أمام «هيئة الحوار مع الإسلام» التي رأت النور في ختام يوم عمل ترأسه رئيس الحكومة الفرنسي مانويل فالز، في مقر وزارة الداخلية، وظيفة مزدوجة تقضي بترسيخ الديانة المسلمة ضمن المجتمع الفرنسي، والعمل على إزالة التشنّج الذي تثيره في بعض الأوساط الفرنسية. هذا ما يمكن استنتاجه من الكلمة التي ألقاها فالز في افتتاح يوم العمل، الذي ضمّ حوالى 150 شخصاً يشكّلون أعضاء الهيئة الجديدة، إذ أكد أن «الإسلام موجود في فرنسا ليبقى»، وينبغي العمل «على مستوى الضمائر» لكي يحتلّ مكانته الكاملة، وعلى الجميع أن يتحمّل مسؤوليته على هذا الصعيد. واعتبر فالز أن ترسيخ مكانة الإسلام في المجتمع الفرنسي يتطلّب «إصلاحاً وتأقلماً مع التحديات الكبرى»، لافتاً الى «أننا عند مفترق طرق»، وأن «الأسلام اليوم موضع تساؤل في البلاد، ومن الخطأ إنكار ذلك». وأشار الى أن «الإسلام حديث في فرنسا، ويثير الفضول والاهتمام»، لكنه في الوقت ذاته «يثير أيضاً القلق» الذي يحمل البعض «على الرفض والخلط»، خصوصاً في ظل الاعتداءات الدامية التي شهدتها فرنسا وتنامي الظاهرة «الجهادية». وشدّد فالز على أن الإسلام ليس المسؤول عن ذلك، وأنه «ينبغي قول ذلك لأن كسب المعركة يقضي قبل أي شيء بتسمية العدو». وانتقد «أولئك الذين يتستّرون وراء العلمانية للتحامل» على المسلمين واستبعادهم. واستنكر الاعتداءات ضد أماكن العبادة المسلمة التي ازدادت بمقدار ثلاثة أضعاف في العام الماضي. وكان وزير الداخلية برنار كازنوف، أطلق الدعوة الى إنشاء هذه الهيئة التي لا تلغي «المجلس الفرنسي للديانة المسلمة»، غداة الاعتداءات التي نفذتها شبكة الأخوين كواشي في كانون الثاني (يناير) الماضي، وأدت الى مقتل 17 شخصاً. والى جانب أعضاء المجلس التنفيذي للمجلس الفرنسي والمسؤولين عن المجالس الإقليمية للديانة المسلمة، تضم الهيئة شخصيات تم اختيارها من ضمن لائحة أُعدّت بالتعاون بين محافظي المناطق الفرنسية والمجالس الأقليمية، وفقاً لمعيارين هما اطلاعها على الأوساط المسلمة واحترامها قوانين الجمهورية. وتوزع أعضاء الهيئة التي يأتي استحداثها بعد 12 سنة على إنشاء المجلس الفرنسي، على أربعة فرق ستعمل على المواضيع التالية: بناء المساجد وإدارتها في فرنسا، إعداد الأئمة والمرشدين وتحديد وضعيتهم القانونية، ضمان أمن أماكن العبادة، ومكافحة الأعمال المسيئة للأسلام ولصورته وممارسة الشعائر الدينية. وينطوي كلّ من هذه المواضيع التي لم تجد حلاً لها منذ سنوات عدة، على كثير من التعقيدات المتعدّدة الأسباب، وفي طليعتها النقص في التمويل، والتعارض التي يمكن أن تثيره في بعض أوجهها مع مبدأ العلمانية المعتمد في فرنسا منذ عام 1905. وتضمّ الهيئة أشخاصاً لهم حساسيات ومواقف مختلفة عن حساسيات مكونات المجلس الفرنسي، الذي لم يكن يعبّر عن التعددية القائمة في أوساط المسلمين الفرنسيين، والذي افتقر الى الفاعلية نتيجة الصراعات الداخلية بين أطرافه. واختتم كازنوف يوم العمل بكلمة أكد فيها أن المسلمين «فرنسيون على أكمل وجه وجمهوريون»، معلناً عن لجنة ستتولى العمل على إنشاء مؤسسة للإسلام في فرنسا، لتمكين الرأي العام من امتلاك معرفة أفضل بهذا الدين وبالحضارة العربية المسلمة. وأكد أن الأئمة الوافدين من خارج فرنسا، سيتوجّب عليهم الحصول على شهادة جامعية ودورة تأهيل مدنية، وكذلك الأمر بالنسبة الى المرشدين. وشدّد على ضرورة إبداء مزيد من الاهتمام بالأعمال المناهضة للمسلمين. ويأمل أعضاء الهيئة في أن تؤدي هذه الصفحة الجديدة من الحوار والعمل بين المسلمين الفرنسيين والسلطات، الى نتائج فعلية على صعيد حلّ مشكلات المسلمين، ونسج علاقة هادئة بين الإسلام والجمهورية على غرار ما هو قائم مع الأديان الأخرى.