الغرض من الاستشارة، هو حصول المستشير على رأي مستقل من المستشار بعد أن يشخص الموضوع محل الاستشارة، وبعد تقليب للمعطيات والبدائل المتاحة والنتائج المتوقعة من الرأي على المديين القصير والطويل. معظم زعماء العالم لا يعينون مستشارين دائمين، بل هم يطلبون المشورة متى احتاجوا لها من أهل الخبرة ذوي الاختصاص في موضوع الاستشارة. السبب في ذلك على ما يبدو يكمن في أن المستشار الذي يستمر في عمله مع المستشير لمدة طويلة، فإن المستشار مع مرور الوقت يفقد الاستقلال في الرأي، لا لفساد في الذمة، وإنما بحكم المعاشرة اليومية للمستشير وتأثره بالظروف المحيطة كما هو حال المستشير، فما يستشار فيه من أمور إنما نشأت بين ظهرانيه وربما كان سبباً أو ساهم في نشوئها. بعض المستشيرين، حباهم الله بذكاء خارق وقوة شخصية وحضور طاغٍ، مما يسبب إرباكاً وتردداً لدى (المستشار) وخشية في إبداء الرأي لاحتمال الخطأ. وبعض المستشيرين، يعينون المستشارين، ليسمعوا منهم ما يوافق رأيهم، ليدعموا به توجههم. المفارقة هنا، في معظم الأحوال، أن (المستشار) الدائم، صاحب الرأي السديد، الألمعي العتيد، تغريه صحبة (المستشير) بعدم مخالفته، فيسديه رأياً يوافق هوى المستشير لا عقل (المستشار)، وهنا ينتفي الغرض من الاستشارة. قد يكون من الحكمة واستهداف الرأي المحايد لمصلحة (المستشير) أنه، إذا ما لاحظ (المستشير) أن (المستشار) قد تسربل بأفكار (المستشير) وتأدلجت آراءه بتوجهات وقناعات (المستشير) ولم يعد يشير بما يخالف رأي المستشير، أن يدرك أن (المستشار) قد دخل في مرحلة انتهاء الصلاحية، وعليه أن يجرب (الاستشارة الطائرة) فيطلب الرأي من (مستشار) لم يتسربل ولم يتأدلج، ولا يحتفظ في عقله الباطن بأية أحكام مسبقة تتعلق بالمسألة المطروحة موضوع الاستشارة. ختاماً، أرجو ألا يُثير ما كتبه (المستشارون) من أمثالي فهم والحمد لله سرمديون.