البيت دافئ، لا يشبه برودة السماء التي يوحي بها صوت الرياح ولون الغيوم الرمادية من خلف زجاج النافذة، نافذة البهو مكشوفة الستائر، تنظر من خلالها طفلة بينما تقف على كرسي بجوار طاولة الهاتف. وتقول: (ماما ماما)، وتتلقى صمتاً. وتعيد: (ماما ماما) الأم تجيب ببطء وعيناها مغروستان في الشاشة: (نعم حبيبتي). الطفلة: (لماذا لا نذهب إلى الحديقة؟). - (شادن، قلت لك إن الجو بارد في الخارج. عزيزتي، لا تكرري نفس الأسئلة). - (لماذا لغد في الخالج وهو بلد؟). - (رغد في المدرسة، وليست في الحديقة). - (متى تجيء لغد من المدلثة؟). الأم ما زالت متجهة نحو الشاشة: (يا شودي كم مرة سألتِ نفس السؤال، الوقت مبكراً على عودتها). شادن: (طيب، وفيثل؟). الأم، تدعك أطراف أصابعها وتنظر للشاشة: (وفيصل أيضاً، فيصل ورغد يعودان في وقت واحد. لا تكرري السؤال حسنا؟). شادن تجري، تجر الكرسي من أمام طاولة الهاتف، تضعها تحت رفوف تمتلئ تحفا ومزهريات مصفوفة. تصعد الطفلة على الكرسي، تمسك بالمزهرية، تقهقه وتصرخ: (هيي! مثكتها) وتتابع ضحكاً. الأم تلتفت: ماذا تفعلين؟! تنهض وتنزل طفلتها، وتقول بلهجة تنبض بحرارة: (كم مرة أقول لك لا تقتربي نحو هذه الرفوف). شادن تقف صامتة، ترفع رأسها إلى الأعلى تنظر إلى أمها، وتتابع النظرات إلى عينيها الشاردتين في كل شيء إلا الطفلة، وتلحقها وهي تعيد الكرسي إلى مكانه، ثم تجلس على نفس الأريكة، مقابل التلفزيون، وتعود لغرس عينيها في شاشته. شادن تنظر للأم: (ماما ماما) وتكرر: (ماما ماما.... وبابا؟ متى يجيء؟). تجيب الأم، والعينان معلقتان في الشاشة: (بابا يتأخر يا حبيبتي). شادن تجري، تذهب نحو المطبخ، وتنادي: جيني، جيني!.... متى فيه فيثل يجيء مدلثة؟) الخادمة منهمكة أمام مغسلة الصحون. شادن تكرر: (جيني جيني!! فيثل فيثل متى مدلثة يجيء؟). تنظر الخادمة إلى ساعة معلقة في الجدار، وتقول: (لا ما فيه يجيء، ممكن 3 سائة). شادن: تتمتم وهي تجري: (ثلاثة ثاعة، واحد، اثنان، ثلاثة. هيي!!) تقفز وتقهقه، وتجري وتضحك مندفعة نحو غرفة أطفال، تقفز على السرير والشعر يتطاير مع بهجتها، وتقهقه، تتوقف وتنظر إلى المخدة، والفكرة تراودها، فتقفز نحو الأرضية، وتضحك. تسحب وسادة تلو الأخرى من الغرفة، لتركمها - بمهارة - في البهو، وتعود إلى الغرفة وتحضر أجمل لعبة في شكل طفلة صغيرة قماشية، تأخذها للبهو وتركنها إلى الجدار، وتقبلها وتحدثها: (شاهديني أنا أقفذ فوق الوثادات!) تندفع نحو الوسائد تقفز وتتخطاها، وتدور وتنظر إلى ركام الوسائد، وتصرخ: (هيي! ما ثقطتْ الوثادات! لم توقعني! شاهدتي يا توتي؟) وتقهقه. وتبتعد، وتكرر، وتقفز وتصرخ وتقهقه، وتكرر وتكرر. الأم: تنظر منغمسة في الشاشة، لا تصحو منها إلا إليها فتنتبه إلى إعلان، وتتناول ورقة تسجل فيها اسم المنتج. ويزعجها ضجيج شادن، فتوبخ: (شادن! اهدئي يا شادن، ما هذا الصراخ؟). شادن، لا تعبأ، تقفز وتدور وتصرخ وتقهقه. ماما: (شاهدي، أعلف أقفذ، لا أقع!). الأم: (شادن اصمتي!) وتعيد التركيز في الشاشة. وتقفز شادن وهي تنظر إلى أمها: (ماما! شاهدي...) وتقفز تنظر لأمها ولكن تتعثر وتقع فوق الوسائد. تلتفت الأم، وتنهض بسرعة: (آه يا صغيرتي، ألم أقل لك اللعب بالوسائد لا يناسبك؟ أرأيتِ؟ ها أنتِ تقعين). وتنظر شادن إلى أمها وتضحك: (قفذت كثيل ولم أقع، وتوتي شاهدتني، لكن أنتِ لا تشاهدين إليّ إلا وأنا أقع!).