نشرت صحيفة الجزيرة الأسبوع الماضي خبرا عن اختتام مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والابداع «موهبة» ممثلة في مبادرة البرامج الإثرائية المرحلة الأولى لبرنامج «تطوير المهارات الشخصية» لطلاب وطالبات موهبة والذي أقيم في كل من الرياض والدمام وجدة, وشارك فيه 130 طالباً و 133 طالبة. وإن المملكة تحتل المرتبة الأولى على مستوى الوطن العربي والخليجي في رعايتها للموهوبين، في حين أن تصنيفها الدولي يحتاج إلى الكثير لتصل إلى مراتب متقدمة. كما أن واقع الموهوبين في السعودية مقارنة بدول العالم المتقدم في الوقت الحالي يحتاج إلى الكثير من البرامج المتنوعة الخاصة بالموهوبين على مختلف فئاتهم العمرية والعلمية، مع ضمان استمراريتها على مدار العام. ولقد اهتمت الولاياتالمتحدةالأمريكية بالإبداع منذ عام 1920م عن طريق إسهامات تيرمان في أبحاث التفوق العقلي والابتكار واستمر هذا الاهتمام وزاد من خلال برامج لتربية الموهوبين والمبدعين مثل برامج (أستور) للأطفال المبدعين الذي يستهدف إعطاء الأطفال المبدعين برامج خاصة من خلالها إشباع حاجياتهم النفسية. وتعد الحرب العالمية الثانية نقطة تحول انعكس أثرها على جميع المجالات ومنها المجال التربوي، مما أدى إلى زيادة اهتمام الوالدين بسير العملية التربوية في المدارس, ولعل أبرز ملامح هذا الاهتمام تمثل في النشاطات التالية: تأسيس الجمعية الأمريكية للأطفال الموهوبين عام 1947 م، ونشر ويتي wittyكتابه عن الموهوبين عام 1951م، وتشكيل الجمعية الوطنية للأطفال الموهوبين عام 1953م. ويعد نجاح الروس في عام 1957م في غزو الفضاء الشرارة الأولى التي استفزت الأمريكان، وأدت إلى إيجاد قناعة بأن التقدم التكنولوجي الروسي لم يأت من فراغ, بل جاء نتيجة تفوق مواهبهم وفاعلية طرق تعليمهم ورعايتهم للموهوبين، مما أدى إلى اتساع النظام التعليمي الأمريكي ليشمل تقديم أفضل البرامج والنظم التربوية لإعداد الموهوبين ورعايتهم باعتبارهم أمل أمريكا. كما تطورت الأبحاث والدراسات التي اهتمت بالموهوبين في الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث بلغت في عام 1950م ثلاثمائة وثمانين بحثاً، قفزت إلى ألف ومائتين وتسعة وخمسين بحثاً في عام 1965م، كما ازدادت ميزانية الإنفاق على البرامج التربوية الخاصة بالموهوبين بين عامي 64-1968م بنسبة 94%, واهتم المتخصصون بتوفير أساليب الرعاية التربوية المناسبة للموهوبين سواء في مدارس خاصة بهم أم في برامج خاصة لبعض الوقت من اليوم الدراسي. وفي أغسطس 1972م تم تكوين المعهد القومي للمتفوقين ( LTI) . وفي 1975م تم عمل تمويل جماعي خاص بالموهوبين وكانت كبداية.وفي الثمانينيات انحدر الدور الفيدرالي في تعليم الموهوبين وتم تمويل مركز البحوث القومي للموهوبين وذوي القدرات. وفي سنة 1990م كانت ال 50 ولاية الأمريكية لها سياسات في تعليم الموهوبين وجميع الخمسين ولاية قد رسمت سياسات تعليم الموهوبين رغم اختلافها في نوعية البرامج . وتعد اليابان أمة المائة والعشرين مليون متفوق، أما أسرار التفوق الياباني في الإنتاج والإبداع والإدارة صناعة الآليات والإلكترونيات فتتمثل في: اهتمام المعلمين في اليابان بالأطفال المتفوقين عن طريق تنمية القدرات والمهارات لديهم، والمساعدة على تنمية المواهب والقدرات للأطفال قبل سن الالتحاق بالمدارس، والنظر إلى كل طفل على أنه يمكن أن يكون موهوباً ومتفوقاً، وتعاون الآباء والمعلمين في تنمية المهارات التي تؤدي إلى الابتكارية من العناصر الأساسية في العملية التربوية، والبحث الدائب عن أفكار وإبداعات جديدة. وفي سنغافورة بدأت وزارة التربية والتعليم في سنغافورة في غرس مشروع المتفوقين في سنة 1982م، وتم استخدام المنهج الموجود ولكن اختلفت طرق التدريس ومنذ ذلك الحين امتد البرنامج وتوسع ليشمل أربع مدارس ابتدائية وثانوية وكان تركيز البرنامج على الموهبة العقلية التفكيرية وتبنى المواهب الفنية. إن الجهود البرمجية للتعرف على القدرات وتغذيتها تأثرت بالسياسات الحكومية وكيفية تأثير هذه الجهود يعتمد على عدد من العوامل مثل التركيبات والعلاقات بين المستويات الحكومية وأياً كان فهي تؤثر على كل مظاهر تعليم المتفوقين لتطوير وتسهيل أو تعطيل ومنع البرامج . إن مجال الموهبة والموهوبين يقع أمام تحديات كبيرة يجب أن تدركها جميع المؤسسات التي تعنى برعاية الموهوبين وذلك لرعايتهم وتقديم كافة السبل من أجل الارتقاء بأدائهم وتجعل وضعهم في برامج رعاية الموهوبين أمراً ملائماً ومعقولاً وتكون البرامج فعالة بالنسبة للجميع. والموهوبون لا يمكن إيجادهم عن طريق المصادفة فقط، وبما أن المصادفات لا تصنع المعجزات كان لا بد من البحث عن الموهوبين بشكل دقيق وصادق، ويجب أن يتركز البحث عنهم في الأماكن التي يتوقع وجودهم فيها كالمدارس، والأندية (الرياضية والاجتماعية والثقافية) وأندية الانترنت والقطاع الأهلي أو الحكومي. وعند معرفة الموهوبين يكون من الواجب الحفاظ عليهم وهنا تكمن الصعوبة الحقيقة لأن المحافظة عليهم هي أكبر دليل علي نجاح برامج رعاية الموهوبين وهي المقياس الحقيقي لجودة العمل في هذا المجال. ولا يمكن النجاح في هذا المجال إلا عن طريق تعاون الجميع، القطاع الخاص والمجتمع المدني والحكومات وتكاتف الكل من أجل الوصول إلي الهدف الأسمى المرجو من هذه الفئة وهو بناء الأمة والرقي بها. إن غياب التنسيق والتكامل بين مؤسسات التعليم العام والتعليم العالي والكيانات الأخرى التي يمكن أن تساعد في نفس المجال للاهتمام ببرامج الرعاية في كل المراحل التعليمية وإعداد ملف تعليمي شامل ومتكامل لكل موهوب يتضمن الخلفية الأسرية والتعليمية ومجالات الإبداع وعلى أن تتم متابعة الموهوب من المرحلة الابتدائية إلى المراحل الجامعية وفق برنامج متكامل بإشراف لجان رعاية الموهوبين في كل مراحله دراسية وعلى أن تتولى الجامعة متابعة جهود المرحلة الثانوية في رعاية الموهوبين بتوفير مقاعد دراسية وحوافز للابتعاث الخارجي ومواصلة الدراسات العليا، فإن غياب هذا التنسيق يبدد جهودا كبيرة جداً كان بالإمكان استثمارها في رعاية الموهوبين.