لا تكثر الأعمال التجارية الحرة في دول مجلس التعاون الخليجي، على رغم التاريخ العريق في المنطقة المتمثل في التجارة وريادة الأعمال، فالعمل الحر يستقطب جزءاً ضئيلاً من إجمالي اليد العاملة، يقل عن ثلاثة في المئة من العاملين لحسابهم الخاص. وأشار رئيس قطاع البحوث في شركة «آسيا للاستثمار» فرانسيسكو كينتانا في تقرير إلى أن «معظم دول مجلس التعاون الخليجي يقدم ميزات متشابهة، ويتراوح معدل الأعمال التجارية الحرة بين 3 و4 في المئة من إجمالي السكان العاملين في الكويت وعُمان والبحرين والإمارات، بينما يشكل كل من قطر والسعودية حالة خاصة، حيث يعمل 0.5 في المئة فقط في قطر بمشاريعهم الخاصة، وثمانية في المئة في السعودية، علماً أن أحدث تقدير جرى قبل 23 عاماً». ولفت كينتانا إلى أن «نشاط الأعمال التجارية الخاصة يمثل مرتبة أقل بكثير من معيار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (أو إي سي دي) التي تعد مجموعة من الدول ذات مستوى دخل مماثل لدول مجلس التعاون الخليجي، ويعمل فيها نحو 16 في المئة من السكان لحسابهم الخاص». وأوضح تقرير «آسيا للاستثمار» أن «انخفاض العمل الحر يشكل عائقاً للنمو الاقتصادي لأن روح المبادرة هي من السبل الرئيسة التي من خلالها تُطبّق المعرفة الجديدة في الاقتصاد، لقدرتها على زيادة المنافسة والكفاءة، والدول التي لديها مجموعة كبيرة من الشركات الصغيرة هي أكثر مرونة للتحولات في الدورة الاقتصادية أو في العوامل الهيكلية مثل التكنولوجيا». وأكد كينتانا أن «تحليلات تجريبية أظهرت أن الدول التي تتمتع بمستويات أعلى من تأسيس شركات وإغلاقها هي التي تكون قادرة على رفع عامل الإنتاجية الكلية ونمو الناتج المحلي الإجمالي». وأضاف: «أظهرت دراسة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن عند حدوث تغيير نسبته 10 في المئة في المتغيرات مثل الشركات الصغيرة، والعاملين في الأعمال الحرة أو معدل تأسيس الشركات، يزيد الدخل بين 5 و9 في المئة، ويقلص البطالة 3 في المئة بعد أربع سنوات». وأوضح الباحث أن «ثمة نوعين من العوامل الرئيسة التي توضح انخفاض مستوى التوظيف الذاتي في دول الخليج، الأول والأهم يشير إلى دور القطاع العام في سوق العمل، ويُتوقع أن تقدم سلطات دول الخليج للمواطنين الأمن ووظائف جيدة الأجر وتخلق جو عمل محفزاً، في حين لا يمكن لشركات القطاع الخاص في كثير من الأحيان أن تطابق الشروط والرواتب التي يقدمها القطاع العام». وأضاف: «تحمّل تبعات المخاطرة لتأسيس مشروع تجاري خاص يصبح غير جذاب عندما يكون البديل هو وظيفة مستقرة براتب عال ومن دون خطر، فالقطاع العام المتوسع، مثلاً، هو السبب في تراجع العمل الحر في عُمان من 11 إلى 4 في المئة من إجمالي اليد العاملة بين عامي 2000 و2010، وإذا جرى تحديث الإحصاءات الواردة من السعودية، فقد نشهد تطوراً مماثلاً، مع انخفاض ملحوظ من نسبة الثمانية في المئة من اليد العاملة الذاتية المسجلة عام 1992». أوضح كينتانا أن»العامل الثاني الذي يوضح انخفاض مستوى التوظيف الذاتي في دول الخليج هو الآلية المعقدة لإنشاء عمل تجاري حر، إذ احتلت دول مجلس التعاون الخليجي، المرتبة 112 بين 189 دولة في فئة بدء النشاط التجاري، وذلك في المسح السنوي الذي حمل عنوان دوينغ بزنس 2015 الصادر عن البنك الدولي بهدف المقارنة بين سهولة ممارسة الأعمال الحرة في الدول». وأضاف: «تصنف كل دول الخليج تحت مرتبة ال100، وتقع الكويت في المرتبة 150، بينما تشكل الإمارات الاستثناء الوحيد في المنطقة إثر تصنيفها في المرتبة 58». وتتطلب آلية إنشاء مشروع تجاري في الكويت المرور بأكثر من 12 إجراء إدارياً و31 يوماً، في مقابل ستة إجراءات وستة أيام في الإمارات. ووفقاً للبنك الدولي، فإن دول المجلس الأخرى أقرب إلى الكويت منها إلى الإمارات. وختم كينتانا: «لا ينبغي أن يكون العمل التجاري الحر هدفاً بحد ذاته بقدر ما هو أداة لبلوغ مكانة متقدمة وأهداف أكثر أهمية من مثل النمو طويل المدى، والتدابير التي تتبعها الحكومات في الخليج لتحقيق هذا الهدف واضحة ولكنها صعبة التنفيذ لأسباب اجتماعية، كما تحتاج هذه الدول إلى خفض الصعوبات لخلق عمل خاص، والأهم من ذلك، أنها بحاجة إلى التوقف عن تقديم فرص العمل لجميع المواطنين في القطاع العام».