العمى مسمى يطلق على فقدان البصر.. أعلم أن لا جديد في هذا ولكن من يقرأ شعر بشار بن برد يدرك أن العمى هو ما يصيب كل الحواس ويفقدها القدرة على إيصال الشعور والتواصل لأنه تجاوز كل ظلمة حواليه ووصف كل ممكن و لا ممكن.! بشار بن برد الشاعر الذي تعود أصوله لفارس شاعر مخضرم عاش في أواخر الدولة الأموية وذاع صيته في الدولة العباسية أمر الخليفة المهدي بقتله لزندقته وتطاوله وعدم مبالاته وفجوره. كتب أعذب الشعر في الغزل بالرغم من دمامته وعدم قدرته على الرؤيه لذلك كنت دائماً أبحث في سر أن تكون أعمى وترى ما لا يستطيع صحيح النظر رؤيته.! هل لأن المشاعر أو حتى الموهبة قادرة على هزيمة كل إعاقه أو صعوبة تواجه الإنسان أم أن الله عندما يفقد أحدناً نعمة يزيده أضعافها في ناحية أخرى؟! هل لك أن تتخيل أن شاعراً ولد أعمى يتحدث عن العينين ويتغزل بهما ويتحاور مع طرف جميلة ويرد طرفها عليه؟! لتتراءى أمامي أبيات قيس بن الملوح الذي توفي قبل ولادة بشار بن برد بستة وعشرين عاماً..! لأجد تداخلاً عجيباً بين مشاعر قيس بن الملوح الإنسان المتيم الذي عاش لوعة فراق محبوبته وكيف وصل إلى الجنون والموت لأنه لم يتزوجها أي أمام حالة عشق كاملة، وبين بشار بن برد الأعمى الذي يتفجر غضباً وعذوبة بصور لم تكتمل رؤيتها. هل ذاكرة بشار ومجاراته للشعراء والاقتباس منهم هي سبب قدرته العجيبة على تجاوز عاهته؟! لدرجة أنني في إحدى المرات تفاجأت بزميلة تقول إن بشار بن برد هو القائل: ولكنني راهنتها على أنه لجرير وفعلاً هو كذلك ولكن شاعرنا كان قد اقتبسه من قصيدة جرير عندما أصابه الغيظ والغيرة من مغنية كانت تتغنى بهذا البيت الذي ذكره في قصيدة (وذات دلٍ).. لتظهر أمامي حالة لا أعلم حقيقة كم من الدراسات كتبت عنها وكم من الحكايات نسجت عن قدرته الشعرية العجيبة على الوصف، فكيف لإنسان ولد أعمى أن يعرف (البدر) ويصف المرأة الجميلة به؟! حتى لو كان هذا الوصف دارجاً أو لو حاول كل من حوله تصوير البدر له فهو لن يستطيع إدراكه لأنه لم يره.؟! عندما قال بشار بن برد: هنا وجب التصديق أن شاعرنا تحايل على كل عائق ليسجل اسمه على صفحات الأدب الخالدة. * * عندما تبصر الروح تنير طريق البصيرة ..!