م. ثامر بن محمد بن مقحم المهيد *

حلول على غير المألوف

ذات مرة, قبل خمسة أعوام تقريباً وضمن الخطة التدريبية الموضوعة لي من قِبل الشركة، حضرت إحدى الدورات التدريبية الخاصة بالعقود بشكل عام مع التركيز على العقود الحكومية (الفيدرالية)، وكان مقر الدورة أمريكا.
ومما لفت نظري إلى جانب تنظيم الحكومة الأمريكية لعقودها مثال ضربه المحاضر لنا ألا وهو أنه عندما أعلن فرع مكتب هيئة الطرق الفيدرالية بإحدى الولايات عن طرحه مناقصة إنشاء وصلة في طريق سريع، تلقى المكتب عدة عطاءات وتم تحديد موعد لفتح مظاريف العطاءات ليفاجأ الجميع بعطاء أحد المقاولين وكانت قيمة إنشاء العقد صفراً نعم مجاناً، ولكن مهلاً كما يقولون هناك: ليس هنالك غداء مجاني؛ فقد وضع المقاول شرطاً واحداً لتنفيذ العقد بدون مقابل ألا وهو أن تسمح له هيئة الطرق بالانتفاع من الجزيرة الموجودة في وسط الطريق لفترة زمنية معيّنة وذلك لكي يؤجرها على شركات تقديم الخدمات من هاتف وغيره، ولقد أعجبت الفكرة هيئة الطرق وأرست العطاء عليه.
ولكن لم يسلم هذا المقاول من حسد وكيد باقي المقاولين، حيث قاموا برفع شكواهم إلى المحكمة وبعد نظر المحكمة لحيثيات القضية جاء حكم المحكمة مخيباً لآمال المقاولين والحكم بصحة قرار هيئة الطرق بترسية العطاء على المقاول نفسه صاحب التكلفة صفر، وجاء في تبريرات الحكم أن فكرة المقاول عبقرية وغير مسبوقة ولم يأت قرارها من باب شد لي وأقطع لك.
ما يمكن استخلاصه من هذا المثال الرائع أنه بإمكاننا تطبيق مثل هذه الأفكار الإبداعية لدينا، فخذ على سبيل المثال لو أن إدارة المرور أعلنت عن مناقصة توريد وتركيب وصيانة كاميرات مراقبة السرعة وإشارات المرور للحد من السرعات العالية ومن قطع الإشارات، وتشترط الإدارة على المقاول تحمّل كافة المصاريف، أي بمعنى آخر أن تكون التكلفة عليها لا شيء مقابل أن يستفيد المقاول من ريع هذه الكاميرات لفترة زمنية معينة.
ويجب أن يكون العقد واضحاً من حيث واجبات كل جهة، مثلاً على المقاول توريد كاميرات من نوع ومواصفات معيّنة بأن تكون موزعة حسب العدد المطلوب من قِبل الإدارة والأهم من ذلك أن يقوم على صيانتها خلال مدة انتفاعه ليتسنى للإدارة تسلّمها بعد ذلك سليمة وليست خردة، وأهم واجب على الإدارة أن تضمن تحصيل قيمة المخالفات وتسليمها للمقاول.
لو درست هذه الفكرة بتعمّق مع الوضع نصب العينين الفائدة للمقاول وإدارة المرور دون التغليب المفرط لمصلحة طرف على طرف آخر لنجحت هذه الفكرة، حيث لا يخفى على الجميع كثرة قطع الإشارات وكذلك السرعات العالية وهذا سوف يكون حافزاً لكثير من المقاولين لدخول مثل هذه المناقصة.
هل نعمل بمثل هذه الفكرة أم ننتظر الميزانية أو نكثف من الحواجز المرورية والدوريات السرية والتي على الرغم من تحقيقها نجاحاً ملحوظاً فليس هذا هو الهدف، بل الهدف هو القضاء على هذه الظاهرة، وكذلك توفير الجهد والمال قدر المستطاع وللقارئ الحكم.