خطوة إيجابية موفقة تلك التي صدر بها الأمر السامي الكريم المتضمن الموافقة على إنشاء صندوق إبراء الذمة وفتح حساب مصرفي خيري فتحه بنك التسليف السعودي ليودع فيه من يرغب من المواطنين والمقيمين أي مبالغ يرون أنهم حصلوا عليها بغير وجه حق، وأن هذا الحساب سيكون موجوداً لدى أحد البنوك في مختلف مناطق المملكة أو خارجها، وستستخدم تلك المبالغ في تقديم تمويلات لأغراض اجتماعية مثل: الزواج، وقروض الأسر، وترميم المنازل، ويمكن لمن يرغب في الاستفسار عنه الاتصال ببنك التسليف أو زيارة موقعه على الإنترنت. وقد كان التجاوب سريعاً ولله الحمد، ففي تصريح لوزير المالية الدكتور إبراهيم العساف أوضح فيه أن المبالغ التي تم إيداعها في حساب إبراء الذمة وصلت خلال شهر من الإعلان عن الصندوق إلى (52.83) مليون ريال، أودعها (125) فرداً تراوحت مبالغ إيداعاتهم ما بين 20 مليوناً و500 ريال. لقد فطر الله الإنسان على حبه للمال والتعلق به، فقال تعالى: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) (20) سورة الفجر. وقال عز وجل: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن شبابه فيما أبلاه وعن عمره فيما أفناه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به). ففي هذا الحديث بيّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإنسان يسأل عن ماله هل اكتسبه من طرقه المشروعة وأنفقه في مصارفه المشروعة أم في غير ذلك. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الهجرة إلى المدينة لا يصلي على من يموت وعليه دين لم يخلف له قضاء، فمن الأحاديث التي وردت في ذلك حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أتي بجنازة لم يسأل عن شيء من عمل الرجل ويسأل عن دينه فإن قيل عليه دين كف عن الصلاة عليه، وإن قيل ليس عليه دين صلى عليه). فإذا كان الأمر متعلقاً بمن عليه دين، وقد يكون عاجزاً عن السداد على الرغم من رغبته برد حقوق الناس، فكيف بمن اختلس وسرق أموال الناس بنية وترصد وإصرار والعياذ بالله. وقد يشعر الإنسان بخوف من الله سبحانه وتعالى، وحرارة الذنب والندم تلسع قلبه وتقلق عيشه، فيقول: سأرد الحقوق المالية التي في ذمتي للناس أو لبيت مال المسلمين من خلال التصدق بها، وقد بيّن أهل العلم الأحكام المتعلقة بهذا الأمر، جاء في كتاب جامع العلوم والحكم لابن رجب ما نصه (وأما الصدقة بالمال الحرام فغير مقبولة.. كما في صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول). وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما تصدق عبد بصدقة من مال طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - إلا أخذها الرحمن بيمينه) إلى آخر الحديث، وفي مسند الإمام أحمد -رحمه الله - عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يكتسب عبد مالاً من حرام فينفق منه فيبارك فيه ولا يتصدق به فيتقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث)، ويروى من حديث رواح عن ابن حجيرة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كسب مالاً حراماً فتصدق به لم يكن له فيه أجر وكان إصره (إثمه وعقوبته عليه))، أخرجه ابن حبان في صحيحه ورواه بعضهم موقوفاً على أبي هريرة. وفي مراسيل القاسم بن مخيمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصاب مالاً من مأثم فوصل به رحمه وتصدق به، أو أنفقه في سبيل الله جمع ذلك جميعاً ثم قذف به في نار جهنم). وروي عن أبي الدرداء ويزيد بن ميسرة أنهما جعلا مثل من أصاب مالاً من غير حله فتصدق به مثل من أخذ مال يتيم وكسا به أرملة. وسئل ابن عباس رضي الله عنه عمن كان على عمل فكان يظلم ويأخذ الحرام ثم تاب فهو يحج ويعتق، ويتصدق منه فقال: إن الخبيث لا يكفر الخبيث، وكذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن الخبيث لا يكفر الخبيث ولكن الطيب يكفر الخبيث. وقال الحسن: أيها المتصدق على المسكين ترحمه ارحم من قد ظلمت. شكراً لمن طرح هذه الفكرة وتبناها وأقرها، وأسأل الله العلي القدير للمتجاوبين معها الغفران والقبول. وموضوع إبراء الذمة يحتاج إلى وقفات طويلة لا أود الإطالة على القارئ بها، وسوف أتناول في مقالة قادمة موضوع إبراء الذمة من حقوق الناس إن شاء الله تعالى.