تركي بن محمد بن فهد يزور مجلس التنمية الاقتصادية في مملكة البحرين    القيادة تعزّي ملك مملكة تايلند في وفاة والدته الملكة سيريكيت    رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية يغادر المدينة المنورة    رئيس وزراء جمهورية ألبانيا يصل إلى الرياض    الكاراتيه ينهي بطولته المفتوحة    الشورى يقر توصيات لتدريب وتأهيل القاصرين لاستثمار أموالهم بفاعلية    يايسله يختار بديل رياض محرز    نائب أمير الشرقية يطّلع على جهود جمعية "انتماء وطني"    انطلاق أعمال اليوم الثاني من القمة العالمية للبروبتك 2025 بمناقشة التحول العقاري الذكي والابتكار المستدام    أمير الشرقية يرعى انطلاق فعاليات النسخة الثانية من موسم التشجير الوطني    المملكة: تطلق أول منشأة لتصنيع العلاجات الجينية والخلوية    القيادة تهنئ الحاكم العام لسانت فنسنت وجزر الغرينادين بذكرى استقلال بلادها    الموارد البشرية والتجارة تعلنان توطين 44 مهنة محاسبية جديدة في القطاع الخاص    أكثر من 11.7 مليون عمرة خلال ربيع الآخر    الاحتلال الاسرائيلي يعتقل 20 فلسطينياً    الجلاجل يفتتح ملتقى الصحة العالمي ويعلن توقيع اتفاقيات ب 124 مليار ريال لتعزيز الاستثمار في القطاع    جمعية نماء للخدمات الاجتماعية تطلق دورة "تصميم الجرافيك للمبتدئين" بجازان    تحت رعاية خادم الحرمين.. انطلاق النسخة ال9 من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار بالرياض    والدة الإعلامي أحمد الغامدي في ذمة الله    لأن النفس تستحق الحياة".. جمعية "لهم" تُطلق فعالية توعوية مؤثرة في متوسطة 86 عن الصحة النفسية والإدمان    أوكرانيا تستهدف موسكو بعشرات الطائرات المسيرة    لبناء القدرات وتبادل الخبرات وزارة الدفاع توقّع مذكرات تعاون مع 10 جامعات    إنطلاق الملتقى العلمي الخامس تحت عنوان "تهامة عسير في التاريخ والآثار "بمحايل عسير    أمانة نجران 4287 جولة وزيارة خلال أسبوع للصحة العامة    ارتفاع أسعار النفط    المعجب: القيادة حريصة على تطوير البيئة التشريعية    تعريف تجربة السفر عبر التركيز على الابتكار.. مطار الملك سلمان الدولي يطلق هويته البصرية    فريق مصري يبدأ عمليات البحث في غزة.. 48 ساعة مهلة لحماس لإعادة جثث الرهائن    الدروس الخصوصية.. مهنة بلا نظام    «التعليم»: لا تقليص للإدارات التعليمية    هيئة «الشورى» تحيل تقارير أداء جهات حكومية للمجلس    إنستغرام يطلق «سجل المشاهدة» لمقاطع ريلز    إسرائيل تحدد القوات غير المرغوب بها في غزة    تمهيداً لانطلاق المنافسات.. اليوم.. سحب قرعة بطولة العالم للإطفاء والإنقاذ في الرياض    قيمة الدعابة في الإدارة    2000 زائر يومياً لمنتدى الأفلام السعودي    الصحن الذي تكثر عليه الملاعق    المخرج التلفزيوني مسفر المالكي ل«البلاد»: مهندس الصوت ومخرج المباراة يتحملان حجب أصوات جمهور الاتحاد    أثنى على جهود آل الشيخ.. المفتي: الملك وولي العهد يدعمان جهاز الإفتاء    تركي يدفع 240 دولاراً لإعالة قطتي طليقته    يامال يخطط لشراء قصر بيكيه وشاكيرا    علماء يطورون علاجاً للصلع في 20 يوماً    كلية الدكتور سليمان الحبيب للمعرفة توقع اتفاقيات تعاون مع جامعتىّ Rutgers و Michigan الأمريكيتين في مجال التمريض    480 ألف مستفيد من التطوع الصحي في الشرقية    غوتيريش يرحب بالإعلان المشترك بين كمبوديا وتايلند    رصد سديم "الجبار" في سماء رفحاء بمنظر فلكي بديع    8 حصص للفنون المسرحية    صورة نادرة لقمر Starlink    قافلة إغاثية سعودية جديدة تصل غزة    المعجب يشكر القيادة لتشكيل مجلس النيابة العامة    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنفيذ البرنامج التثقيفي لمنسوبي المساجد في المنطقة ومحافظاتها    الضمان الصحي يصنف مستشفى د. سليمان فقيه بجدة رائدا بنتيجة 110٪    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هيفاء بنت تركي    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الأميرة هيفاء بنت تركي بن محمد بن سعود الكبير آل سعود    116 دقيقة متوسط زمن العمرة في ربيع الآخر    النوم مرآة للصحة النفسية    اكتشاف يغير فهمنا للأحلام    نائب أمير نجران يُدشِّن الأسبوع العالمي لمكافحة العدوى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجهاد في الإسلام له شروط وضوابط وأحكام لا تتوافر في الجماعات التي تزعم أنها تجاهد في سبيل الله
نشر في الجزيرة يوم 31 - 08 - 2014

إن من يتأمل أحكام الشريعة الإسلامية الغراء في كل المناحي الدينية، والسياسية، والاقتصادية، والعسكرية، وغيرها، يجد أن من أبرز صفاتها السماحة والتيسير، والوسطية، والاعتدال، والرحمة، وأن ذلك كله من أكبر مقاصد الإسلام، كما قال - تعالى -: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ البقرة: 185، وقال - تعالى -: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج: 78، وقال - تعالى -: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ البقرة: 286. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة» يقول العلماء: الحنيفية هي ضد الشرك، والسماحة ضد الحرج والمشقة. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه».
والمتأمل في التاريخ الإسلامي منذ فجر الإسلام يتضح له أن من أهم الصفات التي أدت إلى انتشار الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها هي ما يتصف به من العدل والسماحة، والوسطية، والتراحم، لأن هذه الصفات كلها من الأمور الفطرية التي فطر الله عليها الناس جميعاً، لأن حقيقة السماحة هي: التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، والوسطية بهذا المعنى هي من كمال الأمة الإسلامية، وقد امتدحها الله - تعالى - بهذا الوصف الكريم، فقال - تعالى -: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا البقرة: 143.
ولاشك أننا - في زمننا هذا - إذا أردنا نشر الإسلام، والدعوة إلى الله - تعالى - فإن الواجب علينا أن نرجع إلى سماحة الإسلام، وعدله، ورحمته، ووسطيته، في جميع أحوالنا، ونطبقها تطبيقاً عملياً، لنكون قدوة وأسوة حسنة، وأن نبرز هذه المعاني الجليلة، والآداب الإسلامية الرفيعة، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
ومن خلال ما تقدم يظهر لنا السبب في حرص أعداء الإسلام على الادعاء الكاذب بأن الإسلام انتشر بالعنف والسيف، وأنه دين التشدد والقوة والإرهاب، والاستدلال على ذلك بما تفعله بعض الجماعات المنتسبة إلى الإسلام، من أفعال القتل، والتنكيل، والإجرام، والعنف، والبطش، وتصوير ذلك، ونشره على أوسع نطاق، ليقولوا للعالم: إن هذا هو الدين الإسلامي، وانظروا ماذا سيحل بكم، إن انتشر هذا الدين، وأصبح مهيمناً على العالم، فسيتحول العالم إلى فوضى، وقتل، وتشريد، واستعباد، وأخذ للجزية، وغير ذلك، باسم الجهاد الإسلامي.
ومما يساعد على ذلك، ويقوي من انتشاره وتصديقه في الغرب، جهل أكثر الغربيين بالإسلام، وعدم معرفتهم بأصوله، ولا قواعده، ولا مقاصده، ولا مبادئه، ولا أحكامه، لأنهم يتلقون معارفهم وتصوراتهم عن الإسلام، من وسائل الإعلام التي يسيطر عليها اليهود، وأعداء الإسلام، ويبثون من خلالها كل ما يسيء إلى الإسلام، ويشوه صورته، وإلا لو كلفوا أنفسهم دراسة الإسلام من مصادره الأصلية من الكتاب والسنة لتغيرت نظرتهم إلى الإسلام، ولدخلوا في دين الله أفواجا، ولاشك أن هذا من أكبر وجوه تقصير المسلمين في تبليغ رسالة الإسلام على الوجه الصحيح، والتفريط في القيام بواجب الدعوة إلى الله، تعالى.
ولو درسوا الإسلام من مصادره لعلموا أن للجهاد في الإسلام شروطاً وضوابط، وأحكاماً، لا تتوفر في الجماعات التي تقول: إنها تجاهد في سبيل الله، وأن ما تقوم به من أعمال، لا تتفق مع أحكام الجهاد المبينة في الفقه الإسلامي.
وهذا يجرنا إلى أن نوجه كلمة إلى الذين يحرضون الشباب المسلم المتحمس على التوجه إلى بعض المواطن التي يحصل فيها النزاع، واقتتال داخلي، ويفتونهم بأن ذلك من الجهاد في سبيل الله، وإعلاء كلمة الإسلام، ونصرة الحق إلى غير ذلك، مع عدم توفر شروط الجهاد وأركانه، مما يعد تغريراً بشباب الأمة، وإلقاء بهم إلى التهلكة، وإحراقاً لقلوب أمهات أولئك الشباب وآبائهم، فهؤلاء الشباب المغرر بهم بين حالتين: إما أن يقتلوا في البلاد أو يسجنوا، وإما أن يعودوا، وقد تشربت نفوسهم أفكاراً منحرفة، وغلوا في الدين، مما يجعلهم خطراً على الوطن والبلاد والأمة.
ولو درسوا الواقع دراسة منصفة لعلموا أن الأدلة على أن الإرهاب لا دين له، ولا وطن كثيرة ومتعددة، كما أن الإرهاب ليس طارئاً على الحياة البشرية، فقد عانت منه الأمم والشعوب في كل العصور، ولعلنا نذكر من أمثلة التنظيمات الإرهابية غير الإسلامية: الألوية الحمراء في إيطاليا، والجيش الأحمر في ألمانيا، والحركة الانفصالية للباسك في أسبانيا، وغيرها كثير في أمريكا اللاتينية، هذا بخلاف الأعمال الإرهابية التي ترتكبها جماعات أو أفراد لتحقيق أهداف ذات طابع سياسي، والتنظيمات والبؤر الإرهابية التي ارتكبت الأعمال الآثمة في المملكة، لا تختلف عن غيرها من التنظيمات الإرهابية في أي مكان آخر في العالم، وإن اختلفت الشعارات التي ترفعها، أو حاولت التستر برداء الدين.
وبراءة الإسلام من الإجرام، أو ما يفعله المجرمون المتسترون بالإسلام أو غيره من الديانات واضحة وضوح الشمس، لا ينكرها إلا من كان في عينه رمد، أو في قلبه مرض، أو كان صاحب هوىً أو غرض، بل إن الإسلام هو أعلى الأديان صوتاً ضد الغلو والتطرف، وكل ما من شأنه الإخلال بالأمن أو ترويع الآمنين، فما بالك بإهدار الدماء التي حرمها الله إلا بالحق ؟ وما بالك أن تقع هذه الجرائم المشينة في بلاد الحرمين الشريفين ؟
إن الأدلة الشرعية التي تثبت رفض الإسلام للإجرام والإفساد، ومناهضته له، هي الأدلة نفسها التي تكشف الأهداف الخبيثة لمرتكبي الأعمال الإرهابية وزيف دعاويهم لتبرير هذه الأعمال، أو كسب التعاطف معها، وهي أدلة كثيرة وقاطعة، ولا يمكن الالتفاف عليها بإساءة التفسير، أو التأويل، أو إنزالها في غير مواضعها، ومن هذه الأدلة: قوله - تعالى - في محكم الكتاب العزيز: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا النساء: 93.
وقوله - تعالى -: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ الإسراء: 33، فماذا يقول مرتكبو الأعمال الإرهابية في قتل المسلمين الأبرياء في بلادنا ؟
وفي السُنة المطهرة ما يترجم، ويفسر، ويفصل الهدي القرآني في تحريم الإجرام والإفساد بكل صوره وأشكاله، ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف :» اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله، وما هن ؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق،...»، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء «، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه مالم يصب دماً حراماً»، قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: «من ورطات الأمور التي لا مخرج منها لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله»، وفي الحديث الشريف :»كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت مشركاً، أو يقتل مؤمناً متعمداً»، ويقول صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالكعبة: «ما أطيبك، وما أطيب ريحك ! ما أعظمك وما أعظم حرمتك ! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم حرمة منك، ماله ودمه، وأن تظن به إلا خيراً».
فهل يبقى بعد هذه النصوص الصريحة من القرآن الكريم والسنة المطهرة في حماية دماء المسلمين، وجهاً لمرتكبي هذه الأعمال الإرهابية التي أهدرت دماء مئات المسلمين والمعاهدين المستأمنين دون وجه حق، بعدما قرن الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الصحيحة إهدار دماء المسلم بالشرك بالله، وقال: إن حرمة دماء وأموال المسلمين أعظم عند الله من حرمة البيت الحرام والكعبة المشرفة؟
وهل يبقى لمن ينخدعون بدعاوى المجرمين الباغين، وشعاراتهم الزائفة حجة في التعاطف معهم، أو محاولة العثور على مبرر لذلك ؟ والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: «من قتل مؤمناً فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً»، كذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار».
إن النصوص السابقة، وغيرها الكثير مما لا مجال لذكره هنا، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على مخالفة هذه الأعمال الإجرامية لتعاليم الإسلام، وأن مرتكبيها موعودون باللعنة والعذاب في الآخرة، وأنهم خارجون عن جماعة المسلمين، حيث تؤكد هذه النصوص تأكيداً صريحاً على عدة أمور منها:
* تحريم قتل المسلم بغير حق، وأنه من أكبر الكبائر.
* أن النبي صلى الله عليه وسلم جعله قريناً للشرك في عدم مغفرة الله لمن فعله.
* أن من قتل مسلماً متعمداً توعده الله بالغضب واللعنة والعذاب الأليم والخلود في النار.
* أن الدم الحرام هو أول المظالم التي تقضى بين العباد، وحصول الخزي يوم القيامة لمن قتل مسلماً بغير حق.
* أن قتل المسلم بغير حق من أعظم الورطات التي لا مخرج منها.
* عظم حرمة المسلم دمه وماله، حتى إنه أعظم من حرمة الكعبة، بل إن زوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم.
* أن الإعانة أو الإشادة أو تسهيل قتل رجل مسلم اشتراك في قتله بالإثم.
هذا كله في قتل المسلم، فكيف إذا اقترن ذلك بتفجير الممتلكات، وإهدار الأموال والثروات، والإخلال بالأمن، وترويع الآمنين من المسلمين، والانتحار، وغيرها من كبائر الذنوب التي لا يقدم عليها إلا من طمس الله على بصيرته، وزين له الشيطان سوء عمله ؟
ولأجل ذلك، ولأجل مخالفة الإرهاب لأصول الدين الإسلامي، ومناقضته لمقاصده السامية، فإن المملكة العربية السعودية - وهي دولة الإسلام، ومحكمة شرع الله - تأتي في مقدمة دول العالم في محاربة التطرف والإرهاب، ويدل على ذلك أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - عرض للعالم فكرة إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب قبل عشر سنوات، وتم تبنيها بالإجماع من المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي عقد في الرياض عام 2005م كما تم تبنيها بالإجماع من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2006 م، وساهمت المملكة بعشرة ملايين دولار لإطلاق المركز، ووقعت اتفاقاً في هذا الشأن مع الأمم المتحدة عام 2011م.
وفي هذا العام 2014م يأمر خادم الحرمين الشريفين بتقديم مائة مليون دولار لدعم جهود المركز في مكافحة الإرهاب، ومحاربة الجريمة، وهو ما كان محل إشادة من الأمين العام للأمم المتحدة وغيره من المسؤولين في المنظمات العالمية.
وإذا كانت المملكة قد أدت دوراً كبيراً في مكافحة الإرهاب، فإن مسؤوليتنا في مواجهة الإرهاب والمفسدين يجب أن تنطلق أولاً من واجبنا في الدفاع عن صورة ديننا، وسماحة شريعتنا التي جاء بها خاتم الأنبياء رحمة للعالمين، ضد كل من يحاول تشويهها عن جهل أو عمد، أو كان مدفوعاً من قبل أعداء الإسلام، والعلم بأن نجاحنا في هذه المواجهة يدعم جهود الدعوة إلى الله بين غير المسلمين.
كما يجب أن نضع نصب أعيننا أن ما تحقق من مكتسبات في بلادنا، وما تنعم به من أمن ورخاء، ونعمة يحسدنا عليها الأعداء، ويتمنون زوالها، ولا ريب أن كل عاقل يدرك أن الأعمال الإرهابية تنافي مقاصد الشرع في حفظ الضرورات الخمس « الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال «، وهي أعمال غير مقبولة لا عقلاً ولا نقلاً، لما يترتب عليها من قطع للحرث والنسل، وهدر للأموال والأنفس وترويع الآمنين.
وفي ضوء هذا الوعي، تصبح مسؤولية مواجهة خطر الإرهاب مسؤولية جماعية، بل ويصح القول بأنها مسؤولية الأسرة الدولية بأسرها، إلا أن تضارب مصالح وتباين سياسات المجتمع الدولي، أضر بهذه المسؤولية، وأعطى الإرهاب مساحات كبيرة للحركة والتوسع والانتشار، وفي المملكة العربية السعودية لا يمكن حصر مسؤولية مواجهة هذا الخطر في رجال الأمن، أو الأجهزة الأمنية فقط، فالأمن في الإسلام واجب شرعي، ويجب أن تتضافر وتتكامل الجهود لحمايته، وإذا كان رجال الأمن بحكم عملهم يخوضون المواجهة المسلحة في تعقب المجرمين المطلوبين، ويقدمون أرواحهم في أداء الواجب دفاعاً عن عقيدتهم وأمن بلادهم، فإن كل شرائح المجتمع تتحمل مسؤولية المواجهة بدرجة لا تقل أهمية، في استئصال بذور الفتنة، بعدما تأكد للجميع أن هؤلاء المجرمين يعانون من فساد الفطرة، وتشتعل قلوبهم بالحقد والضغينة على الإسلام وأهله، وأنهم يعملون في خدمة أعداء الإسلام، ويحققون مصالحهم في الإساءة إلى شريعتنا الغراء، شاؤوا أم أبوا، علموا أو لم يعلموا.
ويأتي في مقدمة المؤسسات المعنية بمحاربة الإرهاب: المؤسسات الشرعية، بحكم أنها المعنية ببيان حكم الشرع في الإرهاب، وتبصير الشباب بأمور دينهم، وتوعيتهم، وإرشادهم، وتقويم فكرهم بحجة العلم، وبرهان العقل، وأن تضع خططاً دائمة مستمرة لمحاربة الإرهاب، ومعالجة أسبابه ودوافعه، والوقاية من الوقوع فيه، فالوقاية خير من العلاج، كما ينبغي أن ينبغي أن يكون هناك تنسيق للجهود بين المؤسسات الشرعية، وتعاون بينها في صد هذا الخطر الداهم.
وهذه المسؤولية الجماعية هي ما أشار إليها سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله - بقوله: «علينا جميعاً أن نكون رجال أمن ويداً واحدة للمحافظة على عقيدتنا، وسلامة وطننا، وأنه حان الوقت لكي يقوم كل بجهده»، ويأتي في نفس الاتجاه ما قاله سمو ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز: «أن الشعب السعودي كله هو المستهدف من هذه التفجيرات، وليس رجال الأمن فقط؛ لذا فكل مواطن مطالب بحماية العقيدة، والثبات عليها، وحماية بلادنا من كل غاشم سواء في الداخل أو الخارج».
ومسؤولية المواجهة تبدأ من الأسرة لتربية الأبناء تربية إسلامية صحيحة، بحيث تحميهم من الانسياق أو التأثر بأية دعاوى مضللة، كذلك المؤسسات التعليمية تتحمل جانباً كبيراً من المسؤولية في هذه المواجهة، ووسائل الإعلام - أيضاً - مطالبة بكشف الوجه القبيح للإرهاب، وإذا كان العلماء قد قالوا كلمتهم في بيان رفض الشريعة للإرهاب مراراً، فإنهم مطالبون بالاستمرار في تفنيد هذه الدعاوى، وتوجيه خطابهم للشباب على وجه الخصوص في أماكنهم في المدارس، والجامعات، والأندية الرياضية، والمفكرون والأكاديميون والمثقفون، كل له دوره في استراتيجية المواجهة، والمواطن العادي والمقيم في بلادنا مسؤول أيضاً، وأول درجات هذه المسؤولية هي رفض هذه الأعمال الإجرامية، باليد واللسان والقلب، كما أن لفرسان المنابر خطباء الجمعة دوراً كبيراً لايقل عن غيرهم، بل إن مسؤوليتهم كبيرة وعظيمة في تناول هذه الأحداث الإجرامية المشينة، وفضحها وتوجيه الناس إلى المخاطر الجسام للغلو والتطرف، كما أن للإعلام مسؤولية في نشر تلك الخطب المنبرية وأحاديث الدعاة المتمكنين عبر القنوات الإعلامية، مقروءة ومرئية ومسموعة، فالمسؤولية ليست قاصرة على فئة دون أخرى.
إننا مطالبون جميعاً بأن نفتح عيوننا بشكل أكبر، لنكشف تحركات هؤلاء المفسدين، ونفسد مخططاتهم، وأن نبلغ عمن نعرفه منهم، حتى ولو كانوا أبناءنا أو إخواننا أو أزواجنا أو آباءنا، علينا أن نوقف كرة الثلج هذه قبل أن تكبر، فلا نجد أمناً ولا أماناً، ولا ديناً ولا حياة، إلا حياة الغاب.
علينا أن نزيد من تمسكنا بديننا بشكل صحيح، وأن نقوي صلتنا بعلمائنا، وثقتنا في ولاة أمرنا، وأن نعلنها صريحة أنه لا مساومة على ديننا، أو وطننا، أو أمتنا، أو طاعتنا لولاة أمورنا، والله ناصرنا.
ونسأل الله أن يحفظ بلادنا آمنة مطمئنة، وأن يقيها شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.