الإعلام وبوسائله المختلفة - وخاصة القنوات الفضائية - المفروض فيه أن يُعنى بنشر ما هو خافٍ عن الناس؛ عن عيونهم وآذانهم، أبصارهم وبصائرهم؛ ليعرف الناس حقيقة ما يدور حولهم، وهذا في حدِّ ذاته هو ما يبتغيه الناس جميعاً من إعلامهم؛ عرباً كانوا أو عجماً !! فالإعلام الغربي.. يهتم بالواقع الاجتماعي الغربي، ويتناول قضايا واقعية ليلفت نظر المسؤولين عنها إليها، أو يركِّز حول ظاهرة ما فيُشبعها دراسة وتحليلا ليرى وجهتي النظر( المؤيدة والمعارضة) حول هذه الظاهرة أو تلك؛ فترى وتسمع عن أبحاث ودراسات واستطلاعات وبرامج حوارية كلها تدور حول واقع المجتمع وهمومه وتحاول حل قضاياه، حتى تلك الدراسات والاستطلاعات التي تُجرى حول المجتمعات الأخرى يكون الهدف منها صالح مجتمعات الغرب؛ وبغرض استخدامها في الحاضر لتنفيذ مخطط عاجل، أو الاحتفاظ بنتائجها لإظهارها في قابل الأيام واستخدامها فيما يفيدهم سياسياً أو اقتصادياً، أو فيما يحقِّق طموحاتهم المستقبلية في العالم من حولهم، أو يفسِّر أحلامهم.. تلك التي يحلمون بها وهم في كامل وعيهم وبأعين مفتوحة فيحوّلُونها إلى واقع ملموس.. فَلْيفخرْ كلُّ غربي بإعلامه الذي يعبِّر عن آماله وآلامه، ويدافع عن قضاياه، همُّه في ذلك الفرد، فما بالك بالمجموع ؛ فهو يُقيم الدنيا ولا يقعدها إذا ما تعرَّض فرد غربي لسوء معاملة -ولو بسيطاً- خاصة إذا كان خارج بلاده؛ مما يجعل الغربي يمشي في كثير من بلادنا وبلاد غيرنا وهو يشعر بالعزَّة أكثر من أبناء البلاد أنفسهم.. من هنا وثق المواطن الغربي في إعلامه وصار يصدِّقُه في كلِّ ما يصدر عنه، ويؤيد كلَّ ما يُنشر فيه، حتى وإن تحامل هذا الإعلام على الآخرين بالكذب حيناً وبالافتراء أحياناً أخرى مادام يصبُّ في ما يُظَنه كل غربي أنه مصلحة عامة!! أما في الإعلام العربي.. إذا ما جلست أمام الفضائيات العربية الكثيرة والمتعددة والمتنوعة، فلا تشعر إلا بالخجل، وتشعر مع تغيير القنوات بالدوار؛ فكلُّ قناة تحاول لاهثة وبكل ما تملك جذب الزبائن -أقصد المشاهد- بداية من المذيعات شبه العاريات، ومروراً بباقي الفقرات التي لا تخلو أبداً من الرقص والغناء والتغنج، والأفكار التافهة التي تُلهي أبناءنا وبناتنا عن كل ما هو نافع ومفيد، وتحشو عقولهم بما لم ينزل الله به من سلطان في ديننا أو عاداتنا وتقاليدنا.. جميع القنوات الفضائية - إلا القليل وهو يمثل قطرة في محيط- تتنافس في كشف المستور ( ليس طبعاً المستور من مخططات أعدائنا لنا، أو ما أعددناه من إستراتيجيات لمواجهة مشكلاتنا التي تتراكم يوما بعد يوم إسلامياً وعربيا، أو مواجهة المسؤولين - الأحياء منهم - بأخطائهم أو نواحي تقصيرهم لإصلاحها أو... أو...) بل تتنافس فضائياتنا في كشف المستور من أجساد النساء لإثارة الغرائز في الشباب ، ليل نهار؛ بهدف جمع المال، حتى كادت هذه الفضائيات أن تقتل فينا - صغاراً وكباراً -البقية الباقية من الغيرة الدينية والنخوة العربية الأصيلة.. وكأن المسؤولين عن هذه القنوات كانوا قد نذروا أن لو أعطاهم الله فضائيات ألا يستعملوها إلا في ما يُغضِب الله، وألا يستروا لنا عورة في وجودها.. و ها هي الفضائيات والمسؤولون عنها يوفون بنذرهم..لا حول ولا قوة إلا بالله!! البرامج الحوارية في فضائياتنا.. أغلبها يدور حول مسؤولين ماتوا، وصاروا من أهل القبور، تتتبع هذه البرامج أخطاءهم وتظهر ما كان خافيا من عيوبهم التي لم تظهر إلا بعد وفاتهم، فيسبّهم من يسبّ، ويلعنهم من يلعن، على ثقة أن ليس هناك من ينافح عنهم ويدافع؛ فهم الآن بين طبقات الثرى، لا حول لهم ولا قوة، ولو أنهم كانوا أحياء ما تجرَّأ مقدمو هذه البرامج أو المتحاورون أو المتصلون بهم أن يذكروا أسماء هؤلاء المسؤولين السابقين دون تفخيم أو تعظيم، وبدون كيل المدح والثناء على رؤوسهم..!! مثل هذه البرامج.. لماذا لا تحل مشكلة قائمة يعاني منها المواطن العربي الآن!! لماذا لا تُوجَّه هذه البرامج إلى المسؤولين الأحياء لمواجهة تقصيرهم حتى يمكن الإصلاح والتقويم؟.. لماذا لا تنزل هذه الفضائيات إلى الشارع العربي ومختلف الدوائر الحكومية وغير الحكومية لنقل السلبيات لإصلاحها، ونقل الإيجابيات وتشجيع أصحابها ليقتدي بهم غيرهم، ومواجهة كلِّ مسؤول بنواحي التقصير التي تُوجَّه لدائرته حتى يمكنه الدفاع عن نفسه؛ فقد يكون على صواب!! أم ننتظر إلى أن يموت ثم ننبش عليه قبره، ونأكل لحمه ميتا بتلك البرامج التي لا تجلب لنا إلا الفُرقة، ولا تزرع في أرضنا إلا العداوة، ولا تولِّد فينا إلا مزيداً من الإحباط، بل إنها لتشتِّت أفكارنا وأفكار أبنائنا بعيداً عما يجب الانتباه إليه، وهو في رأي الكثيرين منا خطير؛ لأنه مسألة حياة أو موت.