في مثل هذا اليوم من عام 1859 صدرت رائعة الأديب الإنجليزي الشهير تشارلز ديكنز (قصة مدينتين) التي تحولت إلى وثيقة تاريخية للثورة الفرنسية. ولد تشارلز ديكنز عام 1812 في مدينة بورتسماوث البريطانية، وقد عانى معاناة شديدة من الفقر اضطرته إلى العمل عندما كان عمره 12 سنة لتسديد ديون العائلة بعد أن أودع والده السجن بسبب تلك الديون. ولا شك في أن هذه الطفولة البائسة قد أثرت في شخصية ديكنز تأثيراً عميقاً، وأمدته بمادة خصبة لرواياته الشهيرة مثل (آمال عظيمة) و(أوليفر تويست) و(ديفيد كوبرفيلد). تعتبر قصص ديكنز المتعمقة في النقد الاجتماعي سجلاً متحمساً متعاطفاً مع محنة فقراء القرن التاسع عشر في إنجلترا. وقد تمتع ديكنز بشعبية كبيرة طيلة فترة حياته، من جهة كقاص مبدع في تصوير شخصياته، ومن جهة أخرى كونه نشر تلك الروايات على دفعات، مما أتاح إمكانية قراءتها لعدد أكبر من الناس. يفتتح ديكنز (قصة مدينتين) بعبارة من أشهر عباراته على الإطلاق هي : (كان ذلك الزمن أفضل الأزمنة، وكان أسوأها) حيث يروي قصة تدور أحداثها في مدينتين هما لندن وباريس. في لندن نتعرف على لوسي مانيت، ابنة الطبيب الفرنسي ألكساندر مانيت، الذي كانت تحسبه ميتاً، ثم تفاجأ بأنه كان مسجونا في الباستيل، ولا تعلم بوجوده إلا بعد إطلاق سراحه، واجتماعه بها في لندن. هنا يصور ديكنز شخصية الأب الذي أنهكته سنوات السجن الطويلة، حيث كان يعمل صانع أحذية خلال تلك الفترة، وهو يخرج أدواته بين الفينة والأخرى ويعود إلى تلك المهنة، كأنه ينسى واقعه الجديد. يتم استدعاء الأب وابنته للشهادة في قضية خيانة يتهم فيها تشارلز دارني، وهو شاب فرنسي لطيف تعجب به لوسي، ويبرأ من تهمته على يد محامٍ شاب. في القصة الكثير من التفاصيل المدهشة، والشخصيات المرسومة بدقة، وهي ذات حبكة مثيرة مليئة بالمفاجآت، بالإضافة إلى أن ديكنز يستغلها لإيصال بعض قناعاته، كإمكانية الإحياء والتغيير الدائمة، التي تتجلى عندما يضحي كارتن بحياته. فهو من جهة يقدم حياة أفضل لغيره، ومن جهة أخرى يكتسب بعداً جديداً لحياته التي تكللت بهذه التضحية، فيموت قرير العين. يطرح ديكنز أيضا أهمية التضحية، حيث يضحي الثوار بكل غالٍ وثمين في سبيل الحرية التي يدركون صعوبتها، والثمن الضخم الذي سيدفعونه من دمائهم من أجلها.