدم منح عضوية كاملة للفلسطينيين في الأمم المتحدة    مقتل قائد الجيش الكيني و9 ضباط في تحطم مروحية عسكرية    "أيوفي" تعقد جلسة استماع بشأن معايير الحوكمة    الاحمدي يكتب.. العمادة الرياضية.. وحداوية    تَضاعُف حجم الاستثمار في الشركات الناشئة 21 مرة    أمير الرياض يعتمد أسماء الفائزين بجائزة فيصل بن بندر للتميز والإبداع    السلطة الفلسطينية تندد بالفيتو الأميركي    المستقبل سعودي    الدمّاع والصحون الوساع    الجامعات وتأهيل المحامين لسوق العمل    الرباط الصليبي ينهي موسم أبو جبل    في حب مكة !    اليحيى يتفقد سير العمل بجوازات مطار البحر الأحمر الدولي    الإصابة تغيب كويلار أربعة أسابيع    فيصل بن تركي وأيام النصر    التوسع في المدن الذكية السعودية    المرور يحذر من التعامل مع أيّ روابط ومكالمات ومواقع تزعم التخفيض    المفتي العام ونائبه يتسلّمان تقرير فرع عسير    أمير الرياض يستقبل مدير التعليم    إنطلاق مؤتمر التطورات والابتكارات في المختبرات.. الثلاثاء    السجن 5 سنوات وغرامة 150 ألفاً لمتحرش    الرويلي ورئيس أركان الدفاع الإيطالي يبحثان علاقات التعاون الدفاعي والعسكري    نائب أمير الرياض يقدم تعازيه ومواساته في وفاة عبدالله ابن جريس    تحت رعاية خادم الحرمين.. المملكة تستضيف اجتماعات مجموعة البنك الإسلامي    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    السديس يكرم مدير عام "الإخبارية"    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    شقة الزوجية !    تآخي مقاصد الشريعة مع الواقع !    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    سمو أمير منطقة الباحة يلتقى المسؤولين والأهالي خلال جلسته الأسبوعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتهازية..هذا الداء الخطير

الانتهازية هذا الداء الخطير جداً، لها تشعباتها وشجونها، والحديث فيها يطول، والتعرض لها كتأملات وسوانح هو بمثابة دق أجراس الخطر، ومحاولة لا تعدو أن تكون خطوة في طريق الوقاية من هذا الداء، وتحصين المجتمع منه. ولعل هذه المحاولة تثريها مشاركات من يسهم فيها من ذوي الشأن والخبرة والاختصاص، وقد يكون ممن عانى من وباء الانتهازيين أو تعرض لممارساتهم أو كان له شرف الوقوف في وجوههم والحد من أطماعهم أو من سيقتص له الباري عز وجل عاجلاً أو آجلاً. الدكتور محمد بن ناصر الكثيري، عضو هيئة التدريس بكلية الملك خالد العسكرية، واحد ممن ساهم في توضيح بعض المواضيع الدقيقة حول الانتهازية في كتيبه بعنوان (الانتهازيون)، الذي أحسن التوضيح وبيّن الداء والدواء. نترك القارئ العزيز يجول داخل الكلمات والعبارات والمعاني تاركا ما بين السطور للضمائر الحية، وهم كثيرون ولله الحمد في هذا الوطن الكبير.
المقدمة
الانتهازية في اللغة مشتقة لغوياً من الفعل الثلاثي (نهز) بمعنى دفع وحرك، والمناهزة: المبادرة، يقال ناهزت الصيد فقبضت عليه قبل إفلاته، وانتهزها وناهزها: بادرها واغتنمها، وانتهز الفرصة أي اغتنمها وبادر إليها.
وهي بهذا المعنى خُلُق محمود، وأمر مطلوب شرعاً وعقلاً.
لكن عندما يكون تحقيق المصلحة الذاتية على حساب مصالح عليا أو أهداف سامية، أو يكون ثمنه تقديم قرابين بريئة أو على حساب كدح الآخرين أو الإضرار بهم فهذا هو الانتكاس والارتكاس في حمأة الانتهازية الدنيئة.
والانتهازية بهذا المفهوم السلبي تتطابق ونظرية (الغاية تبرر الوسيلة) التي تبناها ميكافيلي، وأسهب في شرحها وتأصيلها في كتابه المعنون: الأمير، وقد أصبحت داء عضالاً يفتك بالأمم والشعوب، ووباء اجتماعياً وخيماً تنهار بسببه الحضارات والمجتمعات حيث يسبب اضطرابا للمفاهيم واختلال الموازين كإفراز طبيعي لهذه الممارسات، فالكذب دهاء، والتعفف بلاهة، والصدق سذاجة، والنصح حسد أو سوء أدب، والانضباط تعقيد، والباطل حق، والشرف تهمة.. وهلم جرا، في سلسلة من المفاهيم المقلوبة والمعايير المضطربة.
وهنا يتضح الفرق الدقيق بين المفهومين، وذلك لئلا يفهم من حديثنا عن الانتهازية الوباء والتحذير منها أن المراد تضييع الفرص التي قد تسنح للمرء أو أنه دعوة للمثالية والتخلي عن طبيعة النفس البشرية التي تسعى لمصالحها وتحقيق الخير لذاتها، فانتهاز الفرص ليس مذموماً لذاته طالما أنه لا يستلزم أمرين: (أ) تفريطاً بالمصالح العليا، أو (ب) إضراراً بالآخرين.
خطورة الانتهازيين
الانتهازيون صورة حديثة للمنافقين الجبناء الذين لا يقاتلون إلا من وراء جدر، وهم يحسبون كل صيحة عليهم، ولا يجيدون إلا الطعن من الخلف، يحيكون المؤامرات وينصبون الفخاخ ويجيدون نسج الأحابيل التي هي أوهى من بيت العنكبوت عند من يعرف حالهم ولا تنطلي عليه حيلهم.
من هو الانتهازي؟
الانتهازي شخص متذاك، وأناني، طموحه كبير، بيد أنه ضعيف الشخصية، يخيل إليك أنه مهزوم أو مظلوم فيما هو يتحايل للوصول إلى مبتغاه، لا يعطي رأيه بصراحة تامة، بل يريد أن يستمع إلى الجميع ليقف - ليس مع الأصوب - ولكن مع الأقوى شأناً أو الأكثر ثراء أو الأعلى جاهاً وسلطاناً ولو بالباطل، حماية لنفسه، وتحقيقاً لمصالحه. يقول ابن المقفع: (من علامات اللئيم المخادع أن يكون حسن القول، سيئ الفعل، بعيد الغضب، قريب الحسد، حمولاً للفحش، مجازياً بالحقد، متكلفاً للجود، صغير الخطر (أي القدر والمنزلة)، متوسعاً فيما ليس له، ضيقاً فيما يملك).
وفي بيئة عمله يرى أن معظم الأنظمة والقوانين إنما وضعت لتقييده والحد من تسلطه، فهو يحتال عليها وكثيراً ما ينتهكها، ويضجر بشدة لدرجة الغضب العارم عندما يطلب منه الالتزام بها، لشعوره بأنها تحد من حريته في المنح أو المنع وتقوي الآخرين عندما يطلبون حقوقهم، وكما يقول أحدهم: (نطبق من اللوائح ما نريد، ونعرف كيف نتخلص مما لا نريد). ويمارس ما يعرف ب(العنف البيروقراطي) فيخضع الآخرين لرغباته!.
ويرفض النقد أو النصح ويعتبرهما انتقاصاً لقدره وحطاً من كفاءته، ويسيء الظن في كل من يوجهون نصحاً أو نقداً فيرى أن دافعهم شخصي أو باعثهم الحسد (فسيقولون بل تحسدوننا).
أسباب ظهور الانتهازية
إن الانتهازية داء خطير قد ينمو مع الشخص منذ طفولته، وللبيئة دور في استئصاله أو تكريسه بحسب جودة هذه البيئة أو دناءتها.
ويعد ضعف الإيمان بالله تعالى وقلة الوازع الديني، وعدم الخوف من الله جل وعلا ومراقبته في السر والعلن أبرز الأسباب في خروج الانتهازيين في المجتمعات وضعف الجهات الرقابية وعدم فاعليتها في ممارسة صلاحياتها، أو أحياناً يكون قد دب إليها هذا الداء، وأصبحت الرقابة تحتاج إلى رقابة! فكيف تداوي الناس وأنت عليل؟ كما قيل.
سمات الانتهازيين وأساليبهم
يتسم الانتهازيون بسمات وسلوكيات شخصية تميزهم عن غيرهم, وأبرز هذه السمات والأساليب:
1- انعدام الصدق:
أن أهم صفة عند الانتهازيين هي انعدام الصدق، وهذا يؤدي إلى انقلاب للمفاهيم وانتكاس الموازين، فيصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً، فلا إبداع ولا إنتاج فكريا أو علميا أو تقنيا، فتعطلت مراكز البحوث ومراكز الدراسات الجادة، لذا فإن البيئة الانتهازية تعد مرتعاً خصباً للتخلف بشتى صوره، وهذا يؤكد ما سيرد من أن الانتهازيين هم العدو الأول لأي تنمية.
2- كثرة تشدقهم بالمثاليات والمبادئ:
وذلك ذراً للرماد في العيون وإبعاداً للتهمة عنهم وإمعاناً في خداع الناس، وهذه جناية أخرى.. يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: (ثم إن تلويث الفضيلة بأقذار الهوى عدوان على منزلتها ومحاولة متعمدة لإسقاط قيمتها وهذا جرم آخر).
3 - يجيدون الضجيج دون أي إنجاز:
فهم (ظاهرة صوتية) دون إنتاج؛ ففاقد الشيء لا يعطيه، وهم يدركون ذلك فيرتكزون على جهود الآخرين ويسرقونها دون أدنى حياء ويتزلفون بها، فتجد التركيز على ما له مردود إعلامي وتضخيمه وكأنه من المعجزات!.
4 - تقديم المصلحة الشخصية والمنفعة الذاتية:
عندما يُخيِّر الانتهازي بين خدمة المصالح العامة والقيم أو خدمة المصلحة الشخصية والمنفعة الذاتية ينحاز دون تردد لما يخدم مصالحه الذاتية دون غيرها، فرغم ما يتشدقون به إلا إنهم نادراً ما يقومون بفعل أي شيء لا يتعلق بخدمة الذات، فهم أناس غارقون في الأثرة والأنانية.
5 - الاستبداد والتعسف والتكبر على الناس:
لهذه السمة نصيب وافر عند الانتهازيين إذا قدروا، وما ينتج عنها من مصادرة للرأي الآخر واحتقار للآخرين وازدراءٍ لهم، يحيطون أنفسهم بهالة من الوهم وكأنهم خلق آخر، وهذا تفسير تشبث الانتهازيين بالكرسي - أي كرسي - فمنه يستمدون النفوذ الذي يؤهلهم لممارسة الابتزاز لرؤسائهم ومرؤوسيهم، لعلمهم أن عامة الناس لا يترددون في عمل ما يمليه عليهم صاحب السلطة بغض النظر عن طبيعة هذه المهام ومدى تطابقها مع المبادئ والقيم، فهم أحرص الناس على منصب مهما كانت المسؤولية فيه ثقيلة أو كانت قدراتهم محدودة، ولا يمكن أن يتركوه بإرادة منهم، (وإنما يتركونه وكأنهم عقارب ساعة كفّت عن الدوران، إنهم يصارعون، وبعضهم يهدم ما كان قد بناه).
6 - التبرير لتجاوزاتهم:
من سماتهم أنهم ينتهجون ثقافة تبريرية للتجاوزات والسلوكيات السلبية ويروجون لذلك؛ ليتواروا خلفها وليتسنى لهم تحقيق مكاسبهم بأكبر قدر ممكن وبأقل الخسائر، وكأنهم مخلصون وأمناء وشرفاء دون أن ينكشف أمرهم.
7 - انعدام التضحية:
هم أبعد ما يكونون عن التضحية؛ فهم يسعون لتحقيق المكاسب بأقصر الطرق والحصول على الامتيازات بأقل جهد.
8 - تضخيم أخطاء الآخرين:
يحكمون على الشخص في ضوء أخطائه فحسب، فعندما يقيمونه فمن خلال أسوأ أعماله، يفقدون الإنصاف والموضوعية، لا يعينون الشخص لتجاوز الخطأ، وإنما يوظفون هذا الخطأ لدفعه لارتكاب مزيد من الأخطاء، وذلك للحصول منه على مزيد من التنازلات.
9 - الجبن والضعف والخوف:
يتسمون بالجبن والضعف والخوف، وهذا ناتج لفقدهم فضيلة الصدق، وكونهم أبعد ما يكونون عن مسالك النزاهة والاستقامة (يحسبون كل صيحة عليهم) فمن أين لهم بخلق الشجاعة أو القوة إذن؟ يقول الشيخ محمد الغزالي: (وإن الرجل الخرب الذمة أو الساقط المروءة لا قوة له ولو لبس جلود السباع ومشى في ركاب الملوك).
لذلك أصبحوا هدفاً سهلاً للأعداء يحقق بهم أهدافه، وطابوراً خامساً ينفذون من خلاله إلى داخل المجتمع وتنكشف لهم نقاط ضعفه، بل ويطلعونهم على الثغرات التي يقوضون بها بنيانه ويحطمون كيانه.
10 - الإيقاع بين الناس والتصيد في الماء العكر:
بل يقومون بتعكير الماء ليتسنى لهم الاصطياد فيه، ويتفننون في ذلك بألوان من الحيل والخداع، فقد يختصون بعض الأشخاص بكثير من المزايا، المادية والمعنوية، ليضمنوا ولاءهم وتجاوبهم ومساندتهم في وجه من يرفض الانسياق معهم، الذي سيكون نصيبه المضايقات والحرمان من الفرص والحقوق طالما أنه خارج دائرتهم الداخلية أو ما يعرف ب (الشلة).
أهم عوامل النجاح لديهم استنزاف من حولهم في صراعات داخلية؛ لأنها توفر الفرصة السانحة للاستحواذ بالفرص والتمتع بالمزايا بعيداً عن إشغال الناس ومنافستهم.
11 - الابتزاز:
من أساليبهم ابتزاز الآخرين بالتهديد والوعيد لتحقيق أغراضهم، فهم لا يحظون بالحب أو التقدير ممن يعملون معهم، وعندما يكون الفرد بحاجة لهم فهي فرصتهم الذهبية لممارسة ألوان الإذلال والمساومة والخداع لتحقيق أغراضهم منه، فهم دائماً يأخذون أكثر مما يقدمون، فيجب ألا يمنحوا هذه الفرصة بل لا بد من حرمانهم منها مهما كلف الثمن!.
12 - التنصل من المسؤولية:
يلجأ الانتهازيون إلى الإسقاط في إقصاء التهم عنهم.. لما قتل ابن الزبير رضي الله عنه - ارتجت مكة بكاء عليه، فخطب الحجاج الناس وكان مما قاله: يا أهل مكة، إكباركم واستعظامكم قتل ابن الزبير! فإنه كان من خيار هذه الأمة حتى رغب في الدنيا، ونازع الخلافة أهلها، فخلع طاعة الله وألحد في الحرم.. وإنه غير كتاب الله!.
13 - التشبث بالغير:
يبحث الانتهازي عن ذاته فلا يجدها، فيتشبث بأذيال الآخرين، ويرتمي بين أيديهم، فيظفر بمساندتهم وتأييدهم فيحتمي بهم ليسوم من تحته سوء العذاب، ويستغلهم أسوأ استغلال.
فالانتهازية خلق منبت لا أصالة له، وشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، تميل حيث تتجه الريح.
الانتهازيون أعداء التنمية
فالانتهازية لون من ألوان الفساد - على اختلاف أنماطه - الذي يتفق المختصون على اعتباره أفيون التنمية والنمو بشتى مجالاته، بل المسألة تتجاوز التنمية إلى ما تحدثه من خلل جسيم في أخلاقيات العمل وقيم المجتمع فتتكيف مع الفساد وتتلمس الذرائع لتبريره؛ ما يكون له انعكاس خطير على ثقة الأفراد والجماعات بأهمية العمل وقيمته التي تتراجع كثيراً لصالح قيم التملق والانتهازية المشينة، وعندها يحصل التدمير بدلاً من التطوير.
ومن المؤسف، على سبيل المثال، ان مهنة التعليم وأهله، التي تحظى بكل الشرف والقدر من التقدير والاحترام، لم تسلم من أن تكون احدى الضحايا التي أطالتها يد عدوان الانتهازية، رغم أنها ليست من المهن التي يمكن صاحبها ان يسلك كل فج أو ينتهج كل سبيل للتسلق وتحقيق المكاسب الشخصية على حسابها، هذه المهنة التي لا تقبل ان تكون جسراً للمتاجرة او التكسب، فتلك لها مجالاتها ومسالكها وقوانينها التي لا تتقاطع ابدا وبأي صورة مع هذه المهنة.
وإذا رأيت اي مجتمع او ميدان عمل يفتقر أفراده للروح المعنوية، وتسيطر عليهم مشاعر الصراع والتنافس وتسود بينهم الرتابة في الأداء والسلبية واللامبالاة بينهم، والعلاقات فيه تبنى وبشكل جوهري على مدى الانتماء (للشلة)، فثم انتهازي يهيمن على مقدرات هذه البيئة ويمسك بزمام الأمر فيها، بالأصالة أو النيابة، فأي تنمية أو إبداع أو إنتاج أو مخرجات التعليم الصحيحة تؤمَّل في بيئة كهذه؟!.
المصير والعاقبة للانتهازيين
لا يعرف الانتهازي شيئا اسمه السعادة او الطمأنينة او انشراح الصدر وراحة البال، وكل نصيبه من ذلك متعة زائلة تعقبها حسرات دائمة، حياته كلها اضطراب وتوتر وقلق، يتقطع ندماً على ما فات، ويحمل هماً لما هو آتِ، لا يقنع بما عنده، ولا يرضى بما قسمه الله له، تدركه عقوبة الظالم لما انطوت عليه انتهازيته من ظلم وتعد وانتهاك للحقوق.
عواقب الظلم لا تخفى على أحد، فمنها العاجل في الدنيا، ومنها الآجل في الأخرى عندما يأتي يوم القيامة مفلساً، والظالم متعرض لدعوة المظلوم التي لا ترد، وقد أقسم الله أن ينصرها ولو بعد حين، والشواهد ماثلة ومصارع الظالمين معروفة.
ما الحل؟
نعم، ما هو الحل ونحن نرى كثيراً من خيرة أبناء المجتمع وهم يفقدون روح التفاني والتضحية بسبب شعورهم بالإحباط الذي يصل الى حد اليأس في بعض حالاته؛ ما دفعهم إلى العزلة والانزواء بعيداً عن مواقع التأثير، تاركين لهؤلاء الشراذم من مزيفي الضمائر حرية العبث بمقدرات المجتمع وطاقاته يبيعونها بأبخس الأثمان في سوق نخاسة لا مثيل له.
إنها بداية الهزيمة والخسارة الاجتماعية الجسمية (بل الطريق لسقوط الأمن القومي وسقوط الأمة) حينما يستولي شعور اليأس من الاصلاح على النفوس، فترضى بالاستسلام في معركتها مع الانتهازيين من سماسرة المبادئ والقيم والمثل، ماذا عساه أن يصنع هذا المحبط بل واليائس وهو يرى التعليم مثلاً، صناعة المستقبل والأجيال، في انحدار، والبطالة في ازدياد رغم وفرة الموارد! والأقساط والديون التي تثقل كواهل كثير من الأسر، وفي المقابل بذخ البعض في سفريات مدفوعة مها طالت أو كلفت! وتخبط السفهاء من الإداريين، وسموم المخدرات وهي تفتك بالشباب يوماً بعد يوم دون أي اكتراث من قبل هؤلاء السماسرة في هذه المؤسسات (التربوية)!.
إذن لا بد من كشف الانتهازيين وكثرة الحديث عن ممارساتهم والتحذير منهم، لئلا ينشأ جيل يتربى على قيم الانتهازيين وثقافتهم.
تذكر دائماً..
1- حصن نفسك من خداعهم واستدراجهم والوقوع في أحابيلهم بمعرفتها.
2- كثيراً ما يكون الانتهازيون ذوي شخصيات جذابة ومثيرة، فإياك ان تدفعك نفسك نحوهم، فربما تكون أسرع وأسهل ضحاياهم وأول فريسة لهم.
3- مهم جداً أن تعلم هدفهم وهو استخدامك عن رضا وقبول منك، لذا فهم يلجؤون لإخماد أي شعور بالمقاومة أو الوعي بأساليبهم بما يشبه التنويم المغناطيسي والتخدير وتشويش فكرك والإيقاع بك في شرك أفكارهم فتنجذب إليهم دون شعور، وتتودد إليهم، بل قد تحبهم وتمنحهم ثقتك وتسلم لهم قيادك وتتلاشى قواك تدريجياً حتى تتم سيطرتهم عليك وتبدأ مرحلة استنزافك.
4- لا تبدو طيباً في التعامل معهم، لئلا تجعلهم يتمادون في استغلال طيبتك، فهم يبحثون - عن قصد - عن الأشخاص الملائمين لممارسة تسلطهم بأقصى ما يمكن.
5- إياك أن تقدم لهم أي اعتذار؛ لأنه غاية ما يسعون إليه، فهم لا يبادلون الاعتذار بالعفو والصفح ولكن يستخدمونه بمثابة الاعتراف بالخطأ الموجب للعقوبة أو تقديم مزيد من التنازلات.
6- لا تقبل منهم أي عذر أو تبرير، فهم يستخدمون الاعتذار لدعم مراوغتهم ولمزيد من التحايل والخداع وتكرار ألاعيبهم ودسائسهم، وكذلك كان شأن المنافقين، قال تعالى: {قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ}، ولكن عليك بالتركيز على الأداء والأعمال (وسيرى الله عملكم ورسوله).
7- كن منتبهاً لما قد يقدمونه لك من عطايا أو مزايا، فما تعدو أن تكون طُعماً في فخّ لاصطيادك أو امتطائك، فهم بارعون في تقديم اليسير للحصول على المكسب الوفير.
8- لا تنخدع بما قد يسديه لك الانتهازي من مدح أو ثناء أو إطراء، وعندها عليك أن تزيد من حذرك وحيطتك لأنهم يستهدفون شيئاً مما لديك، واحكم على تصرفاتهم تجاهك دون أقوالهم.
9- لا تدع عمر الانتهازيين السني او مناصبهم الرفيعة تخدعك، فإنهم يتصرفون وكأنهم اطفال غير ناضجين يبلغون من العمر عامين - على الأقل، فلا بد إذن من اتباع الطرق المستخدمة مع الاطفال الصغار في معاملتهم مثل الاستمرار في توجيههم دائما، ووضع حدود للتعامل معهم، والحزم في معاملتهم وعدم اللين والضعف تجاههم، مع مكافأتهم على السلوك الجيد وتجاهل السلوك السيئ منهم.
10- اعرف الدوافع التي تحركهم، وتاريخهم يكشف لك ذلك، فما فعلوه في الماضي مؤشر مهم لتوقع ما سيفعلونه في المستقبل، فهم لا يتعلمون من أخطائهم.
11- قد يتطلب الأمر أن تتعامل معهم بنوع من الشدة والحزم، ولا سيما عندما يفتعلون الغضب والانفعال، أو يبدون شيئا من اللامبالاة والاستهتار.
12- لا تؤمل فيهم كثيراً وإلا سوف تكون عرضة للإصابة بخيبة الأمل المحبطة عندما تظن أنه يمكنك الاعتماد عليهم.
13- لا تضيع وقتك في محاولة إقناعهم بكذبهم أو بخطأ ما يعملون؛ لأنك لن تحصل على غير الإنكار أو الاعتذار - المبطن بالسخرية وتبييت المكر - في أحسن الأحوال.
14- ضع حدا في العلاقة معهم؛ لأنهم سيبقون بعيداً عن هذا الحد، وربما يختفون تماماً، وهذا هو المطلوب.
15- لا تتردد أبداً أن تقول لهم (لا) إذا كنت تعنيها فعلاً، فعليك بها وأشهرها في وجوههم وبصفة مستمرة؛ فهم لا يحبون سماعها من أحد؛ لأنها تشكل الحد الحاد دون تحقيق أطماعهم، فهم يحاولون تجنب كل الظروف والمجالات والأشخاص، وأي نشاط يجعل من نفوذهم وتسلطهم موضع التحدي أو المقاومة.
16- قد يلحقك بعض الأذى بسبب رفضك لهم ولا سيما إن كانوا أصحاب نفوذ، ولكن عليك بشيء من الصبر وقوة الإرادة ولا تمنحهم فرصة لابتزازك، وثق أنهم إلى زوال لطيشهم، وقد ثبت بدلائل كثيرة أن النفوذ والظلم قليلا ما ينعم بالاستقرار والدوام.
17- احرص على إغناء نفسك وإعفافها لحفظ مكانتك، يقول سفيان الثوري - رحمه الله: (لأن أخلف عشرة آلاف درهم أحاسب عليها، أحب إليّ من أن أحتاج إلى الناس.. ولولا هذه الدنانير لتمندل بنا هؤلاء..). وقال: (من كان في يده من هذه شيء فليصلحه، فإنه زمان من احتاج كان أول من يبذل دينه).
18- لا يخيفك الانتهازيون فهم أعجز من أن يمضي وعيده أو يوقع تهديده، وكانت العرب تصف من يتوعد ولا يقدر بقولهم: (جاء ينفض مذرويه) وهذا حال الانتهازي عندما يهدد.
19- عندما يتهمونك ببعض الاتهامات: جبان، سلبي، معقد.. فلا تستجب للاستفزاز أو تحاول الرد عليهم لئلا تستنزف ذاتك في المواجهة المفتعلة ويتسببون في خسارتك.
20- مطالبتهم وبإلحاح بالتخطيط والإدارة في ضوء الأهداف؛ وذلك للحد من غلوائهم وتخبطهم وفوضويتهم.
أيها المسؤول الذي يحيط بك الانتهازيون
انتبه واحذر.. فإنهم أول من يسيء إليك، وأنت أول ضحاياهم!
فعندما يعملون معك فإنهم يمارسون الخديعة والتضليل بحقك، وإخفاء الحقيقة أو جزء منها عنك، بل وتصوير الأمور بخلاف حقيقتها إمعانا في التضليل والتلبيس لستر عيوبهم وخيانتهم، والتعسف بحق مرؤوسيهم والتسلط عليهم باسمك وابتزازهم والتهديد بك والتهرب من المحاسبة أو المساءلة بنسبة تخبطهم إلى (توجيهاتك).
إن هذه البطانة عندما تجعلها تطوق عنقك فإنها ستخنقك بلا رحمة، ستقضي على سمعتك ومكانتك وإمكاناتك، ثم ترحل عنك إلى غيرك غير مأسوف عليك من أحد، فأول ضحاياها أنت قبل غيرك الذين حرمتهم الوصول إليك لبيان الحقيقة، وحرمت نفسك فرصة السماع منهم بسبب هيمنة هذه العصابة!.
هذا ما داموا على رأس العمل معك، وعندما يبتعدون عنك لأي سبب فهم أول من يتحدث عن مثالبك وأخطائك، وبالذات عند أول حظ يفوتهم منك، وكم هم الذين تبدلت أحوالهم بعد التقاعد مثلاً، فبعد أن كانوا يستميتون في الدفاع عن مسؤوليهم، ولا يسمعون فيهم ويتوسلون لهم إذا بهم بعد التقاعد ناقمين ساخطين لا يفترون في سرد المواقف والأسرار الشخصية، ويتحولون من مدافعين إلى ألسنة حداد في كيل السباب والشتائم على أرباب نعمهم، لا يدعون نقيصة إلا وصموهم بها!!.
فإياك أن تتخذهم بطانة لك، تمكنهم ليقودوك إلى الفشل، وعندها لا تفيد الحسرة ولا تنفع الندامة! يصفهم لندين بقوله: (.. حقاً هم الفرسان المضللون للقيادة الضعيفة للمؤسسات..).
لذا فإن المسؤولين الحاذقين - على اختلاف مسؤولياتهم - لا ينخدعون بهذا النوع من البشر ولا يسمحون لهم بمزاولة مهنتهم الوضيعة بتقديم القرابين البريئة للتزلف والوصول، وذلك أن الانتهازيين هم أول من يسيء للمسؤول الذي يطوقونه.
وأخيراً.. فقد تبدو الحياة للرجل في بيئة يغلب عليها الانتهازيون محنة، لكنها في حقيقتها منحة ربانية ونعمة إلهية؛ فالله تعالى قد يبتليه بها فيثيبه، ويطلعه على مواقف متعددة تثري خبرته وتصهره في بوتقة الممارسة والصبر على فتن الحياة بمحنها ومنحها ليخرج منها أصلب عوداً وأقوى شكيمة وأنقى سريرة وأسلم مقصداً، وأمضى عزيمة، وأوضح رؤية، ثاقب النظر حاد الفراسة، لا تلتبس عليه المواقف ولا ينخدع بالمظاهر ولا يغشه المتشدقون والمتكسبون بالأخلاق المزيفة.. وإنها نعمة لا تقدر بثمن، ولا ينالها كل أحد.
ومن نعمة الله تعالى - أيضا - أن يحفظ المرء من الانسياق في هذا التيار الجارف أو الذوبان في مستنقعه أو السقوط في حبائله والسير في ركابه، بل من أعظم النعم أن يمُنَّ الله تعالى عليه بشرف الوقوف في وجه هذا التيار وفضح رموزه في البيئة التي يعيش فيها.
عناوين مقترحة
* ضعف الإيمان بالله تعالى وقلة الوازع الديني، وعدم الخوف من الله جل وعلا ومراقبته في السر والعلن وراء الانتهازية
* الانتهازية المذمومة تؤدي إلى تفريط بالمصالح العليا للدولة والإضرار بالمجتمع
* الانتهازيون يحرمون الأمة من العقول التي تدفع مسيرة التنمية
* التملق للتخلص من عبء المساءلة والمحاسبة هو حال الفساد أو التقصير
* الكذب وخداع المسؤول سمة واضحة في الانتهازي
* الأسرة المكان الأول في تفريخ الانتهازي
* الرقابة على الانتهازيين في حاجة إلى رقابة أخرى، فكيف تداوي الناس وأنت عليل؟
* المال سبب رئيس في خروج الانتهازيين وهم أول من يسيء للمسؤول الذي يطوقونه
* فَقْد الروح المعنوية والعطاء للمجتمع نتاج لوجود الانتهازيين في مؤسساتنا التعليمية وغيرها
* اضطرابات وتوتر وقلق وعدم راحة البال مصير الانتهازي وقد لا يشعر بها إلا عندما تتقدم به السن!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.