في أحد الحوارات التي عقدت عن فرص العمل في القطاع الخاص في المملكة رؤي أن هذه الفرص لو تم استغلالها من المواطنين لن تكون هناك مشكلة في التوظيف ولن يكون هناك شباب سعوديون سواء كانوا جامعيين أو غير جامعيين بدون عمل ذلك أن عدد العاملين غير السعوديين في القطاع الخاص فقط يصل إلى ستة ملايين، بل قل خمسة أو أربعة ملايين، والذين تبلغ تحويلاتهم المالية إلى بلدانهم سنوياً آلاف الملايين بل إنه في سنة (1994م) وخلال فترة الطفرة الاقتصادية بلغت هذه التحويلات (60) مليار دولار، فلنتصور لو أن هذه الفرص الوظيفية المليونية أو على الأقل نصفها مشغولة بسعوديين ما الذي سيترتب على ذلك؟ والإجابة معروفة لدى الجميع إلا أننا في كثير من الأحيان نحاول تجاهلها، سيترتب على ذلك عدم وجود ما يُسمى بالبطالة وسلبياتها المريرة، لن يكون هناك شاب أو مواطن بدون وظيفة سيكون هناك إحساس بالمسؤولية من المواطنين تجاه بلادهم فخدمتهم في القطاع الخاص تصب في النهاية لمصلحة الوطن لكون القطاع الخاص يشكل رادفاً مهماً للاقتصاد الوطني، سيترتب على ذلك أيضاً تلافي سلبيات بعض العمالة الوافدة.. إن العمالة الوافدة ساهمت مشكورة في خدمة الوطن، لكن (الأقربون أولى بالمعروف)، فمثلاً لو أن ذلك المبلغ الضخم الذي حوّل سنة (1994م) أو نصفه أو أي جزء منه، أو أي مبلغ حوّل قبله أو بعده قد استثمر في بلادنا.. ماذا ستكون النتيجة؟ إنها معروفة بدقائقها لدى الاقتصاديين بالدرجة الأولى ولدى غيرهم بصورتها العامة، إنها مزيد من الرخاء الاقتصادي والاستثماري والرفاهية الاجتماعية وفرص العمل، إن أحداً منا لا يستطيع أن ينكر أن بلادنا كانت في حاجة للعمالة الوافدة وبالذات خلال مرحلة الإنشاء والتعمير وتأسيس البنية التحتية، لكن بعد اكتمال تلك الأسس كان من المفترض أن تنخفض أعداد تلك العمالة بحيث يبقى منهم من لا زالت الحاجة إليه مستمرة، كما أنه من المفترض إيجاد تنظيم دقيق لإحلال السعوديين بدل غيرهم في القطاع الخاص وبالذات في تلك الأعداد الهائلة من الوظائف التي يمكن إدارتها من المواطنين بسهولة وبدون الحاجة إلى تدريب فني ونحوه، إن نسبة (5%) أو (10%) من العاملين السعوديين في مؤسسات وشركات القطاع الخاص وبالذات في هذا الوقت تعتبر نسبة ضئيلة جداً، وهي لا تزيد عن كونها نسبة رمزية تُعبِّر عن مجرد المشاركة فقط، وهذه النسبة تُلاحظ عندما يقوم أي منا بمراجعة البنوك أو المؤسسات أو الشركات الكبيرة فضلاً عن المنشآت الخاصة والأعمال الفردية. إن القائمين على أمر هذه المؤسسات والشركات مواطنون لديهم من الإحساس الوطني ما لدى أي منا ونحن لم نثر هذا الموضوع إلا لمجرد التأكيد والتذكير فهم لديهم أبناء وبالتالي لديهم الإحساس بمشكلة التوظيف. فالجامعات والمعاهد يتخرَّج منها سنوياً الآلاف فإذا لم يكن هناك تعاون وتنسيق وجدية بين مؤسسات القطاع الخاص والجهة الحكومية المعينة كوزارة العمل في سبيل التوظيف في القطاع الخاص فإن عملية التوظيف في القطاع الخاص قد تستمر على محدوديتها، إن الجهاز الحكومي مكتفٍ حالياً من الموظفين ومهما قام هذا الجهاز بالتوظيف فإنه لن يتمكن من تغطية جميع طالبي العمل وهو أمر طبيعي فكل جهاز حكومي لديه مسؤوليات محددة وهو يوظِّف في حدود تلك المسؤوليات والزيادة عن ذلك تعني التضخم الوظيفي والبطالة المقنَّعة، وهما أمران غير مطلوبين لسلبياتهما الإدارة والمالية. إن البعض يطالب ومطالبته مشروعية ومنطقية بأن يكون معظم مهام مكاتب العمل تتعلق بالتوظيف في القطاع الخاص تخطيطاً وتنفيذاً ومتابعة وليس مجرد الاستقدام ومعالجة المشاكل العمالية، فالشاب السعودي يهمه الآن فرصة العمل الكريمة التي يستطيع بها المساهمة في خدمة بلاده وتأمين متطلباته وسواء كانت فرصة العمل هذه في القطاع العام أو الخاص وليس الأمر كما هو في السابق حيث كان الشباب يركزون رغباتهم على الالتحاق بالعمل الحكومي والمؤمل هو العمل الجدي من كافة الأطراف المعنية سواء وزارة العمل أو مؤسسات القطاع الأهلي في سبيل تحقيق رغبات شبابنا حتى لا يكونوا فريسة للفراغ وسلبياته وهم إن شاء الله على مستوى المسئولية، فقد سبق أن سئل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام - حفظه الله - إن كان هناك ما يدعو إلى إلزام القطاع الخاص بتوظيف الشباب السعودي؟ فأجاب سموه بأن القائمين على القطاع الخاص لديهم إحساس وطني يقودهم إلى فتح المجال للشباب للعمل لديهم أكبر من أن يتم إلزامهم بذلك. إذا فإن الكرة الآن لدى القطاع الخاص والمعنيين بشؤونه، كما أن على الجهات التعليمية وبالذات (المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني) تكثيف عدد المعاهد الفنية والتدريبية لاستيعاب الخريجين من الثانوية العامة ونحوها من أجل تأهيلهم للعمل في تلك المجالات بالقطاع الخاص، كما أن المؤمل من (وزارة التربية والتعليم) وضع مبادئ توعوية وتثقيفية في المرحلة الثانوية حول الأعمال الفنية والتدريبية تمهيداً لترغيبهم فيها وبالتالي التحاقهم بها. وفي هذا الإطار أيضاً فإنه ليس بمستغرب ذلك التصريح الذي أدلى به صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود وزير الداخلية - وفقه الله - للصحفيين حول نية الدولة خفض أعداد العمالة غير السعودية، وذلك بتحديد سقف أعلى للعمالة ومرافقيها في المملكة كنسبة مئوية من السكان السعوديين لا تتجاوز (20%) في مدة لا تتجاوز عشر سنوات مع إجراء توازن بين جنسيات العمالة الوافدة ومرافقيها بحيث لا تزيد نسبة أي جنسية عن (10%) من مجموع العمالة الوافدة وذلك للأسباب التي أشار إليها سموه وهي: * إيجاد مزيد من فرص العمل للمواطنين بشكل إستراتيجي إذ لا تقتصر مشكلة التوظيف على الوقت الحاضر فقط بل إن المقصود معالجة المشكلة في الحاضر والمستقبل فهذه المشكلة قد تتفاقم وتزداد إذا لم توجد لها الحلول الجذرية وذلك بسبب تزايد أعداد الخريجين من الجامعات والمعاهد المتخصصة تبعاً لزيادة نمو السكان فالوظيفة الحكومية قد لا تكون في نظر سموه ونظر الكثير المجال الذي يستوعب كل أولئك الخريجين ذلك أن الوظيفة الحكومية مهما بلغت حاجتها للأيدي العاملة فلن تصل أبداً إلى مستوى حاجة القطاع الأهلي والمهن الحرة، فالتوجه الذي ورد في تصريح سموه سوف يؤدي إن شاء الله إلى الحد من العمالة الوافدة بصورة تدريجية على مدى العشر سنوات القادمة وإتاحة المزيد من فرص العمل للمواطنين. * الحد من أعداد التحويلات المالية الكبيرة للعاملين غير السعوديين التي قد تصل سنويا إلى ملايين المليارات من الريالات وذلك من أجل حماية الاقتصاد الوطني، لأن بلادنا هي الأولى بتلك المبالغ من ناحية أخرى. ومن ذلك يتبيَّن أن الاهتمام بسعودة الوظائف والمهن سواء في القطاع الأهلي هو محل اهتمام القيادة العليا والمسئولين المعنيين، كما أن هذا الجانب لم يغفل من جانب الجهاز المعني بالقوى العاملة في القطاع الخاص وهو وزارة العمل خصوصاً أن هذه الوزارة يقوم عليها رجل مشهود له بالجدية والإخلاص، وأنجز في هذا المجال الكثير منذ تسلمه مسئولية هذه الوزارة، إلا أنه تبقى جهود وإجراءات أخرى تتعلق بأسلوب التنفيذ والمواطن والقطاع الأهلي، التي تلعب دوراً في ذلك ومنها: * التنفيذ الدقيق والسليم للأوامر والتعليمات والأنظمة التي صدرت في مجال السعودة. * المتابعة المستمرة من أجل استمرار فعالية تنفيذ تعليمات السعودة من قبل الجهات المعنية. * تفاعل المواطن مع توجه السعودة إن كان يعمل حالياً بالإخلاص في عمله والتفاني فيه وإن كان يرغب الالتحاق بالعمل فعليه أن يكون جاداً في رغبته وأن تكون نظرته للأعمال المناسبة نظرة واحدة. * تعاون القطاع الأهلي بمؤسساته وشركاته في هذا الجانب وأن يكون هناك شعور بأن توظيف المواطن في هذا القطاع إنما هو واجب وخدمة وطنية وأن يكون ذلك هدفاً إستراتيجياً لدى هذا القطاع وليس مجرد مساهمة أو مشاركة أو مجاملة.