الطفرة والمناقصات ارتباط (اقتصادي- ذهني قديم)!! صورة مشرقة لحقيقة يمتاز بها الوطن.. حين تفيض الثروة يفيض العطاء.. وحين (يغلا) النفط!! يرخص لخير البلاد وأهلها.. هنا في (الجزيرة) كان وقع الخبر علينا مبهجاً!! ونحن نواكب بواكير نظام جديد للمشتريات والمناقصات الحكومية الذي يعكف مجلس الشورى الموقر على دراسته، ليقيننا أن نظاماً جديداً كهذا أصبحت تتطلبه المرحلة الاقتصادية الراهنة، للمساهمة في تحقيق أداء أفضل للسياسات المالية الحكومية، ولحرصنا على القيام بدورنا الإعلامي وفق مهنية اعتدناها هنا في (الجزيرة) تقتضي منا إشراك الطرف الأهم، وهو القطاع الخاص العامل في مجال المقاولات والصيانة والتشغيل، هذا القطاع المهم والحيوي الذي ما زال يقوم بالمساهمة في بناء جزء كبير من البنية التحتية للوطن ويساهم في صيانتها والمحافظة عليها. إعداد موضوع كهذا أمر متشعب يقودك أحياناً إلى جوانب أخرى من الاقتصاد، تجدك تارة في قطاع وتارة أخرى في آخر!! انعكاس لحقيقة أن الاقتصاد أصبح أكثر ترابطاً وتوسعاً، والقطاعات أصبحت مناطق التقائها أكثر فسحة مما سبق!! قد تُسرُّ كمواطن حينما تسمع من بعض الشركات والمؤسسات أن بعض القوانين صارمة لدرجة أنها قد تدفعهم للفشل!! لكن الأمر حتماً سيسوءك إن كنت اقتصادياً يعي أبعاد مناخ استثماري لا يحقق الكفاءة الاقتصادية!! ليس لنا الحكم على ذلك ولا نسعى إليه!! لكننا على يقين أن المنتمين لهذا القطاع لديهم ما يقولونه وعلينا نقله. من بين المنتمين لهذا القطاع من خلال ترؤسه للجنة المقاولين في الغرفة التجارية الصناعية بالرياض المهندس ناصر بن محمد المطوع الذي أشار إلى أهمية إعادة إصدار نظام للمشتريات الحكومية لما يمثله من ضرورة في ظل المتغيرات الاقتصادية الحالية وما يتطلبه واقع الاقتصاد اليوم، وكان الأمر الرئيس الذي ركز عليه المهندس المطوع أن يكون نظام المشتريات الجديد متوازناً وحافظاً لحقوق طرفي العقد، وأن يبعد عن صيغة الإذعان السائدة في صيغته الحالية.. وأن يكون مشجِّعاً وداعماً لقطاع المقاولين لا منفِّراً وطارداً لهم.. وفي ذات الوقت يعطي مساحة أرحب للوزارات فيما يخص الصلاحيات والبت في المناقصات.. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن هذا التغيير لا بدَّ أن ينسحب على عقود التنفيذ الإنشائية وعقود التشغيل والصيانة والتوريدات. ولم يفوت المهندس المطوع أن يذكِّر بأن الظروف التي صدر فيها النظام الحالي قبل ثلاثين عاماً هي ظروف مختلفة عن واقع الاقتصاد اليوم. ويشارك المهندس المطوع في هذه الرؤية كثيرون ممن استطلعنا آراءهم لمعرفة إشكالات هذا القطاع وأهمية تطوير بيئته التنظيمية، في حين يرى الأستاذ عبد الإله اليوسفي مدير عام مؤسسة اليوسفي للمقاولات أن استبعاد الممثل المالي من لجنة الترسية سيؤدي إلى تقليص مساحة الخلل الإداري، ويؤدي إلى تخفيض أسعار المناقصات، وهو في نظره أهم البنود التي يجب مراعاتها. وحول الآلية الحالية لترسية المناقصات الحكومية التي تعتمد على أقل العروض سعراً يرى د. محمد بن سعود البليهد نائب الرئيس والمدير التنفيذي لمجموعة سدر أن هذا لا يساعد بالضرورة على اختيار المقاول المتميز فنياً والأنسب مالياً، ولتعديل هذه الآلية يرى: * طلب عروض فنيه ومالية من كافة المتنافسين، ويتم تحليل العروض الفنية أولاً واستبعاد كافة العروض غير المطابقة للمتطلبات الفنية للمنافسة. * عمل تقدير مالي لتكاليف المشروع من الجهة المعلِنة عن المنافسة، وتحديد نطاق سعري للتكلفة عن طريق لجنة متخصصة يكون اجتماعها بعد تقديم المنافسين لعروضهم وقبل فتح العرض المالي، وذلك منعاً لتسرب المعلومات وحفاظاً على الشفافية لتحديد نطاق سعري للتكلفة الفعلية واستبعاد كافة العروض التي تخرج عن هذا النطاق. * ترسية المشروع على المتنافس الذي يقبل عرضه فنياً ويكون سعره أقل الأسعار في النطاق السعري. أما حول صياغة العقود الحكومية فيرى د. البليهد أن فيها كثيراً من الإجحاف بحق المقاول، ولأنه عقد بين طرفين لذلك تجب حماية كلا الطرفين. وساق د. البليهد مثالاً في ميل العقود لصالح طرف عن الآخر؛ حيث إن كافة العقود الحكومية تطبق غرامة تأخير عن تنفيذ أعمال أو توريد مواد يشملها العقد، في حين أنه لا يحق للمقاول المطالبة بالتعويض عند تأخير مستحقاته، في حين أن أي تأخير زمني للدفعات المالية هي تكلفة إضافية يتحملها المقاول كمصاريف تمويل لا ذنب له فيها، وكذلك يشدد على أهمية إعادة النظر في عقود الصيانة والتشغيل واعتماد عقود الأداء وتأدية الخدمة بديلاً للعقود المنفذة حالياً التي تنص على أعداد محددة لليد العاملة.. حيث إن عقود الأداء ستخفض التكلفة وستقدم خدمات عالية المستوى. ويضيف: إن اعتماد هذه الآلية يساعد على المحافظة على المقاولين المتميزين، وفي نفس الوقت سيضطر مَن لا يستطيع الوفاء بهذه الالتزامات إلى الخروج من السوق، وهذا بلا شك سينعكس إيجاباً على الحفاظ على المباني والمرافق الحكومية وكافة مشاريع البنية التحتية التي صرفت عليها الدولة - أيدها الله- الأموال الطائلة دعماً للمواطن والاقتصاد الوطني. أما المهندس عبد الرحمن الهزاع، مدير الشؤون الفنية بمؤسسة القسي العالمية للمقاولات، فقد أبدى ملاحظاته حول كثير من المواد، مشيراً إلى أنه ورد في القانون الحالي أنه في حالة ارتفاع العروض عن أسعار السوق بشكل ظاهر فيطلب من صاحب العطاء الأقل تخفيض سعره إلى الحد المعقول، أو أن يتم التفاوض مع مَن يليه.. حيث إن بعض الجهات الحكومية تحتج أن سعر السوق هو المبلغ المرصود في الميزانية، وعليه تقوم بالمفاوضة مع المقاولين لتخفيض عروضهم؛ مما يسبب تعريض المشروع للفشل والمقاول للخسارة بسبب تنافس بعض المقاولين في تخفيض عروضهم إلى سعر يقل عن سعر التكلفة أحياناً. ويقترح لتجاوز ذلك أن تقوم الجهة الحكومية المالكة للمشروع بإعداد دراسة دقيقة للتكاليف التقديرية واستبعاد العروض التي تجاوزت التكلفة التقديرية بنسبة 20%، سواء بالزيادة أو النقصان، وقد سبق أن أشارت وزارة المالية إلى استبعاد العروض التي تقل 30% من التكلفة. كما أشار المهندس الهزاع إلى أهمية الرد على استفسارات المتنافسين؛ حيث غالباً ما يتأخر الرد أو لا يأتي. ويقترح أن يضاف إلى النظام الجديد ضرورة قيام الجهة الحكومية بالرد على استفسارات المقاولين في موعد أقصاه أسبوعان من تاريخ تسليم العروض. ويشير المهندس الهزاع إلى قيام بعض الجهات الحكومية بإضافة شروط تلحق بالعقد وتسمى أحياناً الشروط الخاصة، وهي تتضمن بنوداً مجحفة بحق المقاول من حيث الإجراءات الجزائية أو طريقة احتساب مستحقات المقاول..!! ويقترح لتجاوز ذلك تشكيل هيئة من وزارة المالية والجهات الحكومية والغرف التجارية (لجنة المقاولين) تقوم بإعداد صيغ موحدة للعقود، وتكون هذه الجهة هي المرجعية لتفسير أي خلاف ينشأ بين المالك والمقاول. أما حول الإعلان عن المنافسات الحكومية التي تسبق تقديم العطاءات بمدة شهر يرى المهندس الهزاع أن هذه المدة غير كافية، إضافة إلى تأخر بعض الجهات الحكومية في الإعلان عن المنافسات؛ مما يسبب إحجام كثير من الراغبين في الدخول في المنافسة لضيق الوقت لدراسة العرض، كما أن الإعلانات الحكومية غير مدفوعة بالصحف مما يجعلها في صحف قليلة الانتشار أو بمساحة صغيرة لا يمكن ملاحظتها، كما أن هناك صعوبة في متابعة الإعلان!! ويقترح المهندس الهزاع لذلك تعديل المادة بحيث يصدر الإعلان الأول بمدة لا تقل عن شهرين، وأن يصدر في جميع الصحف المحلية في هذا الموعد، مع إلزام الجهات الحكومية بالإعلان المدفوع بالصحف المحلية، على أن يكون مقاس الإعلان مناسباً، ويكون أيضاً إصدار نشرة يومية بالإعلانات الحكومية تكون هي المرجعية لجميع المناقصات والمزايدات المطروحة من قِبل مؤسسات الدولة. كما يمكن أيضاً نشر الإعلان على موقع الجهة الحكومية على الإنترنت، بالإضافة أيضاً إلى أن تكون إعلانات صحيفة أم القرى على شبكة الإنترنت. ومن خلال حديثنا مع عدد من المنتمين إلى القطاع أثناء إعداد هذا التحقيق أشار كثير منهم إلى المبالغة الكبيرة في قيمة بيع وثائق المنافسة، كما أشاروا إلى أهمية مراعاة مدة العقود لمشاريع التشغيل والصيانة التي ينبغي أن تكون خمس سنوات بالنظر إلى أنها المدة المعقولة لمشاريع هذا القطاع. وركز عدد من المنتمين إلى القطاع على أهمية استخدام التقنية الحديثة في الإعلان عن المنافسات، وأصر البعض على ضرورة إعلان المنافسات على شبكة الإنترنت، وأن تكون هناك قائمة بريدية إلكترونية بكل شركات المقاولات والصيانة المؤهلة ترسل لها المناقصات عن طريق الإنترنت ولجميع المنتمين للقطاع، ويفتح المجال لأي مقاول أو شركة بالانضمام إلى هذه المجموعة البريدية، ويمكن تزويد كل دائرة حكومية بهذه القائمة. وقد شدَّد البعض على أهمية تحديد رواتب ومميزات الموظفين السعوديين ضمن كراسة الشروط والمواصفات في حالة العقود التي تستلزم ذلك؛ حيث إن ذلك يساعد المقاول على القيام بدوره الوطني في سعودة الوظائف بشكل أكثر فاعلية. كما اشتكى الكثيرون من تأخير المستخلصات وما يجرُّه على القطاع من إشكالات تضطر إلى الاقتراض، وأشاروا إلى أن الضمانات المالية التي تؤخذ على المقاول والمستخلص الأخير كفيلة بالنظر في إعادة العمل بنظام الدفعة الأولى. ولم يغفل البعض عن أهمية النظر إلى الاقتصاد ككل بحكم التأثير والتأثر بين القطاعات، وأن أسلوب اعتماد العطاءات الأقل محاسبياً بغض النظر عن الجوانب الفنية الأخرى قد يخلق بيئة من المنافسة تسعى إلى تخفيض التكلفة دون النظر إلى الاعتبارات الاقتصادية التي قد لا يقتصر تأثيرها على القطاع، وإنما يعم أثره جميع القطاعات.