انخفاض أسعار النفط    "مدن" وهيئة التراث توقّعان اتفاقية تعاون    "مدن" وهيئة التراث توقّعان اتفاقية تعاون لدعم الصناعات الحرفية ضمن مبادرة "منتج حرفيون"    جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تنظّم حفل اعتماد الدفعة الأولى من الاعتماد البرامجي    سمو الأمير سعود بن طلال يرعى استلام هيئة تطوير الأحساء شهادة ال"ISO"    أمير المدينة: قياس الأداء ركيزة للارتقاء بالخدمات الحكومية    صون الأمن    الحكومة اليمنية تثمن مواقف المملكة    ترمب يؤكد بدء إعادة إعمار غزة قريباً و«إسرائيل» تواصل خروقات وقف النار    مجلس الوزراء: التصعيد في اليمن لا ينسجم مع وعود الإمارات    "الأزيرق" أبرد فترات الشتاء يطرق الأبواب    أمير الباحة يشدد على تعزيز التكامل بين الجهات الحكومية والخدمية    استعراض أهداف "محبة للتنمية الأسرية" أمام سعود بن بندر    فيصل بن بندر يطلع على جهود "ترجمة".. ويعزي مدير الأمن العام    قلق أممي على المحتجزين والجرحى بالفاشر    مندوب الصومال في مجلس الأمن يحذر: اعتراف إسرائيل ب«أرض الصومال» يزعزع القرن الأفريقي    "السنغال والكونغو الديمقراطية وبنين" إلى ثمن نهائي أمم أفريقيا    تغلب عليه بهدف وحيد.. ضمك يعمق جراح الأخدود    الأهلي يتغلب على الفيحاء بثنائية    تعديل ضريبة المشروبات المحلاة    «وطن 95».. تعزيز جاهزية القطاعات الأمنية    استمرار النمو بمختلف القطاعات.. 2.9 تريليون ريال إيرادات الأنشطة الصناعية    ضبط 594 كلجم أسماكاً فاسدة بعسير    مجلس الوزراء: المملكة لن تتردد في اتخاذ الخطوات والإجراءات اللازمة لمواجهة أي مساس أو تهديد لأمنها    والد الفريق محمد البسامي إلى رحمة الله    مشيداً بدعم القيادة للمستهدفات الوطنية..الراجحي: 8 مليارات ريال تمويلات بنك التنمية الاجتماعية    رغم استمرار الخلافات حول خطوات اتفاق غزة.. تل أبيب لا تمانع من الانتقال ل«المرحلة الثانية»    مشاركة 25 فناناً في ملتقى طويق للنحت    رياض الخولي بوجهين في رمضان    التوازن والغياب!    فلما اشتد ساعده رماني    باحثون يطورون نموذجاً للتنبؤ بشيخوخة الأعضاء    مسحوق ثوري يوقف النزيف الحاد في ثانية    خسارة ثقيلة للأهلي أمام المقاولون العرب في كأس رابطة المحترفين المصرية    تعرف على مستجدات لائحة تقويم الطالب وأدلتها التنظيمية    إذاعة القرآن.. نصف قرن من بث الطمأنينة    «مساء الحِجر».. تاريخ العُلا    «جدة التاريخية».. وجهة سياحية جاذبة    الميزة الفنية للاتحاد    الاتحاد وانتصارات الدوري والنخبة    متحدث التحالف: سفينتا الإمارات كانتا تحملان 80 عربة وأسلحة وذخائر    دعم سعودي للحل السياسي الإمارات تستجيب وتعيد قواتها من اليمن    الاتفاق يوقف سلسلة انتصارات النصر    مطار الملك سلمان الدولي يدشن أعمال إنشاء المَدرج الثالث    سر غياب روبن نيفيز عن قائمة الهلال أمام الخلود    محافظ ضمد يزور جمعية دفء لرعاية الأيتام ويشيد بجهودها المتميزة    أمير الرياض يعزي مدير الأمن العام في وفاة والده    جيل الطيبين    حين يغيب الانتماء.. يسقط كل شيء    «الهيئة»أصدرت معايير المستفيد الحقيقي.. تعزيز الحوكمة والشفافية لحماية الأوقاف    ولادة مها عربي جديد بمتنزه القصيم الوطني    رجل الأمن ريان عسيري يروي كواليس الموقف الإنساني في المسجد الحرام    الدردشة مع ال AI تعمق الأوهام والهذيان    انخفاض حرارة الجسم ومخاطره القلبية    القطرات توقف تنظيم الأنف    «ريان».. عين الرعاية وساعد الأمن    دغدغة المشاعر بين النخوة والإنسانية والتمرد    القيادة تعزي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وفاة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ومرافقيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل إقتصادي - جحيم الجنّات الضريبية
نشر في الحياة يوم 20 - 04 - 2009

هل تتحمّل «الجنّات الضريبية» مسؤولية أزمة الاقتصاد العالمية، وانتشار أدوات المال المعقّدة ذات الأخطار الكبيرة. أم أنها تشكّلُ فقط منافذ تتسرّبُ عبرها أحجام الضرائب الكبيرة، وتبقى في جيوب أصحابها بدلاً من أن ترفد خزائن الدول وتعوّم مواردها الضريبية؟ فالإجماع الذي حققه قادة مجموعة العشرين، في قمة لندن (مطلع نيسان/أبريل) في اتخاذ إجراءاتٍ متشدّدة لترويض هذه الجنّات - الملاذات، لا يرمي كثيراً إلى رفع السريّة المصرفية ودكِّ حصونها وإضعاف مناعتها، بل يهدفُ إلى وضعِ اليدِ على موارد مالية تشكّلُ رافعةً في خطط الإنعاش الاقتصادي، ذات مستويات الإنفاق المكثّف. إذ بدا أنّ ما من بلدٍ متهم، يتجاوب مع رفع السرية المصرفية، إلا من ضمن شروط محدّدة تفرض الإثبات القانوني للتهرّب الضريبي، ويبقى ما عداه، من ضمن المعايير المصرفية في مكافحة تبييض الأموال الناتجة عن الجريمة والتهريب.
ويوزّع الخبير الأميركي ريموند بايكر، موارد الجنّات الضريبية بين 5 في المئة من أموال الجريمة و30 في المئة من الفساد، والبقية تعود إلى الاختلاسات والتزوير والتهرب الضريبي. وطبيعي أن لا تأوي الملاذات الضريبية أموال الخارجين على القانون وأعضاء المافيات فقط، بل تكوّن مستخدموها من فئات ومستويات ثقافية عالية. ومن بين هؤلاء ذوو الدخل العالي المتعددو الجنسيات، الذين يرفضون دفع الضرائب المترتبة عليهم، ويفضّلون أن يدفعها الأجراء الأساسيون الذين يعملون في مؤسساتهم. ومن هذا المنطلق، اعتبرت الملاذات الضريبية أدوات، ساعدت العولمة في اتساع عدم المساواة.
ويُقدّر خبراء أن «الملاذات» تفوّتُ سنوياً على أوروبا نحو مئة بليون دولار أموالاً ضريبية، تصل نسبتها في بلدانٍ إلى عشرة في المئة من الواردات الضريبية، فيما تحتاج تلك الدول إلى تغطية عجزٍ في موازناتها يزيد على هامش 3 في المئة. ويمارسُ التفويت الضريبي أثرياء يستخدمون «الملاذات» لتمويه حجم دخولهم، سواء من أجورهم أو من استثماراتهم، فيستوطنون «الملاذات»، أو يسجلون شركات وهمية يحوّلون إليها فوائض دخولهم وإيراداتٍ لحفظها، أو عائدات المباريات، أو للتهرب من دفع ضرائب الانتقال والنفقة القوية في حالات الطلاق.
وتشير تقارير إلى أن المصارف العالمية الكبرى من أكثر مستخدمي الملاذات، تحركها لمصالحها الخاصة ولغايات ضريبية، أو من أجل المخاطرة في أدوات المال، ولاقتراح خدمات لزبائنهم الأثرياء وللمؤسسات. واستخدمت الشركات المتعددة الجنسية، من أجل تأسيس فروع تستثمر في مناطق متفرّقة من العالم، أو من أجل تكثيف أدوات حماية الملكية الفكرية، التي تدفع ضرائب قليلة عليها، وتحقق المنافع، بينما الفروع في بلدان المقصد النهائي تدفع ضرائب أعلى. وتستخدمها الشركات أيضاً من أجل إخفاء حقائق عن المستثمرين والغش في موازناتها، وتبديل أرقام حساباتها.
وتقدّر منظمة التعاون للاقتصاد والتنمية، أن جزيرة جيرسي، (مساحتها 116 كيلومتراً مربعاً)، تستقطب 500 بليون دولار من أصول لنحو 32 ألف شركة وحساباتها، أكثرها ليس سوى علب بريد، وتستقطب سويسرا 1500 بليون، بريطانيا 1300 بليون، لوكسمبورغ 740 بليوناً، الكاريبي وأميركا الوسطى 670 بليوناً، سنغافورة 370 بليوناً، الولايات المتحدة 370 بليوناً وهونغ كونغ 150 بليون دولار.
وبدت «الملاذات» الضريبية صيداً سهلاً من أجل توفير النقود، فالمساعدات المكثّفة إلى المصارف المتعثّرة، والخطط الموضوعة بهدف حصر تداعيات أزمة المال على الاقتصاد وفرص العمل، يفجر العجز في الموازنات. لذا بدت فكرة استعادة الضرائب مواتية لقادة القمة.
ويبرّر خطوة الهجوم على مراقبة المراكز المالية الخارجية «أوف شور»، أنها تسمح، بحريّة كاملة، للاعبين على مسرح المال، بأن يطوّروا نشاطات ذات أخطار عالية ورهانات مالية مجنونة ومنوّعة. فهذه «الملاذات» لم تتسبب بأزمة الرهانات العقارية العالية الأخطار في أميركا (السبرايم)، لكنها لعبت دوراً بقي لغاية الآن مغموراً. ويُبيّن تقريرٌ ل «مكتب المحاسبة الحكومي» الأميركي، أن جزءاً من النظام المصرفي الوهمي «أوف شور»، أسسته مصارف أميركية في جزر كايمان، من اجل أن يروّج لحسابها سندات المال المعقّدة، وكان في أساس أبعاد الأزمة.
وسواء تعلق الأمر بفشل البنك البريطاني «نورثرن روك» والاميركي «بير ستيرنز» والألماني «هيبو ريل استييت»، أو المصارف الإيسلندية، واختلاسات برنارد مادوف، وسير ألن ستانفورد، فإن الأحداث الأساسية لهذه الأزمة تمر في الملاذات الضربية. ولذا تقرّرت إعادة مراكز «الأوف شور» إلى صوابها كشرطٍ لفعالية إجراءات «تنظيم المالية العالمية».
غير أن الهجوم على «الملاذات»، لا يضع نهايةً لانحراف العولمة المالية، على رغم تشدّد إجراءات المصارف المركزية، المستعدة الآن لأن تراقب الآليات التي تعتمدها المصارف في تحمّل الأخطار، ولأن تحيط في شكل أفضل، بأسواق أدوات المال الكثيرة التنويع.
يقولُ وزير المال الأميركي عام 1937 هنري مورغنتو: «الضرائب هي الثمن الذي يدفع من أجل تحقيق مجتمع متمدن، لكن مواطنين كثيرين يريدون تمدناً بسعر رخيص».
فهل تستعيد خزائن المالية العامة في العالم، ما سلبتها إياه الجنات الضريبية؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.