طالعت في هذه الصفحة موضوعات عن تشابه وتطابق أحد أعمال الفنان السعودي نايل ملا مع أحد أعمال الفنان جاسبير جونز مع ما أكدته بعض الصفحات بآراء بعض من الفنانين الأصدقاء وأساتذة الجامعة وأصحاب الخبرة لتأكيد تلك المضامين فوجدت انه من الأمانة النقدية ان أوضح للقارئ والفنان وجهة نظر موضوعية في هذا التشابه البصري ولابد ان نقرأ السيرة الذاتية للفنان حيث انه من المؤكد ان لفنه تاريخاً وأنساباً.. وأبدأ ردي ورؤيتي على مستوى الإنتاج الفني فيما بين الحضارات الإنسانية، حيث نجد ان الفنون الحضارية انتقلت إليها أشكال الفنون والأساليب والطرز عبر التاريخ دون ان تذكر إحدى الصحف والمجلات أن هناك سرقة من حضارة إلى أخرى بل نقول بكل تواضع على سبيل المثال وليس الحصر ان الحضارة الإسلامية على وجه التحديد استطاعت ان تنتقي كل ما تواءم مع مبادئها وعقيدتها الدينية لاستثماره وتوظيفه في بناء حضارتها الجديدة حينذاك وخير دليل على ذلك «مسجد قبة الصخرة» وكذلك نقل الفنان في العصر الإسلامي نظم الزخارف الهندسية والنباتية من الطرز الاغريقية والرومانية وطورها وضفر معها الخط العربي وأصبحت تسمى «الارابيسك». وعلى مستوى الفن الحديث والمعاصر فإن كثيراً من المتخصصين قد تختلط عليهم أعمال كل من بيكاسو وجيراك في المرحلة التكعيبية إلا بتوقيع الفنان على عمله، إضافة إلى ان بيكاسو درس واستفاد من المصفات الافريقية بطريقة مباشرة ولم يتهم بالنقل والسرقة لأن الفن أخذ وعطاء للحصول على خصوصية الفنان، كما ان هناك الكثير من البحوث والدراسات التي أكدت ان الفنون الأوروبية تأثرت بالفنون الشرق أوسطية والعربية دون اتهامها بالسرقة أو النقل. أما الحدث الذي نحن بصدده فينقسم إلى قسمين الأول وهو الفنان نايل ملا الذي بدأ مشواره الفني عام 1982م حتى الآن وشارك بالعديد من المعارض ومثل السعودية وشارك في كثير من المحافل آخرها بينالي القاهرة الذي قدم فيه عملاً لاقى اعجاب الجمهور والنقاد والفنانين وهو «بكاء الخشب» واستطاع خلال عشرين عاما مواصلة الانتاج دون انقطاع بالإضافة إلى تقديمه الكثير من الأفكار التي مازال معمولاً بها ويؤكد ذلك السيرة الذاتية للفنان وكان حصوله على جائزة المفتاحة وجائزة السفير وغيرهما، إذاً الفنان «نايل ملا» له تاريخ وأعماله تنسب إليه دون أدنى شك في ذلك فهو فنان منتج وشارك في الحركة التشكيلية السعودية والعربية. القسم الثاني وهو الفروق البينية للعملين المنشورين من خلال رؤية تكاد تكون موضوعية وهي: 1 الأساس البنائي للعملية: يعتمد جاسبير جونز على الخطوط الرأسية والافقية كأساس بنائي عند إعداد عمله فتنشأ الشبكية المربعة هندسياً ويضع داخل مربع رقماً لاتينياً بتقنية الاستنسل، بينما يعتمد «نايل ملا» على حسية الخطوط الرأسية والأفقية بطريقة عضوية شبه هندسية دون الالتزام بها في بعض من مناطق العمل الذي يدمج فيها أكثر من مربع في مساحة واحدة، كما انه لا يعتمد على النماذج المعدة للطباعة بالاستنسل، بل يقوم بعمل حركات لونية مباشرة بالفرشاة على سطح العمل ذاته مما يؤكد على احتفاظ سطح العمل بتخانة اللون كملمس حقيقي على السطح. 2 المفردات التشكيلية: يستخدم «جاسبير جونز» الحروف اللاتينية «الأرقام» كمفردات تم توزيعها دون دلالة قرائية فقط. بينما اعتمد «نايل ملا» على عناصر زخرفية تراثية سعودية للمثلثات المتعاكسة والخطوط الزجزاجية والمربعات والدوائر بين التلميح والتصريح حتى يدمج كلاً من الشكل والأرضية في آن واحد. 3 المعالجات اللونية الضوئية: يعتمد «جاسبير جونز» على التوازن اللوني للعمل من خلال استخدام الألوان الباردة والساخنة كشكل وأرضية داخل المربع مع توزيع اللون الأبيض كوسيط يؤدي إلى التقليل من حدة التباين بين الألوان المتكاملة في معظم أجزاء العمل فجاء الضوء مفتوحاً على العمل ككل. بينما نجد «نايل ملا» يعتمد على مجاميع الألوان المتوافقة في رحلة لونية من البارد إلى الساخن والعكس مع توزيع مراكز ظليلة متنوعة على السطح فتنشأ ومضات لونية ضوئية بين تلك المراكز الظلية الداكنة. الخداع البصري وأخيراً للتأكيد على الاختلافات البينية لابد وان نلاحظ من خلال التأمل الدقيق ان الشكل العام للعملين يؤدي إلى وجود تشابه ولكن عند تكبير جزئي أو تفصيلي للعملين يتضح الاختلاف الشاسع والمسؤول عن ذلك هو عملية الادراك البصري وخداعها حيث إن مجموع الأجزاء اكبر من حجمها الحقيقي. وأحب ان أوجه كلمة وسؤالاً مهماً: هل لو لم يحصل «نايل ملا» على جائزة السفير كانت ستقام هذه الحملة ضده؟ وإلى متى سنظل نبحث عن سلبيات الآخرين دون الاهتمام بالإنتاج الإبداعي ونترك للتاريخ الحكم الموضوعي والحقيقي على المفلسين والمبدعين؟ أ.د أحمد عبدالكريم