الإنسان العاقل والراشد يستنير برأي غيره، ويطلب ذلك كي يحالفه الصواب ويكسب الثواب، فقد قيل "ما ندم من استشار ولا خاب من استخار"، وإذا كانت الاستشارة بهذه الأهمية فمن نستشيره أهم بكثير من الاستشارة نفسها، وكثير منا عندما يريد الاستشارة في أمر عارض أو موضوع يتردد في ذهنه ويريد حسمه تراه يبحث عمن يوافقه ويشجعه على الرأي حتى لا يثبط عزمه وهمته وكأنه يبحث عن التأييد والتعزيز لا عن الرأي السديد والرشيد، والمواقف والتجارب التي تمر بالإنسان يميز من خلالها بين أصدقائه وإخوانه فيعرف المجامل المحابي المصادق وبين الأخ الصادق الواضح الصريح. وإذا كانت الاستشارة المراد منها وغايتها "الوصول للهدى والقرار السليم"، فعلى المستشير أولاً تحري الإنسان الأكمل في ذلك عقلا ودينا وعلما فيما يريد أن يستشير فيه، فالعقل كي لا يحابي أو يلاطف أو يصادق، والدين ليختار الأنفع للمستشير ولأجل أن يوفق ويسدد، إذ إن التوفيق من الله وحده كما قال الله تعالى على لسان شعيب "وما توفيقي إلا بالله"، والعلم في الأمر المستشار فيه حتى يتزن في رأيه ويثق بقوله، وعلى المستشير أيضا أن يعرض موضوعه بكل تفاصيله وجوانبه ونواحيه حتى يستوعب المستشار الأمر ويتأمله بشكل كاملا ودقيق، فالمعلومات الصغيرة أهم من المعلومات الكبيرة أحيانا، وينبغي على المستشير كذلك أن يحتسب طلب المشورة قربة إلى الله تعالى عملا بقوله تعالى "وشاورهم في الأمر" فإن النية باب خير لا يعرفها إلا من جربها. هذا وعلى المستشار أيا كان صديقا أم زميلا أم أخا أم موظفا أم شريكا أن يثق بأن المطلوب منه عدم المصادقة فيما يسمعه كي يكسب رضا واستحسان من طلب رأيه وألا يكون همه البحث عن الرأي والإجابة والحل الذي يرغب ويميل إليه المستشير، بل عليه أن يسعى جاد ومخلصا إلى إسداء الرأي المتجرد عن قناعة وثقة دون قسوة أو جفاء أو مبالغة، فإن ذلك أدعى وأضمن لكسب المستشير، إذ إنك أرضيت ضميرك وربك بما توصلت إليه من فكرة أو نتيجة وسيزيد من ثقته برأيك حيث صدقت معه ولم تصادقه على هواه ورغبته، وهنا يظهر الفرق بين المستشار المجامل والمستشار المصادق.