ينظر أهل المنطقة الشمالية إلى مشروع الملك عبد الله لتطوير مدينة وعد الشمال بالكثير من التفاؤل، فهذا المشروع حمل لهم وعوداً جميلة بالتنمية من خلال المشاريع الصناعية العملاقة التي ستقام في المدينة. هم ينظرون إلى مشروع المدينة بوصفه إضافة تنموية للمنطقة وليس فقط مشروعاً استثمارياً يدر عوائد مجزية للجهات التي استثمرت أو سوف تستثمر في المشروع سواء كانت من القطاع الحكومي أو القطاع الخاص. ومن المؤكد أن العائد الاستثماري مهمٌ لكي يكون المشروع قابلاً للحياة والاستمرارية، ولكن العائد الاجتماعي الأشمل هو ما يهم الناس في تلك المنطقة التي ظلت على هامش التنمية لسنوات طويلة. وبمعنى آخر، فإن الناس في المنطقة يتساءلون عن «الروابط» التي ستنشأ بين منطقتهم وبين المشروع، وهي ما يُعرف ب «المدخلات» و»المخرجات». وتتمثل المدخلات فيما يمكن أن يوظفه المشروع من أبناء وبنات المنطقة وفيما يمكن أن يستخدمه من عناصر الإنتاج المختلفة ذات المنشأ المحلي وما يشتريه من السلع والخدمات الأخرى التي ينتجها اقتصاد المنطقة. أما المخرجات فتتمثل فيما يمكن أن يثري الاقتصاد المحلي من منتجات المشروع ويتم توظيفه مجدداً في مشاريع أخرى بالمنطقة. يضاف إلى هذا كله ما يسمى بالوفورات externalities لمجتمع المنطقة وفي مقدمتها ما يمكن أن تقدمه الشركات العاملة في المشروع من خدمات اجتماعية متنوعة للسكان المحليين. وقد شهدت مدينة وعد الشمال توقيع عقود بقيمة تتجاوز 36 مليار ريال وذلك في مطلع هذا الشهر (فبراير 2014) بحضور وزراء ومسؤولين من القطاع الحكومي ومن القطاع الخاص في احتفالية كبيرة. وهذه المبالغ وغيرها تبشر بمستقبل واعد لاقتصاد المنطقة وللاقتصاد السعودي بشكل عام. وقد قرأت المقال الذي كتبه المهندس سعد المعجل، الصناعي ورجل الأعمال المعروف، في جريدة الجزيرة في الأسبوع الماضي وساق فيه بعض الملاحظات تحت عنوان «ملاحظاتي من أجل مدينة وعد الشمال». وقد استوقفتني إشارته السريعة إلى ما صنعته شركة التابلاين من تغييرات كبيرة في المنطقة الشمالية عند إنشاء خط التابلاين مع نهاية الأربعينيات الميلادية وبداية الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي. إن ما يتوقعه أهل المنطقة الشمالية هو -على الأقل- شيء مماثل لما فعلته التابلاين عندما أشعلت فتيل التنمية في المنطقة. فقد أقامت الشركة مشاريع حيوية ذات بعد اجتماعي هائل مثل تقديم الخدمات التعليمية والصحية ومشاريع البنية الأساسية ونشر الوعي من خلال إقامة محطة تلفزيونية وخدمات توعوية أخرى. وقد راجت التجارة وانتعشت الحياة الاقتصادية في عرعر وطريف والقيصومة ورفحا وامتد التأثير حتى الجوف وحائل وكل مدن وقرى الشمال. ومن المؤسف إن خط التابلاين توقف بعد ذلك، فذبلت التنمية في المنطقة وصار أهلها يبحثون عن الخدمات الصحية في مستشفيات الأردن، وتلاشت الخدمات الأخرى التي كانت الشركة تقدمها للسكان المحليين ولكل من يأتي من خارج المنطقة. وقد قرأتُ أن شركة معادن وقعت مذكرة تفاهم مع المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني لإنشاء مركز تدريبي في مدينة وعد الشمال لتأهيل أبناء المنطقة للعمل في وعد الشمال. أتمنى أن يكون ذلك أول الغيث، فما ينتظره أهل المنطقة من وعود مدينة وعد الشمال أكثر من ذلك بكثير وما يتمنونه هو ألاَّ يكون عائدُها على المنطقة هو فقط أعمدة من الدخان الصناعي الملوِّث للبيئة واستنزافاً للموارد المائية.