يحاول معظم الدول النفطية، كلما توافرت له طاقة إنتاجية فائضة، زيادة إنتاجه في حال ارتفاع الأسعار، أو في حال توقع هذه الدول حصول زيادات مستقبلية في الأسعار. والهدف من هذه السياسة واضح جداً، وهو تحقيق أعلى ريع نفطي ممكن من خلال استغلال الفرص المتاحة. وهذا ما يحصل في جمهورية روسيا الاتحادية حالياً، بحسب المعلومات والدراسات الصادرة عن شركات النفط العاملة في البلاد، إضافة إلى الوزارات المعنية في موسكو. فتوقعات وزارة الاقتصاد الروسية هي أن معدل سعر النفط الروسي المصدر إلى الخارج (نفط يورال)، سيرتفع إلى معدل سنوي مقداره نحو 65 دولاراً للبرميل، مقارنة بنحو 61 دولاراً لعام 2009، كما تتوقع الوزارة ارتفاع سعر نفوطها المصدرة، إلى نحو 71 دولاراً للبرميل بحلول عام 2012. وعلى رغم أن سياسة زيادة الإنتاج في زمن ارتفاع الأسعار مفيدة لبلد معين، إلا أن النتائج، في حال استمرت هذه السياسة فترة طويلة، من دون تنسيق مع بقية الدول المنتجة، تكون سلبية على هذه الدولة وبقية الدول المنتجة، لأن هذا يزيد العرض على الطلب فتنهار الأسعار إلى ما دون المستوى المطلوب. كما ان هذه السياسة، في حال اشتدادها، قد تؤدي إلى حرب أسعار. تُعتبر روسيا من الدول النفطية الكبرى. فحجم الاحتياط يُقدَّر ب80 بليون برميل من النفط الخام، مقارنة بحجم الاحتياط السعودي المقدر ب264 بليون برميل، والإيراني المقدر ب137 بليوناً والعراقي المقدر بنحو 115 بليون برميل. أما بالنسبة إلى الإنتاج في السنوات الماضية، فقد وصل إلى أعلى مستوى في نهاية حقبة الاتحاد السوفياتي إذ سجل معدل 12 مليون برميل يومياً، لينخفض إلى مستويات دنيا في أوائل تسعينات القرن العشرين إذ عمت الفوضى قطاع الطاقة الروسي، مثله مثل بقية القطاعات الاقتصادية في البلاد. لكن الإنتاج بدأ يرتفع تدريجاً منذ أواخر التسعينات إذ سجل نحو 6.2 مليون برميل يومياً عام 1998، وهو في ارتفاع مستمر منذ ذلك الحين. وسجل معدل الإنتاج نحو 10 ملايين برميل يومياً لفترات قصيرة خلال بضعة أشهر عام 2009، والتوقعات تشير الى استقرار مستوى الإنتاج عند مستوى مرتفع خلال عام 2010، إذ تتوقع وزارة الاقتصاد أن يرتفع معدل الإنتاج على مدى السنة الجارية إلى نحو 9.9 مليون برميل، بزيادة مقدارها 140 ألف برميل يومياً عن معدل الإنتاج عام 2009، أو بارتفاع نسبته 1.4 في المئة. وتتوقع شركة «ترانسنفت» المسؤولة عن شبكة أنابيب النفط في البلاد، أن يصل معدل مستوى الإنتاج السنوي إلى 11.1 مليون برميل يومياً بعد عام 2012. ويُذكر أن معدلات الإنتاج الحالية هذه تفوق مستوى الإنتاج في أي من دول «أوبك» التي يملك بعضها طاقات إنتاجية إضافية لكنها لا تستعملها بحدودها القصوى حفاظاً على مستوى مناسب للأسعار. ستتمكن روسيا زيادة الإنتاج من حقول نفطية جديدة في كل من شرق سيبيريا وجنوبها وغربها، إضافة إلى زيادة كمية صادراتها بعد الانتهاء من تشييد الميناء الجديد (كوزمينو) في شرق البلاد المطل على المحيط الهادئ، والذي يمكن أن يخدم الأسواق الأميركية، وكذلك الآسيوية التي تتوسع في شكل كبير وسريع. لكن على رغم هذه التوسعات الإنتاجية والإمكانيات التصديرية الجديدة، ما تزال ثمة مشاكل عالقة من العهد السوفياتي السابق هي في حاجة إلى حل حازم ما بين روسيا والحلفاء السابقين في «حلف وارسو». فبعد الخلاف السعري الذي أدى إلى وقف إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوكرانيا في السنوات الماضية، نشب صراع جديد هذه السنة، لكن في السياق ذاته، ما بين روسيا وبيلاروسيا حول أسعار النفط الخام، ومن ثم نشب توتر أقلق بيلاروسيا ودولاً أوروبية أخرى حول احتمال انقطاع النفط الروسي عنها، خصوصاً ألمانيا وبولندا اللتين تستوردان بعض إمداداتهما من النفط الروسي عبر بيلاروسيا. وتوقفت الإمدادات النفطية الروسية إلى مصفاتين في بيلاروسيا فترة قصيرة. لكن بعد التجربة المرة في الصراع حول إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوكرانيا ودول أوروبية أخرى في السنوات الماضية، وردود الفعل الغاضبة من قبل الاتحاد الأوروبي، قررت موسكو هذه المرة التعامل مع الأزمة بدراية، فلم توقف إمدادات النفط الخام في شكل واسع أو فترة طويلة، نظراً إلى الخسائر المادية والجيوسياسية التي يمكن أن تتكبدها. ويُذكر أن وفداً من بيلاروسيا يتفاوض حالياً مع السلطات المسؤولة في موسكو حول هذا الموضوع بالذات. ويكمن الخلاف ما بين الطرفين في أن روسيا تريد فرض ضريبة أعلى على النفط الخام المتوجه إلى مصافي التصدير، بينما ترفض بيلاروسيا هذا الطلب. وعلى رغم صعوبة المفاوضات، وقلة الاحتمالات في الوصول إلى حل نهائي للمشكلة في الوقت الحاضر، لا يُتوقع وقف الإمدادات. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة